هل تفسر رئاسيات 2024 كل شيء في الجزائر؟

حجم الخط
0

أعترف بأنني وجدت صعوبات كبيرة في كتابة مقالي هذا الأسبوع، فقد كنت غير مستقر على رأي إلى آخر ساعة في تحديد الموضوع الذي سأكتب فيه، فكرت في الأول في الكتابة عن مغادرة وزير الخارجية رمطان لعمارة للحكومة، التي كانت محل اهتمام ما تبقى من صحافة وطنية، عكس الصحافة الدولية التي اهتمت باختفائه عن الساحة السياسية ومغادرته الحكومة لاحقا. موضوع ثان حاولت الاهتمام به للكتابة عنه، ويتعلق الأمر بمؤتمر حركة مجتمع السلم الثامن الذي انطلق في اليوم نفسه الذي أعلن فيه عن التعديل الحكومي، والذي أكد عدة حقائق تعيشها الساحة السياسية، لأقرر في الأخير الكتابة عن الموضوعين اللذين يجمعهما أكثر من جامع كما سنرى ذلك، اعتقد بأنه ليس بعيدا عن رئاسيات 2024 في غياب شبه كلي للمواطن، الذي غاب عن الفعل السياسي وحتى الاهتمام الإعلامي به.
لعلى اهم نقطة مشتركة تجمع بين الحدثين، هو ذلك الفتور الإعلامي والشعبي الذي لاحظته على مستوى الوسائط الاجتماعية، وما تبقى من إعلام ولدى المواطن من هذين الحدثين، لدرجة جعلتني أشك في الأمر بجد، إذا استثنينا الاهتمام الذي أولته بعض وسائل الإعلام لحالة لعمامرة، أجزم بأن له علاقة بالبعد الدولي وليس المحلي، الذي لم يعد يهتم به الكثيرون، غياب لعمامرة الذي حاول الإعلام تفسيره بعدة مستويات، منها ما هو متعلق بالطموحات التي نسبت للشخص وتأثير غيابه في توجهات السياسة الخارجية الجزائرية، وغيرها من المواضيع التي تربط بين البعدين الدولي والمحلي وهي تتكلم عن الرجل.

النظام السياسي في الجزائر لم يتعاف كليا من أزمته، ويمكن ملاحظة ملامحها في التعامل مع نخبه السياسية، وهو يُبعد وهو يُعين في الحكومة كما حدث مع لعمامرة

الكثير من الإجابات عن هذه الأسئلة التي طرح بعضها الإعلام الدولي، يمكن الوصول لها بسهولة نسبية، إذا عدنا للأساسيات التي ما زالت تعيشها الجزائر في الميدان السياسي، من بينها أن النظام السياسي في الجزائر لم يتعاف كليا من أزمته، التي يمكن ملاحظة الكثير من ملامحها في التعامل مع نخبه السياسية، وهو يُبعد وهو يُعين في الحكومة على سبيل المثال، كما حدث مع لعمامرة، فقد حصل الرجل على حضور دولي لم يعد فيه من السهل تسييره من قبل نظام يفضل التعامل مع وزراء من العيار الخفيف الأقل وزنا، من دون طموحات كبيرة فعلية، أو متصورة، علما بأنني ما زالت مقتنعا بأن الطموحات المنسوبة للعمامرة غير صحيحة، بعد أن أثبتت التجربة السياسية في الجزائر، أن خريجي المدرسة الوطنية للإدارة، على غرار لعمامرة، لا يتمتعون بهذه الصفة التي لم يحصلوا على تنشئة سياسية مؤهلة لها، فقد تعلموا وتأهلوا لكي ينفذوا سياسات، وليس لكي يضعوا سياسات، وأن الوسائط الاجتماعية التي كانت وراءها في الغالب قراءة ذات بعد جهوي، هي التي نفخت في صورة الرجل، لمّعتها وسوقتها لمن يريد أن يشتريها في ظرف تحولت هذه الوسائط إلى عامل مهم في تقييم أداء الوزراء، كما حصل مع وزير التجارة المبعد وغيره من المسؤولين المبعدين في السابق، في غياب إعلام رسمي ذي مصداقية. من دون أن يعني هذا أن لعمامرة لا يتمتع بتجربة وعلاقات دولية أكيدة ومعرفة بالملفات الدولية الحاضرة على الساحة الإقليمية والدولية، التي يمكن أن تنفعه إذا أراد ولوج هذا الفضاء الدولي الذي لم تنجح الدبلوماسية الجزائرية في اختراقه، والتموقع داخله بالحجم والنوع المطلوبين، هي التي ما زالت تهتم أساسا بالسوق المحلية وليس الدولية، وهي تنتج نخبها السياسية، التي عادة لا تعرف كيف تحافظ عليها وعلى سمعتها، كما حصل مع لعمامرة ـ الشيء نفسه حصل مع لخضر لبراهيمي – شخصيا عندما ورطه نظام بوتفليقة في أيام حكمه الأخيرة، وهو يعينه نائبا لرئيس الوزراء، زيادة على منصبه في الخارجية، لإقناع العالم الخارجي ببقاء بوتفليقة في الحكم، بعد رفضه الشعبي من قبل الحراك. ما حصل في المؤتمر الثامن لحركة مجتمع السلم يؤكد من جهة أخرى أساسيات أخرى ما زالت تتحكم في أداء النظام السياسي، وهو يتعامل مع المعارضة، حتى إن كانت طيعة ومن دون أنياب، كما هو حال حركة حمس، وهو يتلاعب بالإعلام ـ العمومي والخاص – الذي قاطع في جزء كبير منه هذه الفعالية السياسية التي مرّت في جو مريب من السكوت، يكون قد ساهم فيه الأداء الانتخابي للحركة، التي زكت رئيسها الجديد في غياب كلي للمنافسة، بعد سحب عبد المجيد مناصرة لترشيحه، الذي يقوم به للمرة الثانية، بعد الانسحاب الأول أمام أبو جرة سلطاني. انسحب مناصرة للمرة الثانية بعد أن اكتشف أن اللعبة الانتخابية مغلقة أمامه، هو الذي يكون قد خسر كثيرا نتيجة انشقاقه عن الحركة الأم وعودته لها، من دون ضمانات جدية من قبل الوجوه المنافسة له التي سيطرت على الحركة في غيابه، وهي ترسم المشهد السياسي لانتخابات 2024 الرئاسية – على منوال نموذج بوتين مدفيديف الروسي – التي تحضر الحركة عبر هذه الترتيبات التي تمت في المؤتمر الثامن لها، على نار هادئة بين نخب سياسية، تتشابه كثيرا من حيث أصولها الاجتماعية والجغرافية، زيادة على مساراتها التعليمية والمهنية، ما يمنح الخلافات السياسية بين قيادات صفها الأول هذه، عمقا نفسيا وشخصيا يكاد يحول إلى اختلاف وإلى انشقاق أو إبعاد في أحسن الفرضيات، في غياب القيادة المقبولة التي كان يمثلها الشيخ نحناح، الرجل الذي ربط علاقات شخصية مع الكثير من هذه الوجوه، التي طفت على الساحة السياسية في الوقت نفسه تقريبا، حين اشتدت فيها أزمة النظام السياسي الجزائري، وزاد منسوب تخبطه بداية التسعينيات، ارتفع فيها الطلب على الغنيمة السياسية، من قبل هذه النخب ذات الأصول الاجتماعية المتواضعة والمسار المهني المتواضع،
نخب أجمعت، كما هو الحال في حالة إبعاد لعمامرة وما سمعناه خلالها من أحاديث غير مؤكدة ومتخيلة في الغالب عن طموحات للرجل بمناسبة الانتخابات الرئاسية المقبلة، أو ما دار من صراعات تحت الطاولة بمناسبة انتخاب الرئيس الجديد لحركة السلم، على الأهمية القصوى للتغيير من أعلى، داخل هذا النظام السياسي المركزي الذي استعصى على التغيير من أسفل كما بينته حالة الحراك الشعبي.
كاتب جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية