قراءة في خطاب أردوغان الأخير

حجم الخط
1

متسلحاً برقم نمو مرتفع، بلغ 6.7٪ للربع الثالث من العام الجاري، خاطب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مواطنيه، مساء الاثنين، من موقع الزعيم القوي صاحب الإنجازات الكبيرة، ولم ينس عادته في شن الهجوم على معارضيه بأقسى العبارات.
كان الخطاب مقرراً مسبقاً في أعقاب اجتماع للحكومة خصص للبحث في اتخاذ تدابير إضافية مشددة لمواجهة الموجة الجديدة المقلقة من تفشي وباء كوفيد 19. فبعد أسبوعين من التدابير الوقائية الجزئية التي فشلت في خفض أرقام الوفيات وأرقام الإصابات الجديدة، ومع تصاعد التحذيرات من الجسم الطبي، عاد مجلس الوزراء إلى الاجتماع وسط توقعات بالإغلاق الكامل. وكان على الرأي العام انتظار ظهور الرئيس أردوغان ليعلن بنفسه التدابير الجديدة.
ما أعلنه الرئيس التركي كان أقل من التوقعات ومن مطالبات الهيئة العلمية في وزارة الصحة، فاقتصر حظر التجول التام على عطلة نهاية الأسبوع فقط، يومي السبت والأحد، على أن يشمل اليومين بكاملهما، وليس بصورة جزئية كما كانت الحال في الأسبوعين الماضيين، مع إضافة ساعات الليل إلى نطاق حظر التجول في بقية أيام الأسبوع، وهو ما يوحي بأن قرار الحظر، بهذا الشكل المرقّع، هو نتاج تسوية أو حل وسط بين المستوى الصحي الذي يطالب بإغلاق كامل لمدة 3 أسابيع، والمستوى السياسي الذي تقلقه النتائج الكارثية المحتملة للإغلاق الكامل على الاقتصاد.
إضافة إلى ذلك شملت التدابير المعلن عنها إغلاقاً جزئياً للأسواق، من خلال حظر بعض الفعاليات الاقتصادية، والتضييق النسبي على بعضها الآخر، ومنع الفئات العمرية الأكثر عرضة للخطر من استخدام وسائل النقل العامة، وتحديد سقف لأعداد الزبائن في صالات البيع الكبيرة، وتشديد الرقابة على التنفيذ. كما شملت التدابير البيوت المسكونة التي حظرت فيها الاجتماعات والزيارات بغرض التعزية أو الزفاف بعدما منع إجرائها في الأماكن العامة. مختصر القول هو أن الحكومة استشعرت الخطر وأعلنت عنه، ولو بعد تأخير، من خلال هذه الحزمة المتشددة من التدابير.
كان خطاب أردوغان مصاغاً بدقة سياسية عالية، فقدم الرئيس حزمة التدابير بيد، والبشرى بقرب بداية استخدام اللقاحات، في العاشر من الشهر الجاري، بيد أخرى. وكأنما في رد استباقي على منتقدي تراخي الحكومة، أثناء فصل الصيف، مع تفشي الوباء، ذكر رقم نمو الاقتصاد في الربع الثالث من العام، الذي كان قد نشر في صباح اليوم نفسه، باعتباره نتيجة لحكمة الحكومة في الموازنة بين مواجهة خطر الوباء وحاجات الاقتصاد.

إن الأبرز في الخطاب هو وضعه حداً للتكهنات الإيجابية في الرأي العام بشأن ما كان قد أعلنه، قبل أسبوعين فقط، من نوايا إصلاحية تشمل ميادين الاقتصاد والسياسة والتشريع

لكن الرئيس التركي المعروف بولعه بالسجال ضد خصومه، لم يوفر فرصة الخطاب الذي يتابعه جميع الأتراك لكونه مخصصاً لإعلان التدابير الوقائية، فانقض على خصومه بطريقته المعهودة من العنف اللفظي، ولكن مع جرعة إضافية من الاتهامات، ربما كان أبرزها اتهام المعارضة بأنها «لا تعبأ بالشعب، بل تنتظر الإشارة من الخارج». اتهام يفهمه خصوم أردوغان كما أنصاره على أن المقصود به هو مراهنة مفترضة من قبل أحزاب المعارضة على التغيير الذي حدث في الولايات المتحدة بانتخاب الديموقراطي جو بايدن رئيساً، له مواقف معلنة ضد تركيا الأردوغانية، بل وصل به الأمر حد الحديث بصراحة عن «وجوب دعم المعارضة التركية من أجل التغيير في تركيا» في مقابلة إعلامية أواخر العام الماضي.
غير أن الأبرز في الخطاب هو وضعه حداً للتكهنات الإيجابية في الرأي العام بشأن ما كان قد أعلنه، قبل أسبوعين فقط، من نوايا إصلاحية تشمل ميادين الاقتصاد والسياسة والتشريع. الواقع أنه في الوقت الذي كان أردوغان فيه يلقي خطابه هذا، كان وفد حكومي قد عقد للتو اجتماعين هامين مع كل من جمعية رجال الأعمال وممثلي الأقليات والجمعيات الدينية، بغاية مناقشة وجهة الإصلاحات الموعودة وتقديم توصيات تتضمن مطالب المجموعتين. فهل يعني هذان الاجتماعان أن الحكومة جادة في وعودها الإصلاحية؟ أم أنها لمجرد كسب الوقت بانتظار استحقاقات كبيرة تنتظر الحكم في تركيا، كاجتماع حلف شمال الأطلسي في الأول والثاني من الشهر الجاري، واجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في العاشر والحادي عشر منه، ويتوقع أن تكون تركيا على الطاولة في كلا الاجتماعين، بسبب الخلافات المعلنة بينها وبين شركائها في الناتو من جهة، والاتحاد الأوروبي من جهة ثانية. وفي مواجهة الاستحقاقين حاولت الحكومة التخفيف من حدة التوتر من خلال إعادة سفينة السبر «أوروج رئيس» إلى ميناء أنطاليا، بعدما كانت تقوم بأنشطة للبحث عن النفط والغاز في مناطق متنازع عليها من شرقي البحر الأبيض المتوسط. كذلك قال الرئيس أردوغان، في أحد خطاباته قبل أسبوعين، إن «المكان الطبيعي لتركيا هو أوروبا».
في غضون ذلك أدت تصريحات المستشار الرئاسي بولند آرنج بشأن وجوب إطلاق سراح السياسي الكردي المعتقل بلا حكم قضائي صلاح الدين دمرتاش، ومثله رجل الأعمال عثمان كافالا، إلى دفعه إلى الاستقالة من منصبه، كما أحيل النائب السابق إحسان أرسلان إلى لجنة المحاسبة في حزب العدالة والتنمية الذي هو من مؤسسيه، بسبب تصريحات له ينتقد فيها انزلاق الحزب نحو مواقف قومية متشددة بسبب تحالفه مع حزب الحركة القومية دولت بهجلي.
لقد وضع بهجلي خطوطاً حمراء أمام أردوغان بشأن ما أعلنه الأخير من نوايا إصلاحية، وبالأخص ما يتصل بشأن السياسة الكردية المحتملة للحكومة بما يتعارض مع «ثوابت» الحزب القومي. ولم يتوان، في سبيل ذلك، من إطلاق رجل المافيا المقرب منه علاء الدين جاقجي تهديدات بالقتل بحق زعيم المعارضة الرئيسية كمال كلجدار أوغلو. القصد أن توتراً حدث بين الحليفين أردوغان وبهجلي، ربما انتهى بفرض الأخير شروطه على الأول، من غير أن يعني ذلك استسلاماً نهائياً من أردوغان المعروف ببراغماتيته. فما قد يقبله اليوم تحت ضغط شروط قاهرة قد يتنصل منه عند ظهور بوادر شروط مختلفة.
في هذا الإطار يمكن فهم التناقض الظاهري بين تشدد أردوغان في خطابه الأخير، ومواصلة وفوده الحكومية الحوار مع الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية حول الإصلاحات المنشودة.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Fak:

    يا أخي ما إلك سيرة إلا أردوغان، حل عن اردوغان من شأن الله!على الأقل الرجل يبني وغيره يهدم!

إشترك في قائمتنا البريدية