في بديل الائتلاف الوطني

حجم الخط
0

لم يكن صعبا أبدا توقع فشل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في تأدية مهامه التي وجد من أجلها، كثر أولئك الذين استشرفوا بشكل ناجح مآل الائتلاف، وتوقعوا ضعف أدائه منذ اليوم الأول لتأسيسه مطلع عام 2013، ومنهم كاتب هذه السطور. كيف لا وقد تشكل من ذات المنظور والآليات وبمشاركة معظم المكونات التي أسست المجلس الوطني، الذي سبقه في الفشل حتى انزوى بعيدا عن تصدر المعارضة وبات من الماضي. لم ينقذ الائتلاف من الوضع المتهافت الذي يعانيه الآن، دخول مكونات جديدة لم تكن في المجلس الوطني، وإنما على العكس تعقدت مشاكله وتعددت مصادرها، وتفاقمت الصراعات والاستقطابات داخله، إلى درجة أنها طغت على أخباره. الكارثة الحقيقية، أن من يدفع ثمن هذا الفشل وتلك التجاذبات والصراعات بين من يفترض بهم، الدفاع عن الثورة وقيادة الصراع مع نظام بشار الأسد، ليس الائتلاف ومكوناته، بل إنسان هذا البلد وأهله الأبرياء. والمدهش أن كل هذا الدمار وكل هذه المحصلة الكارثية، بدءا بالموت الذي بات خبرا سوريا بامتياز، سواء كان بالبراميل المتفجرة أو بالكيماوي أو بالجوع والحصار، كوسائل يستخدمها النظام، أو كان من إنتاج الإرهاب التكفيري والصراع البيني بين الكتائب المتشددة وأمراء الحرب والقلة المتبقية من الجيش الحر، لم يعد يسبب لمعارضة الائتلاف، أي ضيق من النوع الخلاق الذي يدفعها للبحث عن حلول جدية، وكأنها بدأت تتعايش مع تلك المآسي، أو ربما، كما يعتقد البعض، تتعيش منها. وأيا تكن إحالات الائتلاف لفشله وعجزه، إلى خذلان المجتمع الدولي للشعب السوري، أو إلى تحول البلاد إلى ساحة صراع إقليمي/دولي بالوكالة، أو إلى أي أسباب أخرى، يبدو من قبيل المؤكد أن الأزمة التي تعانيها هذه المعارضة هي أزمة انسداد معرفي وسياسي وأيديولوجي بنيوية الطابع، وأنها لذلك، لن تجيد سواء في المدى المنظور أو المتوسط أو حتى البعيد، إلا اجترار المزيد من الفشل، ولن تقدم أي فائدة نوعية للسوريين، تساعدهم على إنهاء هذا الكابوس وتعوضهم عن الأثمان الباهظة التي دفعوها من أجل ثورتهم.
لكن إذا كان حال معارضة الائتلاف على هذا النــــحو من العجز، وألا آفاق تسمح بتعديل أدائها، لماذا يمتنع على الشعب الســــوري حتى الآن، إيجاد آلية تصويبية تعيد إنتاج إدارة جديدة للوضع الثوري، من خارج هذه المعارضة طالما يتعذر من داخلها، من أطراف سياسية معارضة لا تنتمي إلى المعارضة التقليدية، أو من جيل الشباب الذي أسهم في إشعال الثورة ونشط فيها بشكل كثيف، خصوصا في أشهرها الأولى؟ هل افتقد المجتمع السوري لقوى مناعة ذاتية يحتاجها بشدة في هذه المرحلة بالغة الصعوبة والتعقيد؟
لا شك، كما يقول علم الاجتماع السياسي، أن في كل مجتمع قوى مناعة ذاتية تساعده على مقاومة آثار المراحل الصعبة التي يمر فيها، ولا شك هي موجودة في سوريا، لم تزل حية، ولم تتمكن مرحلة الاسدية والاستبداد من قتلها وتشويهها. لكن من المؤكد، أنها حتى الآن غائبة عن التأثير في الأحداث السوريا، ربما لأنها لا تزال أضعف من أن تتغلب على عوامل الإعاقة التي أفرزها قمع النظام للثورة على هذه الشاكلة المأساوية، وتداعيات ذلك المادية والنفسية عليها، بالإضافة إلى الموانع التي وضعتها في طريقها والاستبعاد الذي واجهتها به المعارضة النافذة في الائتلاف الوطني وفي إدارة الملف السياسي للثورة.
تتكون قوى المناعة السوريا وفقا لما تفترضه هذه السطور، أولا، من طبقة سياسية لا تنتمي إلى الجيل التقليدي ولم تنشأ بعد الثورة لدواعي الصراع على التمثيل والمصلحة، لكنها عانت الاستبعاد والإقصاء، منذ ما قبل الثورة، من قبل المعارضة التاريخية للنظام، تلك التي اتبعت ذات المعايير التي يتوسلها النظام للحط من شأنها وقمعها واستبعادها. ثانيا، من عدد كبير من الناشطين الشباب الذين لم تستدمجهم آليات الإلحاق والاستتباع من قبل مشاهير المعارضين القدامى والجدد، الناشطين الذين لا يشبهون الأعداد الواسعة من أقرانهم أولئك الذين إما أفسدتهم منظمات المجتمع المدني الغربي، وحولتهم الى مجرد موظفين غير معنيين عضويا بما يحدث في سوريا، أو الذين لا هدف مركزيا لهم إلا تقوية أوضاعهم وعلاقاتهم مع المعارضة التقليدية وحجز مساحة لهم بينها. ثالثا، من معارضين مستقلين وأكاديميين فلاسفة وسياسيين درسوا وخبروا السياسة وعلومها وأدواتها ومساحاتها، ممن حاولت المعارضة المتنفذة منذ بدء إنتاجها للأطر السياسية التمثيلية، أن تجذبهم لأغراض الزينة فتخفي بهم رغبتها في الاستحواذ، أو ممن أقصتهم مع سواهم عن الفعل والمساهمة في إنتاج سياسة الثورة. وحتى تتمكن هذه القوى الجديدة الممنوعة عن تملك ناصية التأثير في الحدث السوري من تنظيم نفسها وتكوين حالة جديدة تماما تمكنها من أن تتعاطى السياسة تأسيسا على أبعاد جديدة براغماتية وليست أيديولوجية، علمية وليست اعتباطية وشفهية، عملية وليست نظرية متهافتة، فتشكل طبقة سياسية ثورية ناشئة وواعدة، متحررة من الخطابات السياسية المحنطة والأفكار الميتة، وقادرة على اعتماد تقنيات السياسة العلمية، من أجل نحت مسارات عملية تؤثر في معادلات إنتاج الواقع الثوري وحيثياته داخل وخارج سوريا، لجهة توفير عوامل إسقاط الاستبداد من البلاد والقطع معه نهائيا، سيبقى الوضع السوري إلى تفاقم وتعقيد مطرد وسيستمر مصير سوريا يتدحرج بشدة نحو الهاوية.’

‘ ناشط وعضو رابطة الصحافيين السوريين

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية