الفوتوغرافي العراقي أنور درويش: غزَّة محورٌ رئيس في معرضنا الجماعي شرق وغرب

حاوره: مروان ياسين الدليمي
حجم الخط
0

تمتلك الصورة الفوتوغرافية ذخيرة علامتية تكتنزها في طاقتها التشفيرية، وهذا ما يضعها في مقدمة التقنيات الجمالية، التي يمكن أن تسرد الزمن بأحداثه، من هنا تحتل موقعا مركزيا عالميا في الذاكرة البصرية منذ أول صورة فوتوغرافية التقطت عام 1838 في باريس. وقد بدا واضحا في المعركة الدموية التي تدور في غزة، أهمية الصورة الفوتوغرافية في كشف الحقائق المغيبة والمزيفة حول القضية الفلسطينية والتي تقف خلفها مؤسسات الإعلام الصهيوني والغربي. والصورة في جانب منها ساهمت بتعرية ما يرتكبه جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين من إبادة جماعية أمام أنظار المجتمع الدولي، ومن الناحية الأخرى كانت لها أهميتها في تأكيد صمود الشعب الفلسطيني، والمعرض الفوتوغرافي الإلكتروني الدولي «شرق غرب» في دورته الأولى التي تحمل اسم فلسطين، الذي يستعد لإقامته جمع كبير من المصوريين العرب تحت شعار «من المحيط إلى الخليج الصورة تجمعنا» تندرج أهدافه، ضمن إطار الوقوف إلى جانب شعب فلسطين، وتكتسب دورته الأولى أهميتها أيضا، في أنها ستكرم المصور الفوتوغرافي الفلسطيني الرائد خليل رعد (1854- 1957) . وللحديث عن تفاصيل المعرض كان حوارنا مع عضو اللجنة التحضيرية المصورالعراقي أنور درويش.

□ كيف انبثقت فكرة هذا المعرض، وهل خرجتم بنتائج مثمرة نتيجة تعاونكم مع مصورين وجمعيات عربية، وما هي هذه الجهات العربية؟
■ فكرة هذا المعرض انبثقت من خلال حوار جرى بيني وبين علاء الباشا مدير نادي عدسة فن مصر، واتفقنا بعدها على فكرة ترشيح ممثل عن كل بلد عربي توكل إليه مهمة اختيار عدد من مصوري بلده، على أن لا يتجاوز العدد 30 مشاركا، وأن لا تكون المشاركة انتقائية، بل عن طريق لجان فرعية، حيث تنتقى الأعمال الجيدة التي لا تخرج عن محور المشاركة، واتفقنا على أن يكون مضمون المعرض الوطن والهوية، ووصلت إلى اللجنة التحضيرية 273 صورة ومشارك(ة) من 20 دولة عربية. بالتاكيد هذا المعرض تحقق نتيجة تعاوننا مع نادي عدسة في جمهورية مصر العربية، والجمعية المغاربية للتصوير الضوئي، وهو المعرض الإلكتروني الثاني بعد المعرض العربي الأول، الذي اقيم في فترة جائحة كورونا، وسبق أن أقمنا معرضا في القاهرة والإسكندرية تحت عنوان»سرديات المدن» بالتعاون مع نقابة التشكيليين في مصر ونادي عدسة.

□ لماذا تأخرت خططكم بالعمل الجماعي مع زملائكم من المصورين في البلدان العربية، هل كانت هناك عقبات معينة؟
■ العقبة الأكبر في إقامة أي نشاط فني أو فعل إبداعي هي معضلة الدعم المادي، فكل ما ذكرته تحقق بجهد شخصي وإمكانيات ذاتية، ومنها السفر إلى مصر وإقامة معرض هناك، نستثني من ذلك الدعم المعنوي، فلا بد من ذكر بعض الجهات الداعمة لنا في العراق، منها جمعية التشكيليين في نينوى ونقابة الصحافيين العراقيين، وكلية الفنون الجميلة واتحاد الأدباء والكتاب في نينوى، والمعهد الثقافي الفرنسي العراقي في الموصل، ومؤسسة فجر الحدباء، وملتقى الكتاب، ومعهد الفنون الجميلة، وغيرها من المؤسسات التي وقفت معنا لوجستيا.

□ هل سبق أن أقمتهم معارض جماعية عربية قبل معرض شرق غرب؟
■ مثلما أشرت في حديثي هذا المشروع يعد المعرض الإلكتروني الثاني بعد المعرض الذي أقيم في فترة جائحة كورونا، وكانت إجراءات الحظر التي سببتها الجائحة هي التي جعلتني أبحث عن البديل في حينه، أما الآن في معرض (شرق وغرب) أجد أن الكلمة التي كتبتها في مقدمة الإعلان عن هذا النشاط أفضل ما تعبر عنه والتي جاء فيها «لأن الوطن الواحد ملاذنا، ولأن الهوية هي الانتماء الحقيقي لهذا الوطن، ولأن جذورنا متماسكة ومتشابكة، ولأننا جميعا نستنشق الضوء من خلال عدساتنا، كان لا بد من أن نكسر طوق الحدود لننطلق شرقا وغربا برسالة مفادها، من المحيط إلى الخليج الصورة تجمعنا».

□ على وقع ما يجري في غزة من حرب ، ما الذي في أجندتكم على صعيد الفوتوغراف بما يدعم شعبنا الفلسطيني؟
■ نحن تحديدا سلاحنا كاميراتنا، ورسالتنا أن ننقل صورة واقعية عن جرائم الكيان الصهيوني وما ترتكبه قوات الاحتلال الإسرائيلي من إبادة جماعية ضد أهلنا في فلسطين المحتلة، وفي غزة على وجه الخصوص، لأننا نؤمن بأن الصورة قادرة على أن توجه الرأي العام وتسلط الضوء على هذه الجرائم. وسيكون في معرضنا (شرق غرب) نصيب كبير لمصوري غزة، ولا بد هنا من الإشارة إلى أن هناك مجموعة كبيرة من المصورين المحترفين في غزة، وللأسف الشديد لم نسمع عنهم من قبل، وقد وصلتنا أعمال بعضهم، ، وليس خافيا على أحد أن المصوريين الفلسطينيين في غزة ومنذ بداية الحرب يعملون تحت وابل من القصف العنيف، معرضين حياتهم للخطر في كل لحظة، وقد استشهد منهم العشرات وهم يصورون الحدث، أو استهدفتهم نيران قوات الاحتلال، واستطاعوا أن ينقلوا المشهد الدموي بكل ما فيه من ألم وقهر ومعاناة وصمود، والصور التي تخرج من غزة تجعلني أشعر بضآلة ما قدمته وأقدمه، كما تجعلني أعيد التفكير برسالتي ورسالة التصوير بشكل عام، وتؤكد لي مقدرة المصور على استخدام العدسة لتقديم صور مخلصة للمكان والزمان والواقع، بما يدفع المتلقي إلى أن يتوقف أمامها، ليطرح على نفسه أسئلة بحثا عن أجابات، حتى لو كان محاصرا بآلاف الصور الأخرى التي تفيض بها مواقع التواصل الاجتماعي، إن المصورين في غزة يستحقون التقدير والفخر والاحترام، في ظل صمت وخذلان عربي. وهنا لا بد لي من أقدم عظيم الشكر للأخوة الزملاء القائمين على المعرض، تثمينا لجهدهم في تجميع أكبر عدد ممكن من مصوري غزة، لأجل أن تبقى غزة نبضنا جميعا في هذا الزمن الصعب.

□ يبدو أن المعارض الإلكترونية لها نصيب في ما تفكرون لإنجازه، فهل تجدها قادرة على أن توازي المعارض التي تقام في الصالات، من حيث الأهمية والجدوى والتأثير؟
■ من الناحية الفنية من غير الممكن أن تأخذ الصورة الإلكترونية مكانة الصورة الملموسة، ولا المعارض الافتراضية تستطيع أن تحل بديلا عن المعارض المطبوعة، والاختلاف بينهما يشبه الفوارق ما بين القراءة الورقية والقراءة الإلكترونية، لكنني أعتقد أن الجوانب الإيجابية للمعارض الإلكترونية ذات أهمية بالغة، قد لا تستطيع المعارض الواقعية المطبوعة تحقيقها، منها مثلا: المساحة الواسعة للانتشار، وسرعة نقل الرسالة المراد إيصالها إلى أبعد نقطة في هذا الكوكب، كما أن المعارض الإلكترونية أكثر فاعلية لأنها ليست موجهة إلى فئة محددة، بل لكل مشاهد بغض النظر عن ثقافته، لذا أنا أرى ضرورة المعارض الإلكترونية، خاصة عندما لا تتمكن المعارض الواقعية من إيصال رسالتها، كما هو الحال في المعرض الذي أقيم خلال فترة جائحة كورونا وكذلك معرضنا المقبل (شرق غرب).

□ عادة ما تحتاج المعارض الفنية إلى تمويل ودعم، فهل هناك من يقف معكم؟
■ الجهات الداعمة في المعرض الإلكتروني من الناحية المعنوية كثيرة، من خلال الإعلام والدعم اللوجستي، أما المعارض الواقعية فهي بالتاكيد تحتاج إلى رعاية ودعم مادي ، وفي إطار تحضيراتنا لمعرضنا (شرق غرب) فقد تمكنا من تحقيق تنسيق وتعاون مع كلية النور الجامعة في الموصل، وقد اثمر اتفاقنا مع إدارتها على أن تتحمل تكاليفه، وعلى أن يقام المعرض في الكلية، ونحن لدينا تفاؤل أن هذه التجربة مع كلية النور ستكون مقدمة لإطلاق مشاريع فنية أخرى.

□ لا بد لنا من أن نتعرف على سيرة المصور الفلسطيني خليل رعد الذي سيحظى بتكريم الدورة الأولى؟
■ يعد هذا المصور الذي ولِد في منطقة بحمدون اللبنانية عميد الفوتوغرافيين الفلسطينيين، وقد نشأ في مدينة القدس وتتلمذ على يد مصور أرمني يدعى جاربيد كريكوريان، قبل أن يدرس فن التصوير في بازل في سويسرا، وترك ما يقارب 1230 صورة زجاجية عكست جوانب مختلفة من حياة الناس في فلسطين، وكانت مسيرته المهنية قد بدأت عام 1891 من داخل أستوديو أقامه في شارع يافا في القدس خارج السور، وبصفته مصورا عثمانيا رسميا كان توثيق الحرب العالمية الأولى مشروعه التوثيقي الأول، إلى جانب انشغاله في توثيق صور مختلفة من الحياة الاجتماعية في المدن والقرى الفلسطينية، إضافة إلى الأحداث والشخصيات السياسية في تلك الفترة التي كان فيها مقربا من الحاكم العسكري العثماني جمال باشا، الأمر الذي مكنه من التنقل بسهولة بين مصر وسوريا ولبنان وفلسطين، وقد صور خلال 6 عقود الحياة اليومية في عموم مدن فلسطين والقدس خصوصا، كذلك تضمن أرشيفه صورا لمشاهد تعكس حياة الطبقات العليا، ويمكن القول بأن نتاجه يمثل الوجه الآخر لِما غاب من صور الفوتوغرافيين الأجانب الذين جابوا فلسطين، وشكلت لقطاته النمط الحقيقي للوجود والحياة الفلسطينية، والبديل للنمط الاستعماري الغربي، كما يظهر في صوره أيضا التأثير الاستعماري على مشهد الحياة المحلية.

□ ماذا في جعبتكم للمستقبل؟
■ أهم مشروع نسعى لتحقيقه العمل على افتتاح معهد تخصصي لتدريس فن التصوير بشقيه الفوتوغرافي والسينمائي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية