ما الذي يجمع بين الشهيدين نشأت ملحم ومصباح أبو صبيح؟

في بداية هذا العام (2016) وعندما كانت انتفاضة القدس الحالية قد بلغت أشهرا قليلة بعد انطلاقتها، كان الشاب نشأت ملحم من قرية عرعرة في وادي عارة الفلسطينية المحتلة عام 1948، يعمل أجيرا في متجر في مدينة تل أبيب، وما كان يملك حسابا على فيسبوك أو تويتر أو ما عداهما من وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كان يسمع ويرى المهانات، وعمليات القتل والإجراءات التعسفية الكفيلة بمنع التواصل، وتنقل الفلسطينيين بين قراهم ومدنهم، وحملات الاعتقال والمصادرات للأراضي ونسف البيوت بحجة البناء غير المرخص وغيرها. كل هذه العذابات والآلام والإرباكات وتعطيل المصالح في حياة الفلسطينيين، اربكت حياة الشاب نشأت ملحم ودفعته إلى طرح أسئلة عديدة على نفسه وعلى اهله وأصدقائه: لماذا كل هذه العذابات في حياتنا نحن أبناء فلسطين الأصليين، إن كنا في أراضي العام 1948، أو في الضفة الغربية، أو في القدس، أو في غزة؟
ولماذا التشريد والتهجير والاعتقال والقتل اليومي، من قبل القوات الرسمية الإسرائيلية، كما ومن قبل المستوطنين؟ وكان من الطبيعي ألا يتحمل هذا الشاب العشريني كل ما شاهد، وما سمع وما وصل إليه من معلومات، من بحر العذاب الذي يتعرض له أبناء شعبه، فخرج إلى شارع ديزنكوف في مدينة تل أبيب، وأشهر سلاحه وأطلق النار في وجه من اعتقد أنهم من الذين يسومون العذاب والقتل والتنكيل بحق أبناء شعبه، فقتل وجرح العديد من الإسرائيليين، وغادر المكان لتكتشف الشرطة الإسرائيلية وبعد نحو أسبوع من التفتيش والملاحقة ومداهمة البيوت، أنه كان في بيته في عرعرة، ليطلقوا النار عليه فيستشهد.
ذلك ما يفعله وما يتركه واقع الآلام والمضايقات والسياسات التمييزية والعنصرية ضد الفلسطينيين في وطنهم من قبل الجهات الرسمية الإسرائيلية. ليس تحريضا من أحد ولا توجيها من منظمة ما، أو تعبئة فكرية من طرف ما، علما أن ذلك ليس تهمة أو سلبية ما، بل إن أمر المواجهة مع المحتل الإسرائيلي جاء ببساطة بفعل سياسات مؤلمة وبشعة وظالمة، دفعت الشهيد نشأت ملحم وغيره من الشبان والشابات إلى امتشاق السلاح وحمل السكاكين والمفكات وغيرها من الوسائل وخوض المواجهة حتى ولو كانت فردية، وهذا هو ما دفع بمئات الشبان والشابات الفلسطينيين إلى الانتفاض بين فترة وأخرى، لأن الظلم والقسوة والضغط وتسويد العيش، حيث لا يمكن تحملهم في كل الأحوال، أفلا يذكر هذا أيضا بالظروف التي مر ويمر بها آلاف الشبان والشابات الفلسطينيين، حيث استشهد ضحية ذلك ما يزيد على 250 شهيدا وشهيدة ومئات المعتقلين في انتفاضة القدس الحالية؟.
أما في ما يتعلق بعملية الشهيد مصباح أبو صبيح، والتي حدثت في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر 2016، فهي نتاج عذابات تراكمية شخصية وجماعية للشهيد مصباح أبو صبيح (39 عالما) ولأهله ولسكان القدس العرب بأحيائها وبلداتها، وبسبب عذابات الفلسطينيين جميعا في مناطقهم المحتلة. والشهيد هو ابن بلدة الرام المقدسية، كان يداوم في المرابطة في المسجد الأقصى للدفاع عنه في وجه هجمات المستوطنين، ويستنكر ويواجه اعتداءاتهم واقتحاماتهم، لذلك فإنه اعتقل مرات عدة، وتمت ملاحقته ومطاردته كثيرا، ونغصت عليه شرطة الاحتلال حياته في تحركاته وفي ذهابه وإيابه إلى بلدته وبيته، وصودرت حريته في التنقل، ومنع من الانتقال لهذا المكان أو لغيره، وفرضت عليه الإقامة الجبرية مرات عدة، وأصبح كما لو أن مصباح أبو صبيح الشغل الشاغل لشرطة الاحتلال، وكان عليه أن يسلم نفسه للشرطة في اليوم نفسه الذي نفذ فيه العملية لقضاء حكم بالسجن لمدة أربعة أشهر، إلا أنه آثر أن يوجه رصاص رشاشه نحو المستعمرين الصهاينة في منطقة الشيخ جراح في القدس، وقضى على شرطي ومستوطنة وأصاب ستة من المستوطنين الآخرين بجروح مختلفة، لتطلق عليه النار ويستشهد.
فهل عملية الشهيد مصباح أبو صبيح هي نتيجة تحريض من جماعة أو تنظيم، أو أنها ناتجة عن واقع من العذابات اليومية التراكمية الشخصية والجماعية في حياة الفرد الفلسطيني والجماعة الفلسطينية؟ وهذا ما أشارت إليه بعض الأقلام الصحافية الإسرائيلية، وحتى أيضا بعض المسؤولين الإسرائيليين.
كذلك إن الشهيد مصباح أبو صبيح لم يكن يملك حسابا على فيسبوك أو تويتر أو غيرهما من وسائل التواصل الإجتماعي، ولم يتلق تحريضا من أحد، بل دفعته وطنيته وعذاباته إلى فعل ما فعل، وهذا ما يمكن أن يفعله مئات وآلاف الشبان والشابات الفلسطينيين إذا ما واتتهم الفرص والظروف، فإنهم سيفعلون ما فعله الشهيدان نشأت ملحم ومصباح أبو صبيح وغيرهما، والقافلة طويلة فيما الاحتلال لا يريد أن يفهم أو يتعلم أن دروس وخبرات وتجارب الشعوب المقهورة لا تأتي أو تتم عبثا، فهي معالم ومنارات على الطريق للأجيال القادمة.

كاتب من فلسطين

ما الذي يجمع بين الشهيدين نشأت ملحم ومصباح أبو صبيح؟

سليمان الشّيخ

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية