العرض المسرحي المغربي والهيئة العربية للمسرح

حجم الخط
0

من نافل القول ان مسرح اي بلد لا تمثله عروضه ‘فحسب’.. أكيد انه واجهة ومقدمة لقراءة راهنية المشهد المسرحي في ذلك البلد.. لكن وكما يعرف الممارسون والمهتمون بالشأن المسرحي.. عندما نقول (مسرح مغربي) مثلا، فنحن لا نقصد حصرا العرض المسرحي المغربي بل معه الحركة المسرحية المغربية والحراك الثقافي المسرحي الذي يدور في فلكها من مناشط فكرية ونقدية وبحثية موازية ومعاهد ومؤسسات مسرحية وما ينتجه ذلك وغيره من فعاليات وكفاءات ممارسة وناقدة ومنظرة.. وكذا ما تشمله من وُرش وتكوين وتحسيس …الخ ناهيك على ان خانة العرض المسرحي يدخل فيها كذلك وايضا، مسرح الطفل/ المسرح المدرسي، والمسرح الموجه الى ذوي الحاجات الخاصة، ومسرح الشباب، والمسرح الجامعي، والهاوي، والمحترف و..و.. الخ
واعتقد ان شبه انعدام هذه النظرة الشاملة، واحدة من سلبيات حراك مسرحنا العربي عامة وأحد معيقات تطوره.. نريد جمهورا وحضورا في قاعات العرض دون ان تعمل المؤسسات والمسؤولين والوزارات والجهات المعنية على بناء معمار انساني منذ النشأة وفق نظرة استراتيجية للعملية المسرحية في شمولتها حتى نرفع من قيمه تذوق المسرح وترسخه في الوجدان ويصير الذهاب لمشاهدة العروض المسرحية كطقس اعتيادي ومناقشة مشاكلنا واشكاليات مجتمعنا على الخشبات وفي الساحات العامة أمر بديهي.. الطفل الذي عمره سبع سنوات في 2014 ولا نهتم بتلقينه مبادئ الفن الرابع من خلال المدرسة والمسرح المدرسي وما جاوره .. هذا الطفل سيدخل دائرة الجمهور المفقود والذي سيلهث وراءه رجالات المسرح ونساؤه ليجلس في قاعة عروضهم وهو رجل عام 2044.
المسرح اذن – كما يعلم المهتمون بكافة شؤونه – ولا اوجه هذا الكلام للعارفين به منظومة شاملة تضم في هياكلها العديد من المناشط والفعاليات والمؤسسات.. وحين توجه انتقادات مثلا، لملابسات حضور ‘المسرح المغربي’ في الدورة السادسة لمهرجان المسرح العربي في الشارقة يجب التدقيق والتمحيص في هذا الشأن.. فالمسرح المغربي لا يختزل في مشاركة عرض مسرحي (مع اهمية ذلك والدفاع عن احقية تمثيل المسرح المغربي من خلال عروض مسرحية). المسرح المغربي لم يكن غائبا عن انشطة الدورة السادسة هذه وفعالياتها بل غاب العرض المسرحي المغربي. وما قدمه ذ.الحسن النفالي ليس تبريرات بقدر ما هو توضيح كما اشار ذ.عز الدين بونيت. وإذا ما عدنا الى رسالة الهيئة العربية للمسرح الموضحة.. نجد عمقا في تفسير حضور المسرح المغربي وغياب عرض مسرحي مغربي في هذه التظاهرة .
وليست الهيئة العربية للمسرح ولا اي جهة أخرى أو اي مهرجان مهما بلغ حجمه ما سيعطي للمسرح المغربي مكانته الجمالية والفكرية في الساحة المسرحية العربية والدولية.. ومن باب الانصاف نقول هنا، أنه جاء في رسالة القائمين على الهيئة العربية للمسرح.. انه لا يغيب عنهم المسرح المغربي لأنه شريك فعال وحيوي وذلك تجسد في العديد من الاشارات. كوضع الرباط في ‘مشروع الاستراتيجية العربية للتنمية المسرحية’ كواحدة من العواصم المسرحية العربية العشر، ضمن فكرة ‘الديبوكاليبس المسرحي’ والذي يمكن ان يصبح كما جاء في مشروع العاصمة المسرحية العربية – منظومة المسرح العربي ومؤشرها والمؤثر فيها من خلال التنسيق ووضع الخطط المشتركة التي من خلالها يمكن ضبط التخصصات والرزنامات الخاصة بالمهرجانات وغيرها من الفعاليات المسرحية والتوجهات. ناهيك عن ان اول ندوتين من ‘همزة وصل نقد التجربة’ كانتا في المغرب قبل أن تنطلق في أي دولة أخرى. أما طباعة الكتب فقد اصدرت الهيئة العديد من الكتب لنقاد وكتاب معاربية آخرها هذه السنة كتاب ‘عشق المسرح’ لعبد الواحد بن ياسر، كتاب ‘عناصر التركيب الجمالي في العرض المسرحي’ لعبد المجيد شاكير ، وكتاب ‘معين بسيسو : البطولة المحاصرة’ لعبد الفتاح الشاذلي.
المسرح المغربي، كما ذكر الحسن النفالي في الحوار الذي اجرته معه جريدة ‘البيان’، يحتل مكانة متميزة داخل خريطة المسرح العربي بالإضافة إلى أن المجموعة المغربية التي حضرت بالشارقة تضم أسماء وازنة وقامت بأدوار هامة. د.خالد أمين ترأس لجنة التحكيم وقدم أهم مداخلة في ندوة المسرح والهويات الثقافية ‘المسرح والهويات الهاربة’ ود.عبد الرحمان بن زيدان عضو الأمانة العامة للهيئة العربية للمسرح ساهم في ندوة ‘همزة وصل نقد التجربة’ حول المسرح الإماراتي (وصدر له عن الهيئة حول الموضوع نفسه كتاب موسوم (المسرح في الإمارات العربية :الواقع في مرآة الذات). ود.عبد الكريم برشيد تم تكريمه ضمن كوكبة من المؤلفين المسرحيين العرب علاوة على مساهمته بمادة مهمة في العدد الاستثنائي لمجلة الهيئة ‘كواليس’، وشارك الأستاذان سالم اكويندي وعبد الفتاح الشادلي في الندوات التطبيقية للعروض المسرحية بمداخلتين نقديتين هامتين حول العرض البحريني ‘عندما سكت عبد الله الحكواتي’ والعرض الإماراتي ‘الدومينو’، وكان الأستاذ عبد الحق ميفراني أحد ركائز هيئة تحرير مجلة المهرجان ‘المسرح العربي’ وأنجز تغطيات مميزة. إلى جانب المساهمة القوية للأخ والأخت بشرى عمور ضمن تعاونية المواقع الإلكترونية للمسرح العربي ومن خلال موقعيهما ‘الفرجة’ و’الفوانيس المسرحية’. (و ساهم ايضا من خلال ادارة ندوتين تطبيقيتين حول العرض العراقي ‘عربانة’ والعرض اللبناني ’80 درجة’ ونشرت له مساهمة في مجلة الهيئة ‘كواليس’)
اما عدم مشاركة اي عرض مسرحي مغربي في الدورة السادسة لمهرجان المسرح العربي فلا يمكن باي حال من الاحوال ان يبنى عليها مبدئيا (عكس ما اشار اليه الزميل محسن زروال) ‘… شيء واحد، هو ان المسرح المغربي مسرح متخلف لايرقى لمنافسة المسرح البحريني والإماراتي والمصري واللبناني والعراقي..’ نسأل هنا : هل عدم مشاركة فرقة بلد ما في مهرجان ما يعني رأسا ان مسرح هذا البلد متخلف.. في منطق من ذلك؟ وباي حجة ؟ كم من بلد غاب عرضه المسرحي عن هذه الدورة؟ حضر النسخة السادسة 9 عروض من 8 دول.. هل باقي الدول الغير المشاركة باي عرض مسرحي، مسرحها متخلف.. بهذا المنطق يمكننا ان نطلق الكلام على عواهنه ونقول: العروض رشحت لمسابقة بغية الحصول على جائزة سلطان بن محمد القاسمي والفائز في النهاية كان العرض التونسي ‘ريتشارد الثالث’ إذن العروض الاخرى المشاركة ليست متخلفة فحسب، بل مسرح بلدانها متخلف’ وذلك سيرا على المنطق السالف الذكر.. هل هذا منطق اصلا..؟ ام ان العقل يغيب عندما تفور العاطفة.. نعرف جميعا ان كل اللجان تخضع للنقد مهما بلغت من النزاهة وتحري الموضوعية.. قد نختلف مع اختيارات اي لجنة طبعا، فأعضاؤها ليسوا انبياء منزلين ولا ‘أولياء مسرح’ معصومين .. لكن علينا احترام قراراتهم.
الانتقاد والعتاب قدر اللجان وأعضائها. لكن ما يجب علينا استيعابه هو ان المعنيين بالمشاركة في اعتقادي لم يفرقوا بين ‘ترشيحهم’ للمشاركة في نهائيات المسابقة بالمهرجان، و’اختيارهم النهائي’ للمشاركة فعلا فيه كفعاليات مسرحية .. وعشنا مع الاخوة في الهيئة العربية للمسرح وكذلك بعض الفاعلين المسرحيين المغاربة كيفية اشتغال الهيئة.. من خلال مجموعة من الاوراش الفكرية والاعلامية ‘كاطلاق تعاونية الاعلام المسرحي العربي الالكتروني’ او ‘ملتقى المسرحيين العرب في المهجر’..
ولجنة التحكيم في الشارقة التي تراسها د.خالد امين الناقد المغربي الفذ ومقدم الورقة الفكرة في احدى ندوات المهرجان ‘المسرح والهويات الهاربة’ والتي نالت تقدير الحاضرين من باحثين ونقاد.. (وهذا حضور آخر للنقد المسرحي المغربي / اي لشق من فعاليات المسرح المغربي في المشهد المسرحي العربي) سطرت هذه اللجنة في تقريرها في اختتام المهرجان وبشكل رسمي كما جاء على لسان المسرحي السوري هشام كفاريه نيابة عن اللجنة، انها اشتغلت في مناخ من الثقة والحرية.. ولم تخضع لاي املاءات..اذن على الاقل، ليفرق زملاؤنا المسرحيون بين اللجنة أو اللجان وبين الهيئة.. وتبقى اسئلة من نوع: كيف تمكنت لجنة الانتقاء النهائية من انتقاء العروض التي شاركت من بين 150 عرضا مرشحا؟ وهل انتقلت لمشاهدتها؟ هل اعتمدت على الأوراق والتقارير؟ هل اعتمدت على تسجيلات للأعمال؟ اسئلة مشروعة لان هناك آليات اشتغال للجن التي كلفت بمشاهدة العروض..
أما مبدأ التمثيلية القطرية، وان يترك لشبكة الهيئة على الصعيد القطري أن تتحمل مسؤولية هذه التمثيلية بالآلية التي تراها مناسبة لحراكها المسرحي؟ أعتقد ان هذه الآلية ستعيدنا إلى نقطة البداية حيث انه لا يمكن مشاركة اكثر من تسعة او عشرة من العروض في المسابقة، فالتمثيلية القطرية ستطرح عددا اكثر من العروض بالطبع. فكل قطر سيرغب في المشاركة.. ولا بد من التصفية فيما بعد.. وبخصوص هذه الدورة، فهذا ما حدث: ترشيح لجان المشاهدة في الدول للعروض المسرحية. هذا الترشيح يزكي الأعمال لتتنافس في المرحلة قبل النهائية كما جاء في رسالة الهيئة – ولا يضمن لها التنافس في المرحلة النهائية. لتشكل لجنة انتقاء نهائية وقد حضر عرضين مسرحيين في قائمة العشرين عرضا الأخيرة كما صرحت الهيئة.
واعتقد ان السؤال الاهم هو: كيف يمكن أن نجعل من كل مبادرات الهيئة العربية للمسرح – وغيرها إذا ما وجدت – مساهمات ومرتكز لتطوير الحركة المسرحية المغربية والعربية؟ وان نعتبر المشاريع الجادة المجددة اكبر من ذواتنا .. فإذا ما اراد احد من مشروع ان يكون على مقاس ذاته فسيكون صغيرا بحجم هذه الذات… لكم واسع الجمال.. ودام لكم المسرح نبراسا.

*مسرحي مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية