ليبيا وسط الجدل الدائر حول الاتفاقيات المبرمة مع الشركات الأجنبية هل تنجح في رفع إنتاجها من النفط؟

نسرين سليمان
حجم الخط
0

طرابلس ـ «القدس العربي»: تثير تعاقدات المؤسسة الوطنية الليبية للنفط مع شركات أجنبية جدلا في ليبيا منذ بضعة أشهر وتضمن الجدل إقالة وزير النفط في حكومة الوحدة الوطنية والذي يعد أحد أبرز المعارضين لإتمام هذه التعاقدات، حيث يرى هو وآخرون كالمجلس الأعلى للدولة أن تطوير الحقول بنسب أرباح هائلة بالشراكة مع شركات أجنبية وفي ظل وجود شركات محلية هو خسارة للدولة الليبية وتسليم في أرزاقها.

ومؤخراً طلبت شركتا توتال إنرجي الفرنسية، وكونوكو فيليبس الأمريكية وهما الشريكان الأجنبيان للمؤسسة الوطنية للنفط في حقول شركة الواحة للنفط بزيادة هامش ربحهما من 6.5 إلى 13 في المئة من حصتها من الإنتاج التي تعادل 40.83 في المئة مع تمديد صلاحية العقود المبرمة مع المؤسسة إلى العام 2046 وذلك مقابل الموافقة على خطة زيادة إنتاج حقول شركة الواحة للنفط، وفق مذكرة وجهها أخيرا رئيس مجلس إدارة المؤسسة، فرحات بن قدارة إلى رئيس حكومة الوحدة الوطنية ورئيس المجلس الأعلى للطاقة عبدالحميد الدبيبة.
وجاء طلب الشركتين كشرط للمساهمة في خطة تطوير حقول شركة الواحة، حسب مذكرة بن قدارة، والتي طالب فيها بتوفير استثمارات تتراوح ما بين 15 إلى 20 مليار دولار لتنفيذ خطة زيادة إنتاج حقول شركة الواحة للنفط إلى 850 ألف برميل يوميا، موضحا العرض الذي قدمته الشركتان بالخصوص.
ودعا بن قدارة في المذكرة إلى التفاوض مع الشريكين للوصول إلى ما وصفه بحلول مرضية للطرفين تضمن تنفيذ برنامج تطوير الشركة بأسرع وقت ممكن وهو البديل الذي فضله بن قدارة على خيار وصفه بالمخاطرة المنفردة عند تنفيذ خطط تطوير حقول شركة الواحة، وذلك بسبب تحديات قانونية ونزاعات قضائية مع الشركاء، فضلا عن الحاجة إلى تدبير التمويل الكافي.
لكن المذكرة نفسها تكشف عن حقائق لا تبرر العجلة التي يدعو إليها بن قدارة لتغيير اتفاقيات عقود الامتياز والمشاركة التي سوف تنتهي في فترة تتراوح بين 12 إلى 16 عاما (2035 و 2039) حيث أن الاحتياطي المتاح للإنتاج من حقول شركة الواحة للنفط يقدر بنحو 6 مليارات برميل، وفي حدود مستويات الإنتاج الحالي (350 ألف برميل يوميا) يوفر هذا الاحتياطي استمرار الإنتاج طوال 60 عاما.
كما أن الاحتياطي المكتشف وغير المطور في حقول الواحة لا يتعدى 1.5 مليار برميل، ولم يوضح بن قدارة من أين، وكيف سيزيد الإنتاج بواقع نصف مليون برميل يوميا؟ كما إن حديث بن قدارة عن أن الطلب على النفط كمصدر للطاقة سيتناقص تدريجيا من الآن وحتى العام 2050 يعد التفافا على متطلبات المرحلة الراهنة التي تستوجب الوقف الفوري لأية مفاوضات نفطية، ومخالفا لما دعا إليه كل من ديوان المحاسبة والنيابة العامة وأعضاء في مجلسي النواب الدولة.
كذلك تأتي إشارة بن قدارة إلى العام 2050 بمثابة تلويح بأوضاع غير مؤكدة عالميا من أجل الإسراع بالتفاوض مع الشريكين الأجنبيين، وتمرير الصفقة رغم أنهما لم يوضحا بعد ما هي التكاليف التي ستقع على عاتقهما مقابل تمديد العقود، بل وتعديلها بمضاعفة أرباحهما لنحو 24 عاما مقبلة.
وبالفعل استجاب رئيس حكومة الوحدة الوطنية سريعا لطلب بن قدارة حيث شكل لجنة للتفاوض مع الشريكين الأجنبيين (توتال وكونوكو فيليبس) لتعديل اتفاق الامتياز والمشاركة في حقول شركة الواحة للنفط، في خطوة مخالفة لما دعا إليه كل من النائب العام وديوان المحاسبة وبرلمانيين ومختصين.
وفي اذار/مارس الماضي قرر رئيس هيئة الرقابة الإدارية عبدالله قادربوه، إيقاف وزير النفط والغاز بحكومة الوحدة الوطنية محمد عون عن العمل لدواعي ومقتضيات لمصلحة التحقيق بدون توضيح تفاصيل القضية أو المخالفات محل التحقيق، الأمر الذي دعا نحو 53 عضوا في مجلس الدولة ونقابة النفط إلى المطالبة بإلغاء القرار الذي وصفوه بالإجراء المشبوه والظالم وأعربوا عن استغرابهم من سرعة تكليف من يسير أعمال الوزارة بديلا عنه بشكل معد ومرتب مسبقا من قبل رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة.
وإثر الجدل الدائر أكد المجلس الأعلى للدولة، في جلسة الأربعاء، ضرورة تطوير الحقول النفطية من خلال إلزام المؤسسات المالية التابعة للدولة بتوفير الأموال والدخول في شراكة مع الشركات النفطية التابعة للمؤسسة الوطنية للنفط داعيا إلى الابتعاد عن أي تعاقدات قد تساهم في التفريط في مصدر رزق الليبيين.
وأكد المجلس ضرورة مكافحة الفساد ودعم جهود مكافحة التهريب، وضرورة إبعاد المؤسسة الوطنية للنفط عن أي تجاذبات سياسية وأي خلافات داعيا إلى توفير المحروقات من الميزانية المعتمدة للدولة الليبية أو الترتيبات المالية التي تقرها اللجنة المختصة وإيقاف عمليات مقايضة النفط الخام بالمحروقات معتبرا أن هذه المقايضة سببت إهدارا للمال العام نتيجة غياب الرقابة والشفافية المتعلقة بهذا الأسلوب من التعاملات.
في المقابل أعلن وزير النفط والغاز المكلف خليفة عبدالصادق خطط حكومة الوحدة لرفع الإنتاج النفطي إلى 1.4 مليون برميل يومياً باستثمارات بقيمة عشرة مليارات دولار بحلول نهاية 2024.
وأشار عبدالصادق إلى خطط لزيادة إنتاج النفط الليبي إلى مليوني برميل يوميا بحلول السنوات الثلاث المقبلة والذي يبلغ حاليا 1.2 مليون برميل يوميا، إذ رصدت لهذه الغاية استثمارات تصل قيمتها إلى 17 مليار دولار، وفق ما كشف في مقابلة صحافية الخميس، على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين.

تطوير الحقول القائمة

وفيما يتعلق بالإيرادات، ذكّر بتحقيق ليبيا ستة مليارات دولار في الربع الأول من السنة، مشيرا إلى توقعها زيادة الإيرادات مع ارتفاع الإنتاج إذا بقيت أسعار النفط عند مستويات الربع الأول. وبهدف المحافظة على الإنتاج عند مستوياته الحالية، جرى رصد ميزانية تقدر بحوالي عشرة مليارات دولار خلال العام الجاري والمقبل.
وكشف أن هذه الأموال تنقسم إلى قسمين، الجزء الأول يهدف إلى تطوير الحقول القائمة وتنفيذ الصيانة الدورية لها، بالإضافة إلى حفر المزيد من الآبار. أما الجزء الثاني سيخصص من أجل صيانة البنية التحتية اللازمة لقطاع النفط. وأظهر تقرير منظمة أوبك الصادر في اذار/مارس ارتفاع إنتاج ليبيا، وهي عضو في المنظمة، بنحو 144 ألف برميل يومياً.
وزير النفط المكلف أشار إلى أن حالة القوة القاهرة رُفعت عن جميع الشركات العاملة في البلاد، مشدداً على أن القطاع يتعافى وأصبح جاذباً كما جرى التعامل مع أغلب هواجس المستثمرين وأعلنت في مطلع كانون الثاني/يناير حالة القوة القاهرة بحقل الشرارة النفطي، على خلفية إغلاقه من قبل محتجين لهم مطالب سياسية، لتعود وتستأنف الإنتاج بعد نحو أسبوعين.
وفي السياق يقول رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا إن إنتاج البلاد من النفط سيتجاوز 1.5 مليون برميل يوميا بحلول نهاية 2025 قبل أن يصل إلى مليونين في غضون ثلاث سنوات.
ونقل المكتب الإعلامي لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة تصريحات رئيس المؤسسة فرحات بن قدارة التي أدلى بها خلال انعقاد المجلس الأعلى لشؤون الطاقة والمياه بديوان مؤسسة النفط والذي رأسه الدبيبة.
وأكد بن قدارة أن هذه الأرقام يمكن تحقيقها من خلال «الاستمرار في التفقدات المالية للمشروعات الجارية للوصول إلى الإنتاجية المطلوبة».
وشدد على «ضرورة متابعة خطة زيادة الإنتاج والوصول إلى إنتاج مليوني برميل وفق الجداول الزمنية».

إعادة التفاوض

وبينما تأمل شركتا توتال إنيرجيز وكونوكو فيليبس إعادة التفاوض على شروطهما في حقل الواحة، الذي ينتج أكثر من 300 ألف برميل يوميا، تتفاوض شركات إيني الإيطالية وأدنوك الإماراتية وتوتال إنيرجيز مع المؤسسة الوطنية للنفط بشأن حقل الغاز NC-7 وشكك عون في تكاليف وعملية اختيار المستثمر للمشاريع في حقل حمادة.
وزير النفط الليبي وقبل إقالته انتقد أيضا صفقة بثمانية مليارات دولار مع شركة إيني الإيطالية، ورأى أن أحكام استرداد التكلفة سخية للغاية، وأن مؤسسة النفط تجاوزت تفويضها في اتخاذ قرارات من اختصاص الوزارة.
وقد أثارت مسألة إقالة وزير النفط في وقت سابق جدلا واسعاً حيث اتهم التجمع الوطني للأحزاب الليبية حكومة الدبيبة بإطاحتها بوزير النفط والغاز، محمد عون، من أجل تنفيذ اتفاقيات مرفوضة، ومنها مفاوضات الاتفاقية الخاصة بحقل «NC7» في حوض الحمادة.
وأشار التجمع إلى صدور قرار مجلس النواب رقم 15 لسنة 2023، الذي «يمنع المساس بالثروات السيادية، ويعتبر أي اتفاق يقع بشأن الاتفاقية باطلا» وكذلك ما صدر عن ديوان المحاسبة ومكتب النائب العام من مخاطبات بإيقاف هذه المفاوضات التي تتجاهلها حكومة الدبيبة.
وقال في بيان، إنه يتابع بقلق بالغ التداعيات المتلاحقة المتعلقة بملف الطاقة في ليبيا، والفساد الذي يشوب كثيرا منها، والذي تعتبر حكومة الوحدة الوطنية والمؤسسة الوطنية للنفط طرفين رئيسين فيه، مشيرا إلى الارتفاع غير المبرر لفاتورة دعم المحروقات، خاصة المستهلكة من طرف الشركة العامة للكهرباء، والإصرار على مقايضة النفط الخام بالمحروقات، والتكليف المباشر لشركات حديثة التأسيس ومجهولة بعقود تطوير بعض الحقول.
واعتبر التجمع أن شبهة الفساد تحوم حول الدبيبة ومؤسسة النفط بسبب إصرارهما «على المضي في مفاوضات الاتفاقية الخاصة بحقل NC7 في حوض الحمادة» مردفا: «كان آخر إجراء اتخذته الحكومة هو إزاحة وزير النفط بها، باعتباره المعارض الوحيد داخلها للاتفاقيات والإجراءات المشبوهة المتعلقة بقطاع النفط والغاز، حيث سارعت الحكومة بتكليف غيره تمهيدا لإبرام هذه الاتفاقية».
فيما قالت النقابة العامة للنفط في ليبيا، إن القرار الصادر عن رئيس هيئة الرقابة الإدارية ظالم، مطالبة الهيئة بإلغائه، ودعت جميع القوى الوطنية بالوقوف ضد إيقاف الوزير الذي يضر بمصالح الدولة الليبية.
وأردفت النقابة في بيان: «ندين هذا القرار الذي استهدف أحد الرموز الوطنية والمهنية والمدافعين عن قطاع النفط في ليبيا، فهذا القرار يعتبر انتهاكا صارخا لمبدأ الشفافية والنزاهة، ويأتي في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية المزرية التي تمر بها البلاد».

انعدام الاستقرار السياسي

في سياق آخر رجح محللون أن يؤدي إعفاء وزير النفط الليبي محمد عون عن منصبه، الشهر الماضي، إلى فتح باب استئناف العمل في كبريات مشروعات النفط والغاز بالبلاد، التي كان الوزير يعرقل استمرار عملها بدون الاتفاق مع المستثمرين على شروط جديدة حسب رأيهم.
ويرى عدد من المحللين أن استبعاد وزير النفط الليبي قد يسهم في تسهيل الوضع تدريجيًا، لكنهم حذروا من أن عدم الاستقرار السياسي ما يزال يمثل مشكلة.
على العكس من ذلك يؤكد موقع «إس آند بي غلوبال بلاتس» الأمريكي أن إقالة محمد عون من وزارة النفط الليبية، وتعيين خليفة عبدالصادق يعكسان مدى حساسية الصناعة النفطية أمام انعدام الاستقرار السياسي المستمر منذ سنوات.
وبينما لفت الموقع، في تقرير نشره الخميس، إلى أن إقالة عون قرار سياسي، إلا أنه استبعد إلغاء القرار، الذي يؤكد كيف تحول القطاع النفطي، المسؤول عن 95 في المئة من العائدات الحكومية، إلى ساحة رئيسية للصراع السياسي.
وذكر أن العلاقات بين أصحاب المصلحة المؤثرة في الصناعة هي من تتحكم في ازدهار القطاع النفطي، وخص بالذكر العلاقات بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية والمؤسسة الوطنية للنفط ووزارة النفط والمصرف المركزي.
غير أن الموقع الأمريكي رجح أن تؤدي إقالة عون إلى فترة قصيرة من الاستقرار الاقتصادي والنفطي، وأن تنخفض حدة الخلافات بين المؤسسة الوطنية للنفط ووزارة النفط، وهي خلافات طفت على السطح في الآونة الأخيرة.
وفيما يتعلق بتداعيات إقالة عون على صناعة النفط في ليبيا، قال المحلل في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشركة فيريسك مابلكروفت هاميش كينير، إن القرار عكس إشارات متضاربة بالنسبة إلى قطاع النفط في ليبيا وشركات النفط الدولية.
وأضاف كينير لموقع «أويل برايس» أنه يمكن أن تطلق إقالة عون العنان لإحراز بعض التقدم في مشروعات نفطية ضخمة لأن عون كان السبب في وقف تطوير مشروع NC7 في حقل حمادة بزعم أنه منح امتيازات مفرطة للشركات الأجنبية على حد قوله. لكنه تابع قائلا أنه على الجانب الآخر، يظل عون محتفظا بدعم بعض الأطراف القادرة على عرقلة ووقف إنتاج النفط والغاز الطبيعي في البلاد.
ولفت الموقع إلى أن ازدهار القطاع النفطي في ليبيا يعتمد على العلاقات بين الأطراف الرئيسية، بما فيها وزير النفط، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط، فرحات بن قدارة، ومحافظ المصرف المركزي، الصديق الكبير.
ونبه التقرير الأمريكي إلى أن الخلافات بين عون وغيره من أصحاب المصلحة، التي برزت للعلن خلال الأشهر القليلة الماضية، أثارت استياء وشكوك المستثمرين. وقد اتهم عون شركات النفط الدولية بوقف خطط التطوير، ومحاولة الحصول على شروط تعاقدية أفضل من الحكومة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية