في معرض السوداني أحمد عامر… «الكنداكات: لؤلؤ ولوتس النيل».. حضور مكتمل للون

لندن ـ «القدس العربي»: (كنداكة) مفردة مستعادة من تاريخ السودان القديم، وكانت تطلق على ملكاته، وهي من أبرز استعادات الثورة السودانية الماثلة منذ ديسمبر/كانون الأول 2018، في ترميز رفيع للدور الذي نهضت به المرأة السودانية، في إشعال فتيل الثورة، الثورة التي أطاحت بديكتاتورية جثمت على صدر الوطن نحو (30) عاما؛ وعلى مدى ثلاثة أشهر سيعرض (The Humble Gallery) في لندن، أعمال التشكيلي السوداني أحمد عامر في المدة بين 4 أكتوبر/تشرين الأول 2019م و4 يناير/كانون الثاني 2020- المعرض عنوانه (الكنداكات: لؤلؤ ولوتس النيل) عبارة عن 22 لوحة نفذت بأحجام ومواد مختلفة، أنجزت في المدة بين 2017 إلى 2019؛ يفتتحه الأكاديمي والمؤلف البريطاني بول داش، وهو مهتم بقضايا الفن والتعليم ومناهضة العنصرية، وإشراف تريشا دايوان.

احتفاء بتاريخ الملكات:

كتب داش: «هذه مجموعة أعمال فنية أنجزت بعناية وحساسية، منبثقة من تراث متجذر في تقاليد افريقيا القديمة، بما فيها طقوس الإسلام الثقافية. كل هذا مع تذوق مكثف لطرائق الفن والتصميم المعاصر، أعمال جابر الباحث والأكاديمي البصرية والأدبية تعكس عمق معرفته بتاريخ وحضارات السودان وجيرانه، التي تعود لمملكة كوش العظيمة، أعمال المعرض تمثل إفادة عن هذه الارتباطات الأساسية. بالأهمية ذاتها، يشيد المعرض بمساهمات النساء في كفاحهن، عبر التاريخ، وحتى اليوم من أجل صوت الحرية في السودان».
يقول أحمد عامر لـ»القدس العربي»: «الخطوط، الأشكال، تدرج الألوان، الأنماط والملامس؛ كل هذه العناصر البصرية حاضرة دائما؛ يزدهر هذا الحضور المكتمل للون، عندما أنجز أعمالا بالأبيض والأسود والدرجات الرمادية، أو درجات أي لون آخر، عند أي خط أو ضربة فرشاة، ما يشبه القراءة «بين الأسطر» في قطعة إبداع أدبي ثرية.
في هذا المعرض أقدم أعمالا تناسب الاحتفاء بتاريخ النساء في السودان القديم (الملكات النوبيات أمثال: شاناكدازيتي، أمانيشاختو وأمانيريناس) والمرأة السودانية في الأزمنة الحديثة والمعاصرة. هذا المعرض أهديه بشكل خاص إلى والدتي الراحلة، التي لا تزال تلهمني الاحتفاء بالمرأة في أعمالي».
ويستطرد: «أعمل بوسائط متعددة وعلى أحجام مختلفة غير متقيد بأسلوب معين. يبدو أن خلفيتي كمصمم ورسام إيضاحي، أثرت في إبداعي لدرجة ما، وكذلك اهتمامي بالكتابة الإبداعية وحب الشعر والموسيقى، وأسلوب خط «الثلث» العربي. ربما هذا يساهم في خلق عمل قريب للناس، وهو أحد أهم أولوياتي كفنان وتربوي، أنا أومن بأن الفن ليس وسيلة تعبير عن الذات والآخر، وأيضا وسيلة للترفيه والإلهام والتعلّم والتغيير».

يقول عامر: «في المجلس الثقافي البريطاني في الخرطوم. قدمت معرضا بعنوان «المرأة في شعر ت. س. إليوت»، سنة 1992، حظي بحضور وتقدير كبيرين، تناولت دور وصورة المرأة في شعر إليوت، عبر مجموعة من الأعمال نفذت بخامات وأحجام مختلفة.

أصداء ساحة «هايد بارك»:

من ضمن الفعاليات الثقافية المصاحبة للمعرض، ورشة فنية حول «الحروفية» وقراءة لبعض قطع المعرض الفنية المستقاة من رواية «دوائر الوعي واللا وعي»- صدرت في العربية سنة 2013؛ موضوع الورشة كتابة موازية لأحد فصول الرواية بالإنكليزية، بعنوان «سبيكر كورنر» يقدمه البريطاني إيان روبرتسون- رئيس سابق لقسم الفنون الجميلة، جامعة لندن ميتروبوليان. في هذه الرواية – من إبداع عامر- يعرض لبعض أدوار المرأة المؤثرة في الحياة، أمّاً مكافحة وثائرة مناضلة، عبر شخصيتين محوريتين؛ والرواية تناولت الأحداث في السودان، إثر مؤتمر القمة العربية في الخرطوم، أيام النكسة 1967، مع تركيز أساسي على انقلاب 25 مايو/أيار 1969 العسكري، وأحداث «الجزيرة أبا» و»ودنباوي» الشهيرة؛ وفي الأجزاء الأخيرة من الرواية محاور رئيسية تتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية، وينداح السرد – كذلك- ليشمل أصداء ما يدور في الساحة الشهيرة في حديقة «هايد بارك» في العاصمة البريطانية من آراء تصدر من أصوات، همسا وجهرا؛ تمثل معتقدات وأفكار شتى.

نساء الأرض الخراب وأربعاء الرماد:

يقول عامر: «في المجلس الثقافي البريطاني في الخرطوم. قدمت معرضا بعنوان «المرأة في شعر ت. س. إليوت»، سنة 1992، حظي بحضور وتقدير كبيرين، تناولت دور وصورة المرأة في شعر إليوت، عبر مجموعة من الأعمال نفذت بخامات وأحجام مختلفة. كانت الأعمال مستوحاة من كتاب أعماله الشعرية الكاملة، التي صدرت سنة 1922. تعود علاقتي ببعض سيرة إليوت وشعره إلى السنة الاخيرة من دراستي الثانوية. تعززت بدخولي إلى كلية الفنون الجميلة والتطبيقية، هناك كان موسى الخليفة- أستاذ مادة الاتصال البصري- يشجعنا على إنتاج أعمال بصرية وأدبية موازية، أعجب بأحد نصوص الشعرية على خلفية حديثه الدائم وقتها، عن إليوت وأهميته كمبدع، وأهداني كتاب أعماله الشعرية من مكتبته الخاصة؛ وتعود كذلك لما كان ينشره الراحل عبدالله الطيب من مقالات تحت عنوان «الفتنة بـ ت س إليوت خطر على الأدب العربي» في مجلة «الدوحة» القطرية – ثمانينيات القرن المنصرم. على الرغم من تناقض وجهتي نظر الخليفة والطيب بشأن الشاعر وشعره، كان اهتمامي الكبير بالبحث أكثر عن إليوت وشعره؛ أقمت إثر ذلك معرضا ثنائيا مع أحمد محمد شبرين سنة 1993، في المركز الثقافي البريطاني في الخرطوم تناولت فيه دور الرجل في أعمال الشاعر إليوت، وتناول فيه شبرين أشعار وليم شكسبير.
في مرحلة لاحقة تطورت معرفتي بإليوت، إثر إقامتي الطويلة في لندن، واشتغالي في مشروع فني أكاديمي على مستوى درجة الماجستير في الفن والتصميم والثقافة البصريين، عـــبر عدد من السمنارات وإقامة معرض خاص، بالإضافة لتقديم نموذج كتاب يتضمن الأعمال الفنية والنصوص الشعرية الموازية، أيضا أنجزت «نساء الأرض الخراب وأربعاء الرماد» والجدير بالذكر أن الشاعر في قصيدة «الأرض الخراب»، ينعي مادية الحضارة الغربية، بينما يمجد تعاليم السماء في قصيدة «أربعاء الرماد».
في لندن التي استقررت فيها ازدادت معرفتي أكثر بإليوت وشعره، حيث وقفت على كثير مما تناوله في شعره على الأرض. لقد أخذ مني هذا زمنا قبل أن يتمثل في مشروع فني أكاديمي على مستوى درجة الماجستير في الفن والتصميم والثقافة البصرية، فكان «نساء الأرض الخراب وأربعاء الرماد». جدير بالذكر أن إليوت في قصيدة «الأرض الخراب» ينعى مادية الحضارة الغربية بينما في القصيدة الثانية «أربعاء الرماد» يمجد تعاليم السماء».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية