الاسلاميون والتجربة التركية

حجم الخط
0

اسقاط التجربة التركية على الواقع العربي وحال الاسلاميين فيه هي تجن على الحقيقة والواقع واستنباط في غير محله …فالحال غير الحال والتاريخ والجغرافيا مختلفة تماما…الديمقرطية التركية ليست وليدة اللحظة ولا من صنع أردوغان وحده… بل هي تجربة نابعة من نضالات متراكمة من زمن أربكان رحمه الله وما قبله…وعليه فالمسار الديمقراطي التركي نابع أساسا من ثقافة الشعب التركي وله خصوصية تركيا كبلد مختلف عن العالم العربي …ثم هل من المنطق أن نحمل الاسلاميين وحدهم في العالم العربي إخفاق التجربة الديمقراطية وحدهم ونبرئ أنظمة الحكم وبقية التيارات القابضة على الدولة والمساهمة في الاستبداد وقبر الحريات والاستفراد بالسلطة؟ وفي اكثر من تجربة ”الاسلامي” ضحية انقلابات او تزوير انتخابات او اقصاء أو اتهام بالارهاب.
هناك من يتهم الاسلاميين بأنهم أخفقوا في صنع نماذج وقدوات للحكم ناجحة مع أنهم لم يأخذوا تجربتهم كاملة حتى اللحظة في أي بلد عربي ليحكم لها او عليها…أما فيما يخص مشاركتهم في التسيير فهم لم يكونوا أكثر فشلا من غيرهم وبعضهم أبدع وأعطى نموذجا ناجحا ونزيها… وفي النهاية هم بشر وليسوا ملائكة ومن حقهم أن يخطأوا ويصوِبوا تجربتهم …ثم لماذا نغض الطرف عن من حكم 50 عاما واهلك الحرث والنسل استبدادا وظلما وفسادا ثم اذا قيمنا الاسلاميين نكون أمام مسطرة ملائكية حادة وكأنهم أنبياء لا يحق لهم الخطأ في تقدير الأمور.
إن تقييم الاسلاميين على اساس التجربة التركية قياس فاسد لا يراعي الفروقات بين الشعوب وبين النخب السياسية والعسكرية وكلنا يعلم كيف انسحب الجيش التركي من الحياة السياسية بسلاسة وهدوء خلافا لأنظمتنا العربية التي ما زالت جيوشها تمسك بتلابيب اللعبة السياسية ولا تريد أن تغادر المشهد..
ان الاسلاميين ما زالوا في بداية عهدهم بالحكم وتسيير شؤون الدولة مما يوجب أن يأخذوا وقتهم وحظهم في إبراز تجربتهم ونظرتهم للأمور ثم يُحكم عليهم بعد ذلك حكما منطقيا مبنيا على وقائع لا على توقعات وتخوفات ونظرات كيدية ما انزل الله بها من سلطان .
كيف يمكن أن تحكم على الاسلامي بأنه فاشل وهو خارج الحكم أو منقلب عليه أو مسجون أي منطق وأي عقل يقبل هذا؟ إن نضال الإسلاميين في سبيل الحريات والديمقراطية ودولة القانون نضال مشهود لا غبار عليه، كما بقية التيارات العلمانية والليبرالية والوطنية، لكن على مستوى الحكم لا يزال الوقت مبكرا جدا للحكم على تجربة الاسلاميين لانهم لا عهد لهم بمسائل السلطة وإدارة الدولة ولا بد لهم من فرص ليبينوا قدرتهم ونزاهتهم وإخلاصهم في بناء الاوطان وحينها يمكن أن يكون التقييم له جدوى وعلى أساس منهجي سليم ،لا على أساس التنبؤ الكائد غير المبني على وقائع ودلائل وبراهين ملموسة.

فنيفي اليزيد – الجزائر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية