هجوم 13 أبريل: سقط خط أحمر

وأخيرا، شنت إيران هجوما محدودا، ولكن برمزية كبيرة على إسرائيل، وهو مقدمة لتغييرات تجري في منطقة الشرق الأوسط والعالم، ومن عناوينها البارزة الحرب الروسية – الأوكرانية وتنفيذ إسرائيل لحرب الإبادة ضد الفلسطينيين. عرف عن إيران تبني نظرية «الصبر الاستراتيجي» وهي تتلقى الضربات العسكرية المحدودة والعقوبات الاقتصادية، طالما أنها ليست موجعة جدا، وذلك حتى تستمر في بناء مشروعها القومي المتمثل في الاكتفاء الذاتي، لاسيما في المجال العسكري والصناعي عموما. ولهذا، لم ترد بشكل فوري، أو لم ترد نهائيا بعدما تعرض كبار العلماء الإيرانيين للاغتيال في الأراضي الإيرانية، وتبين أن هذه العمليات ما كان لها أن تنجح دون جواسيس إيرانيين من الداخل. غير أن استهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في العاصمة دمشق يوم 1 أبريل الجاري كان تحديا كبيرا يمس صورتها أمام الرأي العام الدولي، وبالأساس أمام الرأي العام الوطني الإيراني، وعليه، لم تعد نظرية «الصبر الاستراتيجي» مفيدة، بل تعني الذل والمهانة.
وهكذا، شنت إيران ليلة السبت فجر الأحد هجوما على إسرائيل بما مجموعة 300 مسيرة وصواريخ مجنحة وباليستية، لم تستهدف المدن والتجمعات البشرية المدنية، بل أهدافا عسكرية. وجرى التركيز على قاعدة نيفاتيم، التي انطلقت منها طائرات إف 35 التي ضربت القنصلية الإيرانية.

الهجوم الإيراني كان محسوبا للغاية، فقد توخى الرد الانتقامي المحدود، ومن دون التسبب في حرب إقليمية، تبحث عنها إسرائيل وتريد جرّ الولايات المتحدة وباقي الدول الغربية لها. وتدرك إسرائيل التغيير الطارئ في الأجندة الأمريكية العامة التي تركز على الصين وحماية تايوان. وتريد حسم الوضع في الشرق الأوسط، بإضعاف إيران قبل أن يصبح الشرق الأوسط ثانويا جدا لدى البنتاغون. وترى إسرائيل الفرصة مناسبة، بوجود عدد من السفن الحربية الغربية وعلى رأسها الأمريكية، ثم حالة الاستنفار التي تشهدها القواعد العسكرية الغربية في الشرق الأوسط والقرن الافريقي. وأهم ما يمكن استخلاصه من هجوم ليلة الجمعة فجر السبت هو:
في المقام الأول، إيران تضع النقاط فوق الحروف لإسرائيل، ومعناه أنه مقابل كل اعتداء مباشر وغير مباشر سيكون الرد عليه فورا، خاصة بضرب العمق الإسرائيلي. منذ 13 أبريل الجاري لم يعد الهجوم على إسرائيل خطا أحمر. وفقدت إسرائيل بهجومها على القنصلية الإيرانية، ذلك الردع الافتراضي الذي تمتعت به لسنوات طويلة أمام إيران.

الهجوم الإيراني كان محسوبا للغاية، فقد توخى الرد الانتقامي المحدود، ومن دون التسبب في حرب إقليمية، تبحث عنها إسرائيل وتريد جرّ الولايات المتحدة وباقي الدول الغربية لها

في المقام الثاني، تمتلك إيران أسلحة استراتيجية قادرة على ضرب العمق الإسرائيلي مثل، الصواريخ فرط صوتية وصواريخ باليستية ذات مدى أبعد وحمولة تفجيرية أكبر، لكنها فضلت تجنب استعمالها في الوقت الراهن وجعلها الورقة الرئيسية في أي تصعيد حربي حقيقي. وعلاقة بهذا، تدرك إسرائيل أن الهجوم المركب بين المسيرات والصواريخ، استهدف فقط قواعد عسكرية. لهذا استعملت إيران نسبة صغيرة من الصواريخ الباليستية والمجنحة ذات الرؤوس الحربية الانشطارية التي لا يمكن اعتراضها، بينما كانت المسيرات من أجل إنهاك أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلي، وأكدت إيران قوتها بضرب قاعدة نيفاتيم ومركز الاستخبارات الموجود هناك. وتحدثت إسرائيل عن أضرار طفيفة وكتب الموقع الفرنسي المتخصص في القضايا العسكرية «أوبيكس 360»، أظهرت إسرائيل مقاتلة إف 35 تنزل في هذه القاعدة بعد الهجوم، ولكن من يؤكد تاريخ التصوير؟ لكن التساؤل العريض هو، كيف لم تنجح إسرائيل في اعتراض صواريخ استهدفت أهم قاعدة عسكرية إسرائيلية؟
في المقام الثالث، لن تحارب إيران وحدها، بل ستحظى بدعم بشكل أو آخر من روسيا والصين، وتأكد البنتاغون من هذا المعطى وهو يرى التشويش الذي لحق بنظام «جي بي إس» في إسرائيل. وتدرك الدولة العميقة في الولايات المتحدة مدى أهمية إيران بالنسبة للمشاريع الجيوسياسية لكل من موسكو وبكين، سواء في الشرق الأوسط أو غرب آسيا.
في المقام الرابع، أظهر الهجوم الإيراني مدى تغلغل الموساد، وأنصار التطبيع في خلق تيار، وإن كان محدودا، من المحيط الى الخليج في العالم العربي، مستعد للتشكيك في أي عمل يستهدف إسرائيل، لاسيما في حالة دولة مثل إيران يتم تقديمها من منظور طائفي، ونجحت الموساد في تعزيز فكرة العدو الطائفي لدى جزء من السنة، وكان عملها سهلا في استقطاب نسبة مهمة من المدافعين عن التطبيع دون شروط. وتجلى هذا في الادعاء بأن الهجوم مجرد مسرحية، وقارنوا بين الهجوم الإسرائيلي المباغت على القنصلية الإيرانية الذي استغل عنصر المسافة القصيرة جدا والهجوم الإيراني على إسرائيل، الذي انتظره الجميع لأن المسافة طويلة جدا. جزء من هذا التيار المتصهين عمدا، هو الذي يحّمل حركة حماس ما يجري في فلسطين ويتغاضى عمدا عن الاستعمار والجرائم التي تقع منذ 75 سنة في المنطقة. لقد كان على هذا التيار التساؤل: لماذا هرعت كل الدول الغربية لمواجهة المسيرات والصواريخ الغربية لحماية إسرائيل، في وقت تخشى غالبية الأنظمة العربية اتهام إسرائيل بجرائم ضد الإنسانية، بما تفعله في فلسطين؟
في أكثر من مقال ومنذ سنة 2006، كتبت في صفحات «القدس العربي» أن الولايات المتحدة غير قادرة على شن حرب حقيقية ضد إيران، ولن تجرأ إسرائيل على ضرب العمق الإيراني. الآن الفرصة سانحة لهما لتدمير إيران، لن يفعلا لأن عسكريا لن يستطيعا، قد يلحقان أضرارا فادحة بإيران لكن دون هزمها، وسيكون الرد قاسيا. بعيدا عن التأويلات الطائفية، وبعيدا عن الطابور الصهيوني المتغلغل في العالم العربي، عندما تنتج دولة ما كان مسلمة أو مسيحية أو ملحدة سلاحها وتجعله فتاكا، لا أحد سيعتدي. إنها أقدم نظرية في الحروب وحماية الأمن القومي منذ عهد المفكر الاستراتيجي الصيني سان تزو في القرن السادس قبل الميلاد، الذي وضع أسس التفكير الاستراتيجي لحماية الأمن القومي وما زال كتابه مقدسا لكل الجيوش في العالم.
كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية