معرض رسامي الألوان المائية في الموصل: شغف تتوارثه أجيال من الفنانين التشكيليين

مروان ياسين الدليمي
حجم الخط
0

يعود تاريخ الرسم بالألوان المائية إلى فترات ما قبل الحضارات، حيث استخدم الإنسان في الرسم على جدران الكهوف أصباغًا من مواد طبيعية مثل الرماد والتربة والمعادن. والمصريون أيام الفراعنة، استخدموا الألوان المائية في الكتابة والتلوين على ورق البردي وتزيين المقابر والأماكن العامة. أما الصينيون القدماء فكان لديهم تقليد كبير في الرسم بالألوان المائية على الحرير ولاحقًا على الأوراق المصنوعة يدويًا؛ وسرعان ما اتبع اليابانيون خطاهم. كما استخدم الرهبان الأوروبيون في العصور الوسطى الألوان المائية لإنشاء كتب مزخرفة بشكل متقن على الرق أو جلد الغنم. ويرى مؤرخو الفن أن «كتاب الساعات» الذي صدر عام 1415 من أشهر الكتب التي تزينت رسوماته بالألوان المائية. وفي عصر النهضة رسم الفنانون لوحات جدارية بأصباغ مائية على جص مبلل، أشهرها لوحة لمايكل انجلو موجودة في كنيسة سيستين التي اكتمل بناؤها عام 1512 ويعد الألماني ألبريشت دورر (1471 – 1528) أول أستاذ معترف به للألوان المائية. كما أنشأ مواطنه هانز بول (1534-1593) أول مدرسة للألوان المائية. والبداية الحديثة لهذه التقنية ازدهرت عند الانكليز بشكل واضح في القرن الثامن عشر. والسؤال الذي يطرح بهذا الشأن: ما السر وراء بقاء هذه التقنية وازدهارها، رغم الآفاق الواسعة التي أوجدتها تقنيات الرسم بالزيت والأكليريك؟

تأثير الرواد

في مدينة الموصل العراقية هناك عدد كبير من الرسامين يشتغلون بالألوان المائية، ولن نجد مثل هذه الظاهرة على هذه الصورة في بقية المدن العراقية، وهذا يعود بشكل أساسي إلى أن فنانيها الرواد منذ منتصف خمسينات القرن الماضي كانوا شغوفين بهذه التقنية، مثل الفنان نجيب يونس وضرار القدو وحازم الأطرقجي وعبد الستار الشيخ، كذلك الأجيال التي جاءت من بعدهم مثل حازم جياد وماهر وحربي وليث عقراوي ورائد فرحان وآخرين.
من هنا جاءت فكرة تأسيس رابطة فناني المائية «iws « عام 2009 ضمن إطار جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين فرع نينوى، وكان المؤسسون كل مِن، د. خليف محمود محل والراحلين لوثر إيشو ونزار يونس. وباكورة أعمالها كانت، إقامة معرض في جامعة الموصل في نفس العام، ثم انتقل إلى بغداد ومن ثم إلى عمّان وبيروت، وفي عامي 2010 و2016 أقامت الرابطة معرضين في مدينة برلين الألمانية، وتوالت معارضها لتصل إلى الصين وإيطاليا وعدد من مدن أمريكا اللاتينية، وفي سياق هذا النشاط توسع عدد أعضائها فضمت رسامين من مدن عراقية أخرى، ليصل إلى أكثر من ستين رساما، ونظرا لأهمية ما أنجزته من أنشطة، أصبحت اليوم أول رابطة عربية اكتسبت العضوية في جمعية فناني المائية العالمية «iws « التي تضم مئة دولة.

رهان الألوان المائية

في منتصف شهر كانون الثاني (يناير) من العام 2024 وبمناسبة الذكرى الثانية عشرة لتأسيها أقامت الرابطة معرضا كبيرا في الموصل شارك فيه أكثر من ستين رساما، وقد افتتحه رئيس الجمعية العالمية الرسام الكندي عطا نور دوكان (تركي المولد) الذي حضر خصيصا إلى مدينة الموصل لأجل أن يتعرف على فناني المدينة والعراق، ولأجل توسيع آفاق الأنشطة ما بين الجمعية الرئيسية في كندا وبقية فروعها في مدن العالم. شارك في هذا المعرض فنانون من أغلب مدن العراق، ومن أجيال عمرية مختلفة. وقد اتسم بتنوع الموضوعات والأساليب الفنية التي اشتغل عليها الرسامون، كما تباينت بشكل واضح مستويات المشاركين، والملاحظ أن هناك لوحات كانت على قدر عال من التكنيك.
إن مساهمة رسامي الألوان المائية في مدينة الموصل، تكاد أن تدفع بهذا الفن إلى أن يكون شعبيا من حيث التداول والاهتمام، لأنهم ورثوا تقاليد الرواد الأوائل، واستمروا على شغفهم بالاشتغال على هذه التقنية، جيلا بعد جيل، فأصبحت لهم بصمتهم التي تميزهم عن غيرهم من الرسامين في مدن العراق.

ضرورة الحرفية العالية

وفي حديثنا مع الفنان التشكيلي خليف محمود رئيس الرابطة أشار إلى أن من أولى أهداف الرابطة، إقامة الورش الاحترافية التي يشرف عليها أفضل الرسامين في الألوان المائية سواء من العراقين أو الأجانب للوصول بالرسم المائي إلى مستوى متقدم، وحول خصوصية الرسم بالألوان المائية، يرى خليف بأن «هذه الألوان رغم أنها تفرض تقييدا على حرية الفنان، إلاَّ أنها في الوقت نفسه تضعه أمام مسؤولية كبيرة، إذ يتوجب عليه أن يكون على قدر عال من المهارة التقنية، بالشكل الذي يستطيع تفادي عملية التصحيح والتعديل على اللوحة، بمعنى إن الذي يقترب من الرسم بالألوان المائية، ينبغي أن يكون رساما محترفا، حتى يتمكن من التحكم بالألوان وحركة الفرشاة من دون أن يرتكب أخطاء يصعب معالجتها، هذا إضافة إلى أنها تتيح للرسام أن يحمل عدته إلى أي مكان خارج الاستديو، فيجلس على ناصية الطريق وسط حركة الناس، وفي الأسواق والأزقة ومحطات السفر والطبيعة الرحبة، لأن أدواته في الرسم خفيفة، يمكن أن يضعها في حقيبة صغيرة لترافقه أينما شاء أن يذهب، على العكس من الرسم بالزيت، لكثرة وثقل الأدوات التي يحتاجها. ولهذا غالبا ما يميل الفنانون الشباب إلى رهان الألوان المائية، لأن العمل بواسطتها سيجعلهم أشد حرصا على أن يطوروا قدراتهم الاحترافية، بالصيغة التي يكونون فيها قادرين على انجاز موضوعاتهم خارج الاستديو». ويضيف خليف «هناك إقبال كبير على اقتناء اللوحات المائية ربما أكثر من اللوحات الزيتية».
عالميا يمكن القول بأن الرسم بالألوان المائية أمسى شائعًا لدى كبار الرسامين الأمريكان والبريطانيين، منذ بداية القرن العشرين وبات منافسا قويا للرسم بالألوان الزيتية. وخلال منتصف القرن العشرين كان التجريب هو المحور الرئيسي في المشهد الفني الأمريكي، حيث ظهرت الألوان المائية بشعبية كبيرة في تلك السنوات.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية