التأثيرات السلبية لإنصراف الطفل عن الأهل وتعلقه بعاملة المنزل

حجم الخط
0

لندن – «القدس العربي»: تنشغل إيفا، وهي من الجالية البولندية العاملة في أحد منازل لندن، برعاية نادين ونور وسام أثناء غياب أهلهم عن البيت. أوقات طويلة يمضيها الأولاد مع امرأة شقراء أربعينية لا تعرف عن الثقافة العربية سوى بضعة كلمات ترددها كلما أرادت فرض سيطرتها على الأطفال: ”يلا يلا”. و ”خلص مافيش”. لكن الأولاد، المولعون بايفا، يعرفون الكثير عن الثقافة البولندية. فهم يرقصون فرحاً كلما غنت لهم إيفا أغنية شهيرة من بلادها كتلك التي تدندنها لهم قبل النوم ”نحن حبات توت صغيرة” ويصرخون إبتهاجاً: ”بيروغة بيروغة” إذا ما استرقوا النظر ورأو إيفا تحضر لهم أكلتهم المفضلة: فطائر البيروغة، وهي أكلة بولندية شهيرة مكونة من عجينة نصف دائرية محشوة بالخضروات أو اللحم.
في مثل هذه الأجواء يعيش أبناء إحدى العائلات العربية في ضواحي العاصمة البريطانية لندن وهو حال الكثير من الأطفال الآخرين الذين ينشأون في بيئة مغايرة عن ثقافة أهلهم في ظل غياب الوالدين عن المنزل لساعات طويلة وتسليم زمام الأمور لعاملة المنزل التي تصبح مع الوقت، الأم البديلة التي يتشرب الأطفال في عهدها ثقافة مغايرة وعادات مختلفة وأوقاتا سعيدة وحزينة يغيب عنها الأهل في سبيل تأمين حياة أفضل لأولادهم. وفي خضم هذه التضحيات، يقع الأهل في خطر التسبب في ضرر جسيم لآفاق طفلهم في الحياة في وقت لاحق، بحسب معهد البحوث الاجتماعية والاقتصادية، بحيث يكون سببا في وقوع الأطفال في فخ ازدواجية الثقافة والتربية مما يسبب ضعفا أساسيا في عملية التنشئة الإجتماعية للأبناء. ذلك أن إحتياجات الطفل لا تقتصر على وجبات الغذاء وتغيير الملابس وأوقات اللعب والنوم، بل تتعداها لتشمل مراحل نمو مهمة يكون فيها الطفل بحاجة إلى دعم عاطفي ونفسي وإجتماعي، وهي مراحل مهمة لا يستطيع أحد أن يلعب فيها دور الأهل.

رأي علم الإجتماع

ليس ما تفعله بعض الأسر الثرية في تهيئة الملابس الثمينة وتزيين أطفالهم مهماً، بل ما يهم هو إهتمام الأم بفكر الطفل وهدوئه النفسي وسعيها الى نشر السعادة في روحه أكثر من ظاهره وملابسه. وتقول أستاذة علم الاجتماع حنان الشريف «أنّ الاعتماد على عاملات المنازل ظاهرة اجتماعية أفرزتها متغيرات اقتصادية ملحة، أوجبت خروج المرأة للعمل والمساهمة في سد احتياجات الأسرة، في ظل ارتفاع مستوى المعيشة وزيادة الأعباء المادية على رب الأسرة؛ مما أدى إلى الاستعانة بعاملات المنازل لأداء مهام الأم التي قد تتطلب وظيفتها البقاء طويلاً خارج المنزل، بالإضافة إلى عدم وجود أماكن حاضنة بديلة مهيأة لاستقبال الأطفال، وتغطية احتياجاتهم» مبيّنةً أنّ عدم وجود البدائل المناسبة لا يبرر الإعتماد على هذه الظاهرة، التي أصبحت تشكل خطراً يهدد سلامة الأسر من كافة الجوانب النفسية، والاجتماعية، والاقتصادية. ويرى استاذ علم الإجتماع الدكتور حسين الخزاعي أن وجود عاملات المنازل يؤثر على مدى تأثر الأطفال بعاداتهن وتقاليدهن المغايرة للمجتمعات العربية حيث يؤثر وجودهن في المنازل على طرق التربية والرعاية والتواصل ولو بنسب متفاوتة خاصة في السنوات التي تسبق التحاق الأطفال بالمدارس حيث انها الفترة التي يكونون فيها أكثر عرضة للتقليد والمحاكاة. ويقول الخزاعي ان هناك مسؤولية كبيرة تقع على الأمهات العاملات تتطلب تحديد خطة عمل واضحة للعاملة يتم من خلالها رسم حدود صلاحياتها وطريقة تعاملها مع الأطفال بهدف الإبقاء على علاقة منظمة واضحة بين العاملات والأطفال وتجنبا لاختلاط الأدوار بين الأم العاملة والعاملات

رأي علم النفس

إن سلوك الطفل سواء كان ايجابيا أو سلبيا يعتمد اعتمادا كبيراً على من يرعاه بشكل مباشر وفقا لمستشار علم النفس الطبي الدكتور نايف الطعاني الذي ينصح بعدم الاعتماد على عاملات المنازل بشكل مطلق كي لا يؤثر ذلك على النمو العاطفي للطفل. وتقول اخصائية تربية وطفولة الدكتورة ميسون عكروشان أن الغالبية العظمى من الأهل يعتقدون ان الطفل لا يفهم ولا يدرك، ويكتفي بتلبية احتياجاته البيولوجية الأساسية من طعام وشراب مبينة ان الأبحاث أكدت ان الطفل مزود منذ ولادته بخلايا عصبية دماغية للتفاعل مع المحيطين به وان الحرمان العاطفي في السنوات المبكرة للطفل يضعف الخلايا العصبية من التفاعل بين الطفل ومحيطه بسبب عدم التجاوب والإثارة من قبل الوالدين مما يتسبب في إعاقة نموه على الصعيد العاطفي والاجتماعي.
وتقول الدكتورة عريب أبو عميرة المختصة في العلوم التربوية أن الأم العاملة وتحت ذريعة انشغالها بالوظيفة أصبحت تلقي بعبء ادارة شؤون الأطفال والتربية على العاملات في المنازل. وتضيف ان هذا الأمر انعكس بشكل خطير من خلال ضعف العادات والتقاليد والقيم في نفوس الأطفال، الأمر الذي يؤدي الى وجود فجوة بين الأطفال وعالمهم المحيط
من جهتها، تقول اختصاصية علم النفس إلهام حسن أن «الدور التربوي الذي توكله الأم لعاملة المنزل يؤدي لحالة من الفصام بين الأم والطفل، فالأم تعامل بطريقة وعاملة المنزل بأخرى، ومع الفجوة التي تنشأ من انشغال الأب والأم عن الطفل لا يجد الأخير أمامه سوى العاملة بديلاً يهيمن على سلوكه ويعوضه فقدانه والديه».

ريما شري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية