مقامات لونية: التحوّل في الفن والإنجاز في مدينة كربلاء

حجم الخط
0

أقامت جمعية التشكيليين العراقيين فرع محافظة كربلاء ــ المعرض الثالث ضمن معارضها الموسمية، ضم عدداً من المشاركين من الفنانين، اختلفت مناهجهم وتوجهاتهم الفنية بين الرسم والنحت.
ما يميّز اللوحات كونها تُضيف توجهات جديدة في ما يقدمه سطح اللوحة، الذي نصطلح عليه التحوّل في الفن والإنجاز. لعل هذا يؤكد الجانب المعرفي الذي يقود الفنان لتوسيع نظرته لديالكتيك حركة الواقع، متجاوزاً ما سبق من نظرات لا تكون ثابتة. فتصعيد المعرفة الفنية والثقافية تدفع إلى تحقيق نوع من تجاوز النمط. والنمط الذي نعنيه هنا طبيعة الإنجاز وآلياته على سطح اللوحة.
ففي الرسم وجدنا نوعاً من التحول كما هو حاصل على لوحة الفنان عبد الأمير طعمة، إذ خلق بانوراما ضمت صور بيئات مختلفة، حقق من خلالها رؤية متنوعة وممارسة فنية تؤكد تجدد النظرة إلى طبيعة رسالة اللوحة التشكيلية.
حضرت حفل الافتتاح نخبة من محبي الفن ومريديه ذوي النظرة المستندة إلى تجربة التلقي البصري. نحاول من خلال هذه المتابعة تسليط الضوء على هذه المنجزات :

ــ الفنان إبراهيم حسين، سعى الفنان ضمن منجزه أن يُحدث نوعاً من المتغيرات في اللوحة، عبر استعمالات متنوعة ودالة للألوان. فهو يطرز السطح بألوان وأشكال نابضة تجتمع على شكل هيئات لأجساد ومساحات لونية تشكل محكية فنية. فالذهن الفني لديه مشبع بالرؤى والنظرات تُحقق النمط الشعري للون والخط.
ــ الفنان أحمد مرزوق، كعادته شكّل محكية لوحته من مجموعة مقاطع مشبعة بالألوان والخطوط ذات النمط المتحرك، الذي يؤازر المحتوى، فاللوحة سردية قادرة على احتواء التآلف بين الرموز التي تمنح الحرية للمتلقي لقراءة المحتوى وهو دليل جدية وعمق دلالي كل ما حفل به المحتوى.
ــ الفنانة آلاء الغزالي، بدت لوحتها وفق نمط ما أنجزته من فن، لكنها أظهرت قدرتها على تخيّل الأشكال والأمكنة. قدمت اللوحة مشاهد من مياه وخضرة لحقول ولفضاء مضيء.. كل هذا قدم بانوراما لونية مألوفة وشديدة التأثير.
ــ الفنان إياد زيني، من خلال لوحة البورتريت لامرأة طاعنة في السن، حقق رؤيته لظاهرة التوجع التي تُحدثها الظواهر كالحروب. فالنموذج من خلال النظرة حقق تاريخاً لجيل اختزن متروكات الأحداث، التي سببت المآسي والخسائر. كان انطباع الفنان أكثر تركيزاً على قوة الملامح، سواء على الوجه أو الهيئة، ساهمت الألوان المخففة على تصعيد وتيرة الأسى.
ــ الفنان جبار مهدي، واصل عمله الاحترافي بالألوان المائية، وترك بصماته على سلة الفواكه وانسياب الألوان التي تترك آثارها واضحة بليغة. فالمائيات ألوان تتكيف مع طبيعة رؤية الفنان وحركة ريشته المتعلقة بالذهن الفني الذي لا يبتعد عن متخيله الفني.
ــ الفنان حازم الأشهب، زاوج من خلال منجزه بين ما يتركه النص القرآني عبر حركة لولبية، وهي عين مبصرة. فاللوحة حفلت بالحركة ودلالة اللون القدسي وهيبة الحرف العربي القرآني.
ــ الفنان حامد جعفر، مشهد ريفي حافل بالأزرق المضيء، طبيعة ريفية زاخرة بالأشجار والنخيل. وهي لوحة انطباعية خلصها من التقليدية في اتجاه التلاعب بالألوان القارّة للبيئة. بمعنى تجاوز المألوف في اتجاه المتخيّل.
ــ الفنان حسين الإبراهيمي، استفاد من نفايات البيئة لخلق حياة جديدة، فالمنحوتة تُقدم قراءتين من خلال الوجه والقفا والسطحين، قدم عبرهما سردية احتوت مجموعة رموز ومقاطع كست متخيله الفني لخلق دلالة مركزة.
ــ الفنان ثامر الشيباني، على غير ما اعتاد في تنفيذ لوحاته، قدّم لوحة جامعة على نمط بانوراما تأريخية ـ ميثيولوجية، جسدت روح الشهادة ابتداء من صلب السيد المسيح حتى استشهاد الإمام الحسين. حفل السطح بجملة رموز وظواهر دالة على عظمة الشهادة كالخيول والقُباب والطير. فالمقطعات احتوت على مجموعة من الصور المتماهية مع الألوان وصفائها كصفاء الاستشهاد وصعود الذات إلى ملكوت الرب في العلى.
ــ الفنان محمد عبيد ناصر، شارك في لوحة جسدت خصائص البيئة الريفية وصفاء أجوائها، حيث تصطف الأشجار والنخيل في رواق مخضّر حتى يصل إلى مزار. وهي لوحة بمكوناتها تعرضت إلى المعتقد الشعبي ومزاولة الطقوس المقامة على الأضرحة.
ــ الفنان رزاق الطويل، حاول الفنان في لوحته هذه أن يتحول إلى المنهج التعبيري الذي يختزل التفاصيل، مكتفياً بالإشارات إلى الأمكنة بالخطوط ومساقط الضوء المجسد بالألوان غير الحادة، فقط اكتفى بأقصر الأنماط وكان اللون تلقائيا.
ــ الفنان عايد ميران، تعتمد لوحته على التركيب المختزل والموحي، مستعيناً بالحروفية والعلامات المكانية. فضاء رمادي مفتوح، الأحمر المخفف والأزرق بدرجاته. كل هذا حصل وفق تقنية منضبطة ودالة. فالفنان يتجاوز عبر أعماله النمط الذي يضع العمل ضمن التقليدية في التعبير. إنه فنان يمتلك توجها فنيا صاعدا.
ــ الفنان عبد الأمير طعمة، أيضاً كما قدم الشيباني في تقديم بانوراما مكانية وزخرفة لمحتويات البيئات التي حازت اللوحة رموزها. فتعدد القباب مروراً بانسياب المياه في أهوار الجنوب، وصولاً للعاملات من النساء والعاملين والجلسات العامّة والخاصّة والعمارة. هذا الجمع الاستعادي للوحاته في هذا الشأن قدمها بتقنية جديدة.
ــ الفنان عبد الحليم ياسر، لم يتخل عن صور الطفولة التي تتطلب فنياً الانتقاء والاعتناء باللون. وقد أفلح في هذا. كما أنه فنان مولع بهذا العالم النقي.
ــ الفنان عبد الكريم شاكر، من الصعب التخلص من خيول فائق حسن، لكن الفنان في لوحته التي احتوت رأس حصان حاول الاقتراب من النموذج الحسي ذاته، فقد تعامل معه بلوحته الملمح لحيوان ككائن بمستوى الإنسان ككائن. أرى أنه قدم صورة لحصانه الخاص.

ــ الفنان عدنان شهاب، لوحة على الجنفاص جسدت بجدارة لونية وتعبيرية نساء يحملن النذور وسط قباب ومنائر وعمارات البيوت. حاول الفنان تقديم كل هذه المحتويات باللون الأزرق الصافي والمخفف، ما يعطي الهيئة الوقار الميثيولوجي.
ــ الفنان عصام عبدالإله، تميّز الفنان كونه ملتزما ومتمسكا برموزه وأشكاله الدالة على ذهن طفولي، فهو يدرك تماما توازي الألوان والأشكال عرض بعضها بتركيبات تبدو مرتجلة، لكنها في المحصلة الرؤيوية أشكال مدروسة بدقة متناهية.
ــ الفنان عقيل المسعودي، قدمت لوحته خلاصة للأشكال الهندسية وأشكال للمستعملات اليومية والمشاهدات وفق مناخ بانورامي حافل بالألوان والخطوط اللونية، مؤكداً على دلالة الأشكال تلك ضمن الرموز الأُسطورية في الحضارات القديمة.
ــ الفنان عقيل مزعل، فنان خزاف يعتني بنماذجه أناقة ودلالة. يميل إلى الزخرفة والحركة وتوظيف الأشكال الهندسية لصالح الجمال والارتقاء بالشكل.
ــ الفنان عماد جواد، فنان مسكون بالنماذج والأمكنة الشعبية. قدّم نموذجه لرجل ناظر بأسى لما حوله، يحترف بيع السبح ودفاتر الأدعية. الفنان نظر إليه بروح المحلل النفسي، لذا كانت معظم استعمالاته موظفة للجانب النفسي الخالص.
ــ الفنان فاضل ضامد، منذ معرضه (بازة) وهو يعمل على تجاوز النمطية في اتجاه التحول في تنفيذ اللوحة، لذا كان سطح لوحته حافلا بالرموز القارّة والمبتكرة ذهنياً وفكرياً، فجمالية الأشكال وزخرفة الألوان حققا نقلة نوعية في الاستعمال، والخروج باللوحة من مكمن جاهزيتها في التلقي إلى صرامتها وليونتها في التحليل.
ــ الفنان ماجد الرفيعي، فنان أتعرف على نماذجه لأول مرة، عمله تميّز بالأناقة والبلاغة في التركيب والإضافات على السطح، التي أعطى للشكل الكروي معنى متجدداً، كما أنه وفّق في إحالة الشكل الفني إلى المنجزات القديمة من خلال توظيف الحرف المسماري بدقة متناهية.
ــ الفنانة ميسون عبد الرزاق، قدمت لوحة انطباعية، تميزت بالدقة والمهارة الفنية. اعتمدت على الظاهرة الحسية ــ النفسية للنموذج الذي يمتهن صناعة الأواني النحاسية. لعل الأناقة التي عليها الألوان دال على حس أُنثوي رصين.
ــ الفنان محمد حاتم/ في كل ما يقدمه الفنان ـ وهو من جماعة تخاطر الفنية ـ تقديم إضافة إبداعية لمنجزه الفني. فالأشكال والكُتل بدت سابحة وسط سماء مفتوحة، أو مجال شديد الصفاء، أرى أنه يخطط بتطبيقات إلى نموذجه الذي يُعد له مستلزمات التنفيذ.
ــ الفنان محمد زاير، اكتفى الفنان من خلال لوحته بالتعبير المقتضب عبر دلالات كُتل الألوان وإمكانية التعبير الواسع بأقل الأشكال والألوان، فهو يعطي للون سمة البراءة.
ــ الفنانة مروة سامي، قدمت لوحتها مشهداً نقدياً ذكياً. فالنموذج بجلسته الموحية بالحيرة وخيبة الأمل، لعل الخلفية تجدد السبب، لأنها تحتوي على جداريات قديمة. حاولت الفنانة أن تعطي للون سمة الترابي الذي تركته جداريات الحضارات القديمة.
ــ الفنان مصطفى الدعمي، شكل مثير للبصر بمحتوياته بإطار هندسي، مجموعة أشكال دالة، سماء مفتوحة، وقمر أبيض صافي اللون. ألوانه هادئة ورصينة.
ـ الفنان منصور السعيد، من اهتماماته وولعة بوسائل النقل (الدراجات) وتجسده لخصائص الطبيعة الريفية، ثمة توجه للبورتريت امتاز بسمات السؤال والدهشة لرأس إنسان من عامّة الناس. بدت مائياته كالعادة مألوفة ومناسبة في التعبير عن البُعد النفسي للنموذج.
ــ الفنان هادي صالح، رأس لفتاة مجسد بالأسلوب التكعيبي، اعتمد أناقة الألوان ودفئها من جهة، ورصانة التركيب بالرصانة والدقة. الهندسة تجسدت في كل تفاصيل اللوحة.
ـ الفنان وسام الدبوني، النحت فن يعتمد على أمرين رئيسيين هما المخيلة الفنية والخلق الفني، وكلاهما تعلق بالمتخيّل الفني. والفنان الدبوني يُضيف أمراً يخصه ويخص بعض النحاتين، وهو اعتماده على نفايات البيئة من قطع الخشب والمعادن، أو أي خامة يجدها قابلة للتحوير والإضافة. فأشكاله المبتكرة معنية بالبنية الفكرية التي تحاكي تفاصيل الواقع، سواء المحلي أو العالمي. قطع منحوتاته توحي بالرشاقة والمتانة وقوة التعبير وما عرضه في المعرض، أكد أن الفنان يمتلك قدرة على التحوير والإضافة الفنية.

كاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية