وشهد شاهد من أهلها

حجم الخط
1

يقتبس المحلل السياسي الإسرائيلي عوفر أديرت في صحيفة «هآرتس» 5 أكتوبر الماضي، عن بن غوريون قوله بعد شهرين من إنشاء الدولة «لقد تبين أن معظم اليهود لصوص» ويستطرد: «أقول ذلك بصورة متعمدة وببساطة، لأنه للأسف هذه هي الحقيقة».
جاء ذلك في محضر محفوظ في مركز حزب ماباي، ونشرت «هآرتس» أجزاء منه على حلقات، وتقول إنه جزء من مخطوطة كتاب جديد للمؤرّخ الإسرائيلي آدم راز، يتناول فيه «سرقة الممتلكات العربية في حرب ما سموه بـ»الاستقلال» سرقة أراضي الفلسطينيين، من الشمال وحتى بئر السبع في الجنوب، ومن يافا والقدس حتى غور الأردن، مرورا بمساجد وكنائس وقرى منتشرة بين المستوطنات. لقد كتب عوفر أديرت عن الموضوع مقالاً مؤثراً في ملحق «هآرتس» يقول فيه: «ما حصل من جرائم وسرقات، كان يجب أن يثقل على بقايا ضمير أي يهودي عاقل ويغرقه في مشاعر عميقة من الخجل والذنب حتى بعد 72 سنة من إقامة الدولة.

وكالة الاستخبارات الأمريكية أعدت دراسة حول مستقبل المؤسسة الإسرائيلية توقعت فيها سقوطها خلال العشرين سنة المقبلة

كان بن غوريون من طلائع الحركة العمالية الصهيونية في مرحلة تأسيس إسرائيل، وهو أول رئيس وزراء لها، ومن المؤسسين لحزب العمل الإسرائيلي، الذي تبوّأ رئاسة الوزراء الإسرائيلية لمدة 30 عاماً، منذ تأسيس الكيان، شارك في المرحلة السابقة لتأسيس إسرائيل في الإرهاب المسلّح، عندما تعاونت الهاجاناه مع الأرجون التابعة لمناحيم بيغن، لكن بعد أسابيع من الإعلان الرسمي لقيام الدولة، أمر بحل جميع المنظمات الإرهابية المسلحة، وصهرها في الجيش الإسرائيلي. بعد التعديلات الجديدة التي طرأت على التنظيمات الإرهابية الصهيونية، أمر بإغراق سفينة محملة بالمهاجرين اليهود والأسلحة، لكسب التعاطف الدولي مع الهجرة وشرعنتها أولا وإقامة إسرائيل ثانيا. اعتراف بن غوريون يعتبر خللا أساسيا في البنية التي قامت عليها الدولة الصهيونية، التي طالما تشدّقت وما تزال بـ»الحق التاريخي لها في فلسطين» ثم اعتمدت على أساطير ومجموعة من المقولات التضليلية، التي اخترعها حاخامات القرون الوسطى، كتهيئة لإضفاء هذا «الحق» للحركة الصهيونية، وتسويغ مشروعها الاحتلالي. ثم هيّأت الأسباب السياسية والعسكرية لإقناع العالم بالتحالف مع مشروعها العدواني، التحالف مع الدول الاستعمارية، خاصة بريطانيا العظمى آنذاك (المنتدبة – المحتلّة فعليا لفلسطين) إلى جانب المساعدات المختلفة التي قدّمتها الدول الاستعمارية لتثبيت أركان الدولة المنشأة قسراً. إسرائيل هي البلد الوحيد الذي يعاني من مأزق وجودي استراتيجي. بعد ما يزيد عن اثنين وسبعين عاما من إنشائها القسري المصطنع تفتقد إسرائيل تماما إلى رعيل المؤسسين الأوائل، الذين ارتبط وجودهم مباشرة بألق المشروع الصهيوني، وبإقناع الجاليات اليهودية في أوروبا ودول العالم أجمع بـ»عدالة» الهجرة إلى فلسطين، وحتمية «نجاح» المشروع الصهيوني. من هنا فإن وتائر الهجرة إلى إسرائيل في الزمن الحالي أقلّ، مقارنة بمثيلاتها في زمن أولئك الأوائل، كما أن معدلات الهجرة العكسية منها حاليا هي أضعاف ما كانت عليه في بدايات المشروع. بالطبع عوامل أخرى كثيرة لعبت في ذلك مثل: اتضاح حقيقة إسرائيل، عدوانيتها وحروبها، ارتباطها العضوي المباشر بالاستعمار قبل تأسيس الدولة، وأثناء التحضيرات لإنشائها، وفي مرحلة التشكيل وما بعد ذلك، وصولا إلى المرحلة الحالية بالاحتلال الوحيد الذي بقي على صعيد العالم. ثمّ يتوجّب علينا رؤية وتحليل أسباب التناقضات الإثنية بين اليهود أنفسهم: شرقيين وغربيين وفلاشا، والاختلاف حتى اللحظة على تعريف هوية من هو اليهودي، إضافة إلى التناقضات الطبقية والتفرقة العنصرية بين اليهود أنفسهم، الخلاف بين المؤسستين الحاخاميتين في إسرائيل: الشرقية والغربية وغيرها الكثير. كل الأسباب السابقة ساهمت بفعالية في تسارع وتعاظم المأزق الوجودي الاستراتيجي الإسرائيلي. وبشكل عام فشلت الصهيونية في تحقيق مرادها، بجمع كل اليهود فيها. كما الوعد بأنها ستكون دولة «الحليب والعسل». الكثير من دول العالم تقول عن إسرائيل، بأنها «جيش له دولة». المؤرخ اليهودي الإسرائيلي المعروف بيني موريس، يتوقع صورة قاتمة لنهاية إسرائيل. كثير من المؤرخين اليهود في إسرائيل وخارجها يشيرون إلى العنف المتفشي في إسرائيل، وأنه سيكون سببا آخر لنهايتها الحتمية. من بين من خلصوا إلى هذه النتيجة أيضا إبراهام بورغ السياسي الإسرائيلي المخضرم ورئيس الكنيست سابقا، الذي أثارت تصريحاته ردود فعل غاضبة في دولة الكيان الصهيوني. وفي كتابه «الحرب على غزة ونهاية إسرائيل» كشف المحامي الأمريكي فرانكلين لامب أن وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه) أعدت دراسة حول مستقبل المؤسسة الإسرائيلية توقعت فيها سقوطها خلال العشرين سنة المقبلة. لذا، فإن «القدس العربي» كانت محقّة في إحدى مقالاتها المنشورة بعنوان «بين السرقتين الصغيرة والكبيرة» التي تساءلت فيها عما قصده بن غوريون، وهل يقصد السرقة الكبيرة أم الصغيرة؟ وإلى أي مدى كان صادقاً في قوله «معظم اليهود لصوص»؟ نؤكد: «أن بن غوريون لا يكره اليهود وليس نازيا جديدا ومعادياً للسامية، التهمة الجاهزة لإطلاقها على كل من ينتقد السياسات الإسرائيلية، بل هو أحد مؤسسي إسرائيل، وله فضل كبير في الكثير من إنجازاتها واستمرار وجودها حتى اللحظة. لقد سبق لنتنياهو أن تمنى بأن تحتفل إسرائيل بعيدها المئوي.
*كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول رجا فرنجية:

    بالحقيقة أن أشارة ألدكتور فايز رشيد إلى التناقضات الطبقية والتفرقة العنصرية بين اليهود أنفسهم، كما الخلاف بين المؤسستين الحاخاميتين في إسرائيل: الشرقية والغربية وغيرها الكثير هي ألعوامل ألتي ستقود أسرائيل ألى نهايتها ألحتمية مهما طال ألزمن.

إشترك في قائمتنا البريدية