الشرق الأوسط: تحدي الدبلوماسية الفرنسية

فرصة لا تعوض، تلك التي فتحت أبوابها في وجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليعيد الرئيس إلى الواجهة حلقة مفقودة، بل ثابتا مفقودا من الدبلوماسية الدولية، وهو الحفاظ على توازن لا يوجد من دونه ضمان للاستقرار.
توالت المناسبات وتزايدت الفرص فتلقفها الرئيس الفرنسي ماكرون، ولا شك أن لعبت دورها ورقة رئيس شاب جعل من رهانات المستقبل رهان جيل كامل، فرنسيا ودوليا، كما عمل عمله شغف إيمانويل ماكرون الشخصي بالعلاقات الدولية في بلورة استراتيجية «الحوار مع الجميع» والبراغماتية في سبيل التقدم.
تعتبر دبلوماسية المصلحة المشتركة هذه عصبا حيويا في الدبلوماسية الفرنسية، إن لم يكن جديدا فهو على الاقل لم يكن معهودا منذ سنوات. والسبب الأساسي يكمن في موقع فرنسا في المجتمع الدولي، الذي تغير بانعتاقها غير المعلن عن فلسفة القيادة العليا لحلف الشمال الأطلسي، وإن لم تغادر فرنسا هذه الاخيرة مرة أخرى، بعد ان وضع نيكولا ساركوزي حدا لقرار المغادرة الذي كان اتخذه الجنرال ديغول. يبدو وكأن فرنسا ودبلوماسيتها الحالية عادت الى «المحور الديغولي» من الباب العريض وبخطى حثيثة. ولئن استرجعت فرنسا لبنة رئيسية من خصوصيتها الدبلوماسية الفريدة، فقد فعلته من دون إعلان رسمي، ما فتح لها بالنهاية المجال اكثر لممارسة تصورها للعلاقات الدولية ميدانيا وبمجرد وصول ماكرون الى سدة الحكم.
وإلا، وعلى سبيل مثال بعيد جدا عن الحصر، كيف سنصف الإصرار الفرنسي الشديد على إبقاء الاتفاق النووي مع ايران على حاله، من دون أدنى التفات الى المطالب الأمريكية بتعديله؟ وإلا، كيف سنصف رد فعل فرنسا القوي بعد انسحاب امريكا من اتفاقية المناخ وهو انسحاب يبدو أن ترامب بدأ يعيد التفكير فيه مليا؟ ثم كيف سنصف دعوة إيمانويل ماكرون للشعوب الإفريقية بالأخذ بأسباب مصيرها من الآن فصاعدا، بحيث تصبح سياسة النمو تشاركية وليس حديقة خلفية لدبلوماسية «الفرانس إفريك» الناعمة والخشنة معا؟ وكيف سنصف من جهة أخرى بعث ممارسة «الحوار مع الجميع»، أحد هذه الثوابت التي ظلت نسيا منسيا قبل أن يعود ماكرون إلى اعتمادها، بغض النظر عما يمكن أن يثيره من حفيظة اوساط كثيرة.
ينبغي ان لا يفوتنا أن دستور الجمهورية الفرنسية يضع من صلاحيات رئيس الجمهورية الاسمى، تمثيل البلد في الخارج، وبالتالي إشاعة خطه الدبلوماسي.
كانت الأسرة الدولية قد فقدت التواصل مع دبلوماسية فرنسية عهدتها بما تحمله من قدرة على البلوغ بالشأن التفاوضي إلى أقصاه، بنتائج متفاوتة بالتأكيد، ولكن أيضا بعزيمة ومركز قيادي يشهد لهما، واليوم أكثر من أي وقت مضى.
وكأن هذا التواصل عاد من جديد.
باحث أكاديمي وإعلامي فرنسي

الشرق الأوسط: تحدي الدبلوماسية الفرنسية

بيار لوي ريمون

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول حسين/لندن:

    لعادتك متألق بيار لوي ريمون
    أنا لا أغبطك فحسب،،بل بصراحة أحسدك أنك تستطيع التكلم عن بلدك كقوة عظمى (سابقة) ودولة فاعلة ومؤثرة على مستوى العالم أتمنى شخصيا لو أستطيع التكلم عن بلدي كعربي (أي بلد عربي) بمثل قولك هذا..
    أمس قرأنا من على هذا المنبر عن مصادر مطلعة بما دار بين رئيسك ماكرون والأرعن أبن سلمان، قرأنا أن ماكرون قال لبن سلمان (لا تتحدث هكذا مع فرنسا)، بصراحة شيء يجعل الفرنسي يفتخر بمثل بلاده كقوة عظمى ولو (سابقة).
    نتمنى لو تلعب فرنسا دورا أكبر رغم أنها تفعل ما بوسعهاالآن،،فلقد عانى ولايزال يعاني العالم من سياسة القطب الأوحد عندما تفردت أمريكيا بالريادة بدون منافسين حقيقيين لها،،وأوروبا لها مصالح في البلاد العربية والإسلامية تختلف وتتعارض مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية.
    نأمل أن يكون لفرنسا دور في تخفيف الظلم الذي وقع على (شعبي) الشعب الفلسطيني وذلك بالاعتراف بدولة فلسطين وان كان ذلك شبه رمزي، ولكن فرنسا تمتلك بعض أوراق لتلعبها في هذا الملف الحساس جدا ونتائجه الكارثية على العالم أجمع.

إشترك في قائمتنا البريدية