محكمة العدل الدولية وتحديات كبرى دون إرادة دولية

شهدت محكمة العدل الدولية جلسات استماع بشأن دعوى قضائية، رفعتها نيكاراغوا ضد ألمانيا، تتهمها فيها بتسهيل أو مساعدة إسرائيل في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
وحسب ما وصفته نيكاراغوا في الدعوى، إن المساعدة المالية والعسكرية والسياسية الكبيرة التي تقدمها ألمانيا لتل أبيب، إضافة إلى وقف تمويل وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، والتي اعتبرتها مساعدة لإسرائيل في الإبادة الجماعية.

دعوى قضائية

وعليه، فإن هذه الدعوى هي إحدى تداعيات دعوى قضائية سابقة، وما زالت مستمرة رفعتها جنوب افريقيا ضد إسرائيل نهاية العام الماضي، والتي تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية ضد السكان المدنيين في غزة.
وبطبيعة الحال، أصدرت محكمة العدل الدولية حكمين بشأن هذه القضية:
1 – تحذير إسرائيل من ارتكاب أي إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
2- إيصال المساعدات الأساسية والإنسانية للمدنيين.
لكن كل ذلك تم تجاهله، وتزايدت أعداد القتلى والجرحى بشكل كبير، ودُمرت البنية التحتية.
وقالت وزارة الصحة الفلسطينية إن حصيلة القتلى وصلت إلى ما يقارب 32 ألف قتيل.
وهو ما دفع جنوب أفريقيا إلى تجديد مطالبتها من محكمة العدل الدولية بوقف الحرب الإسرائيلية، إلا أن المحكمة جددت مطالبتها لتل أبيب بإدخال مساعدات إنسانية تشمل: الماء والكهرباء والمأوى والملابس والمنتجات الصحية (مستلزمات النظافة، أدوات الرعاية الصحية).

تحديات جدية

الجدير بالذكر، خطورة ما يجري حاليا في محكمة العدل الدولية يضع إسرائيل أمام تحديات جدية، تحد على المستوى السياسي، وتحد آخر على المستوى الأخلاقي، أمام المجتمع الدولي بشكل عام، وأمام المجتمع الغربي بشكل خاص.
وإنطلاقا مما سلف، فإن المواطن الغربي الذي لا يهتم بالسياسة ولا يشاهد الأخبار سيعلم أن إسرائيل متهمة بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية أمام محكمة العدل الدولية.
وإذا لاحظنا أنه خلال الأشهر الستة الماضية، كانت هناك ثلاث دعاوى قضائية ورد فيها اسم إسرائيل لارتكابها جرائم حرب وإبادة جماعية.
المرة الأولى كانت دعوى جنوب افريقيا ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب الإبادة الجماعية.
والمرة الثانية رفعت فلسطين دعوى بمشاركة 52 دولة بالإضافة إلى ثلاث منظمات دولية هي منظمة التعاون الإسلامي، منظمة الجامعة العربية، منظمة الاتحاد الأفريقي، بشأن الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967.
والمرة الثالثة هي دعوى نيكاراغو تتهم ألمانيا بانتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها من خلال مساعدة إسرائيل في الحرب العسكرية الحالية.

دور المنظمات الدولية

والأخطر من ذلك كله هو ما سيتم الحديث عنه في الأيام المقبلة عن دور المنظمات الدولية، وكما نعلم فإن محكمة العدل الدولية هي إحدى مؤسسات الأمم المتحدة الست، وصحيح أن أحكامها ملزمة قانونا، لكن ليس لديها جيش أو شرطة أو أي آلية لتنفيذ أحكامها.
في الماضي، اعتمدت محكمة العدل الدولية على الإرادة السياسية للدول، إضافة إلى الضغوط الغربية المتمثلة بالضغط السياسي والاقتصادي على الدول لتنفيذ أحكام المحكمة.
ولا بد من الاشارة، أنه على مدار العقود الماضية، كان المجتمع الغربي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، يصر دائمًا على تطبيق الأحكام والشرعية الدولية، ولكن عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، يتم تجاهل ذلك، وهذا الإهمال لم يعد ممكنا في الواقع الحالي.
وفي هذا السياق، تحدث وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، في مؤتمر ميونيخ للأمن نهاية فبراير/شباط الماضي، قائلاً: إن المنظمات الدولية انتهت صلاحيتها أو أصبحت عديمة الفائدة.
وتأسيسا على ذلك، إذا نظرنا إلى المشهد الدولي وما يجري من صراعات ونزاعات مشتعلة في كل مكان، ولا نرى أي دور تلعبه المنظمات الدولية وعلى رأسها هيئة الأمم المتحدة، حيث يقتصر دورها الحالي على الجانب الإنساني فقط، وإذا سمحت لها أطراف الصراع بلعب هذا الدور أيضا.
خلاصة القول هي أن المشكلة ليست في المنظمات الدولية أو قوانين القانون الدولي التي تحكم العالم، فلدينا وفرة من ذلك، لكن المشكلة الحقيقية هي أن هذه القوانين والمنظمات الدولية لا يسمح لها العمل بشكل حقيقي في جميع القضايا والنزاعات القائمة بين الدول.
باحث في الشؤون الدولية

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية