ما بعد السيولة المسرحية؟!

هناك ثلاث حالات للمادة، فإما أن تكون صلبة، وإما أن تكون سائلة، وإما أن تكون غازية. تنطبق هذه الحالات الثلاث للمادة على ما هو مادي وعلى ما هو معنوي، ولننظر مثلا على ذلك، إلى تلك النماذج العليا واللامتغيرات البنيوية في المجتمعات من عادات وتقاليد وأعراف وقيم كيف انتقلت من حالة الصلابة إلى الحالة السائلة، عندما كان هناك عامل تحول، وهذا العامل هو الحداثة الصناعية واختراع الكهرباء والصناعات التماثلية، أما الانتقال للحالة الثالثة وهي الغازية وهي ما يمكن تسميته بما بعد الحداثة، وما بعد الثقافة السائلة وفي هذه الحالة سيكون كل شيء مهدد بالانقراض وأقصد بكل شيء تلك القيم والأخلاق والعادات والتقاليد والأعراف والموروثات الثقافية والفنية التي توارثتها الأجيال جيلا بعد جيل، حتى عصر التكنولوجيا. سيجد العالم نفسه أمام عادات وتقاليد وأعراف وقيم لم يعرفها من قبل.
في الكيمياء تسمى حالة الانتقال من حالة الصلابة إلى الحالة الغازية، دون المرور بحالة السيولة بالتّسامي والتصعّد. ولو تأملنا لحظة في حالة المسرح وقارناه بكل ما ذكرته من حالات المادة وانتقالاتها من صلابة وسهولة وغازية، سنجد أنه الآن يعيش حالة من السيولة، فانتقل بفعل عامل الكهرباء من حالة الصلابة التي حاصرته لمئات السنين، في قالب كان يصعب الفكاك منه إلى الحالة السائلة التي أصبح بفضلها أكثر مرونة وأكثر تحررا وأكثر تطورا، أما ما بعد السيولة المسرحية فهي الانتقال بفعل عامل التكنولوجيا والحداثة التكنولوجية إلى المرحلة الغازية، حينها فقط سيكون هناك مسرح لم يعرفه أحد من قبل. أما المرجعيات السابقة حول «الثقافة السائلة» فهي مفهوم صاغه عالم الاجتماع البولندي زيغمونت باومان في كتابه «الثقافة السائلة». يصف الثقافة السائلة بأنها ثقافة تتميز بالتغير والتقلب السريع، حيث تصبح القيم والمعتقدات والمعايير الاجتماعية عرضة للتغيير بشكل متزايد. ويعتقد باومان أن الثقافة السائلة هي نتيجة للتحولات التي شهدتها المجتمعات الحديثة، مثل العولمة، والرأسمالية، والتكنولوجيا. هذه التحولات أدت إلى ظهور عالم مترابط ومتغير، حيث أصبحت المعلومات والأفكار متاحة بسهولة أكبر. ويؤثر مفهوم الثقافة السائلة على مختلف جوانب الحياة الاجتماعية، بما في ذلك القيم والأخلاق، والعلاقات الاجتماعية، والسلوك الفردي. ويمكن تلخيص الخصائص الرئيسية للثقافة السائلة في النقاط التالية:
ـ التغير والتقلب السريع: تتغير القيم والمعتقدات والمعايير الاجتماعية بشكل متزايد في المجتمعات السائلة.
– الترابط والعالمية: تصبح المعلومات والأفكار متاحة بسهولة أكبر في عالم مترابط ومتغير.
– الفردانية: يميل الأفراد في المجتمعات السائلة إلى أن يكونوا أكثر انفتاحا على التغيير، وأقل التزاما بالقيم التقليدية.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو شكل العالم في عصور ما بعد الحداثة والثقافة السائلة؟ وحول المسرح: هل يمكن التنبؤ بمستقبل المسرح المقبل؟ وما هو شكل مسارح ما بعد المسرح السائل وما بعد الثقافة المسرحية السائلة؟

كاتب يمني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية