مصر: معالم فشل الثورة المضادة

منذ مدة قلنا بأن الربيع العربي لم يقل كلمته النهائية بعد، وتفاعلات الربيع العربي ستكشف العديد من المفاجآت في مستقبل الأيام، وأن هناك مرحلة جديدة انطلقت في العالم العربي، وأن استثناء المنطقة العربية من منطق التحول الديمقراطي لم يعد قادرا على الصمود أمام التحولات الجارية..
فنجاح التونسيين في بناء توافق واسع على الدستور الجديد يفتح البلاد أمام منطق الانتقال الديموقراطي الحقيقي، ويعلن فشل الثورة المضادة التي كان ينهجها البعض..
أما المتغيرات السريعة الجارية في مصر حاليا فتنبئ بأن الثورة الحقيقية ستأخذ مسارا آخر، فبعدما كشف الجيش على أوراقه كلها، بات بالإمكان توقع ما سيحصل في المستقبل..
استراتيجية الجيش أصبحت معروفة: استخدام أقصى درجات العنف ضد الرافضين لخارطة الطريق، وتعبيد المسار أمام وزير الدفاع لتولي منصب رئيس الجمهورية.
التسريع بإجراء الانتخابات الرئاسية له دلالة واضحة، وهو فرض الاستقرار بالقوة من الأعلى على حساب الحرية والديمقراطية..
هذا الخيار يحمل مخاطر كبيرة على بنية الدولة في المستقبل ويضع مصداقية القوات المسلحة المصرية ورصيدها التاريخي في مهب نزعات التسلط وأمزجة التحكم المهيمنة على المشهد..
مخاطر انغماس الرجل الأول في الجيش في العملية الانتخابية لا تنحصر على الداخل المصري، ولا تهم فقط صورة مصر في الخارج، ولكن تدهور صورة القوات المسلحة وإنهاكها في الصراعات الداخلية ستكون له انعكاسات قوية على المستوى الإقليمي ولا يمكن لبعض دول الخليج أن تراهن على الجيش المصري ضد التهديدات التي تلحقها من طرف قوى إقليمية أساسية في المنطقة..
لقد لعب الجيش المصري دورا كبيرا في حرب الخليج الأولى دفاعا عن السعودية والكويت، ولازال يمثل الاحتياط الاستراتيجي بالنسبة لبعض دول الخليج إلى اليوم خصوصا في ظل المتغيرات السريعة الجارية في المنطقة وارتفاع حدة القلق الاستراتيجي الذي تشعر به بعض دول الخليج من التقارب الأمريكي الإيراني، ومن جراء انطلاق مفاوضات جنيف2 التي لا يظهر بأنها ستحمل حلا سياسيا قريبا في الأفق، ولا يظهر بأنها ستؤثر على استمرارية الأسد في السلطة على المدى المنظور..
نعود إلى الموضوع المصري ونطرح المؤشرات التي تؤكد بأن إمكانية نجاح استيلاء الجيش على السلطة تحت غطاء ديمقراطي تبقى ضعيفة بالموازاة مع ازدياد درجة السخط وعدم الرضا على النهج المتبع إلى حدود الساعة..
بمناسبة الذكرى السنوية الثالثة لثورة 25 يناير بمصر رسمت المنظمات الحقوقية الدولية وعلى رأسها منظمة العفو الدولية صورة قاتمة عن الواقع الحقوقي بمصر متهمة الجيش المصري بالقمع وانتهاك حقوق الإنسان على نحو غير مسبوق.
فمنذ الثالث من تموز/يوليو، قتل 1400 شخص غالبيتهم من أنصار مرسي في أعمال عنف وأكثرية هؤلاء قضوا بسبب ‘الاستخدام المفرط للقوة من جانب قوات الأمن’، بحسب منظمة العفو الدولية.
كما قامت السلطات باعتقال ناشطين لعبوا دورا بارزا في ثورة 25 يناير، من خارج مناصري الرئيس مرسي وتم إقرار قانون جديد يحظر التظاهر، كما انتقدت العديد من المنظمات الحقوقية الهجمات على الصحافيين وحرية الصحافة، إضافة إلى التفتيش الممنهج لمقار منظمات غير حكومية خوفا من ثوثيق جرائم الانقلاب..
لقد سبق أن قلنا في مقال سابق بأن ما حصل يوم 3 تموز/يوليو يمثل ثورة مضادة لإجهاض مسار الثورة الحقيقية والعودة بالبلاد إلى المربع الأول.
الخيار الوحيد الذي اعتمده قادة الانقلاب هو خيار القمع وقطع الطريق أمام أي إمكانية للمصالحة أو حتى إمكانية قيام ديمقراطية صورية شكلية خوفا من عودة الإخوان وراهنت السلطات الحاكمة على إعادة هاجس الخوف من جديد عن طريق اعتماد أسلوب الصدمة والقتل خارج نطاق القانون، بل وصل الأمر إلى ارتكاب مجازر وحشية دفعت العديدين من مؤيدي الانقلاب على الرئيس المنتخب إلى معارضة الجيش والتحول إلى المعارضة من أبرزهم محمد البرادعي..
المفاجأة الصادمة أن الاحتجاج الشعبي لم يتوقف ونظرية إعادة بناء الخوف في قلوب الناس لم تصمد طويلا، وهو ما وضع الانقلابيين في مأزق حقيقي..
حاجز الخوف انهار تماما، لكن المشكلة أن قادة الانقلاب تورطوا في اعتماد استراتيجية وحيدة وهي القمع، بحيث لم يستطيعوا التراجع عنها وبالتالي ارتكاب المزيد من المجازر الوحشية وهو يجعلهم أمام انتحار سياسي حقيقي..
المبادرة الوحيدة التي أقدم عليها قادة الانقلاب هي محاولة إقناع قادة الحراك الشعبي بقبول خارطة الطريق مقابل إطلاق سراح المعتقلين، المعتقلون رفضوا مقايضة حريتهم الشخصية مقابل التفريط في حرية الوطن..وحتى إعلان جماعة الإخوان جماعة إرهابية كان لعبة مكشوفة لم تصمد أمام يقظة الشعب المصري وإصراره على انتزاع حقه في الحرية..
بالإضافة إلى الحصار الداخلي الذي تمثله الاحتجاجات هناك الحصار الخارجي الذي تمثله الملاحقة الدولية لقادة الانقلاب، فجميع الجرائم المرتكبة من طرف الجيش والشرطة يجري توثيقها بدقة متناهية بواسطة مؤسسات دولية، كما يجري توثيق خروج القضاء المصري عن المعايير الجنائية الدولية مما يفقده أي مشروعية أمام المحافل الدولية..
الخوف من المحاسبة دفع إلى تحالف مربع الجيش والشرطة والقضاء والإعلام واعتماد سياسة الهروب إلى الأمام خوفا من أي تراجع..
دماء الشهداء لن تضيع سدى وستبني مجدا حقيقيا لمصر الثورة في المستقبل وإن بدا ذلك مطلبا بعيد المنال في نظر البعض…
إنكم ترونه بعيدا ونراه قريبا والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون…

‘ كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبدربه خطاب:

    رفعت معنوياتنا يهذا الشرح القاطع يااستاذ عبدالعلي!!واعتقد بان ما انجزته الثورة التونسية من توافق بين المشروع العلماني والمشروع الاسلامي سيكون درسا بليغا للعرب جميعا وسيصب في صالح التغير الثوري المطلوب على كافة الأصعدة.

  2. يقول jamal:

    يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين . لا بد لارادة الشعب ان تنتصر و لا بد للغمام ان ينقشع. و لا بد للكل ان يتنازل في بداية الطريق.

إشترك في قائمتنا البريدية