تكوينات أنثوية في أعمال التشكيلية السودانية أميمة حسب الرسول

لندن ـ «القدس العربي»: هناك نساء دائماً، هناك أطيافُ امرأة ما وحيدةٍ، تحتفي بجسدها في طقوس أنثوية متعددة المزاجات، أو امرأة تنكفئ على نفسها في تكوينات تنطقُ بالصمت كامنةً في عزلاتٍ مُنتقاة بدقةٍ، في منحوتات التشكيلية أميمة حسب الرسول، وفي اشتغالها في التلوين أو في الأبيض والأسود، مع اختلاف البصمة الفنية الخاصة في عمل النحات بالإزميل، في الكتلة ثلاثية الأبعاد؛ عنها في عمل الملونِ بألوان الزيت أو الماء، أو المشكل بالأبيض والأسود في مساحة ذات بعدين. من خلال جسد المرأة تصور أميمة مختلف مظاهر الحياة في تفاصيلها البسيطة، المرأة العاشقة والمعشوقة، المرأة في البيت، في أمومتها ورعايتها للعائلة، المرأة في مكان العمل في أوقات السلم والحرب، المرأة في توقها للعدالة والمساواة في سعيها الحثيث للحصول على السلام والطمأنينة؛ ربما تصورُ امرأةً منكفئة على نفسها كناية عن معاناتها عبر تاريخ طويلٍ، وصولاً إلى معاناتها في سودان اليوم، وهي مثقلة بالهموم ومنهكة من أعباء وضغوط الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كأنها تهربُ في هدنة نحو الهدوء والاستقرار النفسي؛ دون أن تغفل عن مكامن القوة في ذاتها الثائرة والمناضلة، أو عن كونها مصدر إلهام واعتزاز بثقافة وهوية تستحق أن تحتفي بها، بذاتها وبجسدها على الدوام.

التناغم والتوازن بين الكتلة والفراغ:

أميمة حسب الرسول تزور لندن حالياً، بدعوة خاصة لحضور فعاليات معرض التشكيلية البارزة كمالا إسحق- افتتح في (7 أكتوبر/ تشرين الأول 2022) ويستمر حتى (29 يناير/ كانون الثاني 2023) بعد مشاركتها في سبتمبر/ أيلول الماضي في ورشة عمل في ألمانيا؛ وهي تعمل في «قسم الترميم» في متحف السودان القومي، منذ تخرجها في قسم النحت في كلية الفنون الجميلة والتطبيقية؛ بسؤالها عن تفضيلها لقسم النحت تحديدا، وكما هو معروف ـ في تاريخ الكلية – أن حضور المرأة نادر فيه قياساً بالأقسام الأخرى، قالت: «لا أميل إلى المفاضلة بين الفنون عموماً، فهي لا تخلو من متعة، سواء للفنان أو المتلقي؛ بالنسبة لي النحت يتعاطى مع الحواس باللمس والبصر، وهو أقرب للعين ويمكن إدراكه من زوايا مختلفة وفكرته هي التناغم والتوازن بين الكتلة والفراغ، هذا التوازن هو ما أجده وأحسه يملأ روحي عندما أنفذ العمل وأنا أحاور الكتلة حتى وصولي لنقطة النهاية.» وتواصل: «أما بالنسبة لأعمالي في الأبيض والأسود والتلوين فهي أسهل وأسرع في التنفيذ ولا تحتاج لمجهود عضلي، في التلوين يمكن قول الكثير التعبير بشكل مباشر ومختلف لا أميل إلى استخدام الألوان الحارة والمباشرة دون تخفيف كثير أو مزج لأعبر عن ثقافتي وهويتي، حيث الألوان في كل مكان المنازل والملابس والأسواق يزيد توهجها ضوء الشمس الحارق في السودان».

أميمة حسب الرسول

جزءٌ من الحقائق البصرية والموجودات المرئية:

بخصوص حضور المرأة اللافت في مجمل أعمالها قالت أميمة لـ»القدس العربي»: «المرأة جزءٌ من الحقائق البصرية والموجودات المرئية، ليس هذا فقط، هناك احتفاء الفنانين (المبدعين) بها على مر العصور باعتبارها الملهمة والباعثة المحرضة على الإنتاج الفني وقد صورها الفنانون في أشكال وأوضاع مختلفة موثقين لأدق ملامح وتفاصيل حياتها، ربما لا نستطيع أن نستثني فناناً في تناول هذا الموضوع، لكن الفكرة قد تأخذ خصوصيتها عند بعض الفنانين، سواء من حيث التركيز على المرأة كموضوع جمالي أو من عظمة وقوة وشهرة الأعمال المنتجة مثل (الجيوكندا) أو (الموناليزا) أيضا لوحة بيكاسو (المرأة الباكية) تعكس انفعالاتها ومعاناتها وتعبر بعمق عن حجم الألم والحزن؛ هناك مثلاً أوغستين رودان، الذي كان مهتماً بجمال المرأة يقول «حين أرسم امرأة فإنني اكتشف جمال الأواني الخزفية اليونانية». ويوشوا رينولدز مصور المرأة في الحياة، نال لقب أشهر فنان يعبر عن المرأة والطفولة في بريطانيا وغويا الإسباني الذي عبر عن المرأة العاشقة والمتحدية وهناك تولوز لوتريل، الذي تناول موضوع فتيات الليل ليعبر من خلاله عن الجانب الآخر من البريق العابر وومضاته السطحية، ويغوص في أعماق النفوس البشرية التعسة، وفان غوخ الذي يصعب التحدث عن الفن، دون ذكر اسمه، أو التحدث عن علاقته بالمرأة في حياته وأعماله الفنية، حين رسم لوحة (الحزن) كتب تحتها «كيف نسمح بأن تكون هناك امرأة وحيدة تعيسة علي الأرض؟!»؛ والمرأة أكدت دورها في الفن التشكيلي من خلال ما قدمته من إنتاج فني سواء عالمياً أو محلياً، وهناك الكثير من الأسماء منها: بربارا هيبورث، إنجي أفلاطون، ديما حجار، شلبية إبراهيم ورائدات التشكيل النسوي السوداني: كمالا إبراهيم إسحق، أم الخير كمبال، نايلة الطيب، حاليا توجد حركة تشكيلية نسوية نشيطة، داخل وخارج السودان».

الجمعيات النسوية الفنية ليست وسيلة للتصنيف الفني:

سنة 2016 أسهمت في تأسيس «بيت التشكيليات السودانيات» وهو كيان ثقافي اجتماعي يهتم بقضايا المرأة والتشكيل، ويهدف إلى توفير مساحات لعرض أعمال المبدعات وتشجيعهن على مواصلة الإنتاج؛ وإلى إلقاء الضوء على مسائل وإشكالات الفن التشكيلي بصورة عامة، والسعي لإيجاد حلول لها، قبلها بعدة سنوات أسهمت في تأسيس «جمعية التشكيليات السودانيات» أيضاً صحبة التشكيليات تيسير عبدالقادر سالم ووصال ضياء الدين وأخريات؛ قالت أميمة: «الجمعيات الفنية النسوية هي نوع من التضامن النسوي يمكن المرأة من استمرارها في ممارسة نشاطها الفني، تنهض إدارتها بتنسيق وتنظيم الفعاليات الفنية من ورش وندوات ومعارض؛ نظراً للدور المضاعف للمرأة المبدعة في المجتمع السوداني- ربما أسهم في منع بعضهن من مواصلة الإبداع؛ وضمان وجودهن في فضاء العمل العام، وحفظ حقوقهن ومساعدتهن على الاستمرار. الجمعيات النسوية الفنية ليست وسيلة للتصنيف الفني، بالطبع لا يمكننا تحديد صفات إبداعية نوعية خاصة بالنوع الأنثوي في الإنتاج التشكيلي، إذا تعاملنا مع الفن كمحاولة للتعبير عن القيم الزمانية والمكانية ضمن إطار جمالي عام، لكن وجود المرأة في مجتمع يكرس لأحادية النوع المبدع وتعاني فيه المرأة من التمييز «النوعي» يدفعها لمحاولة إثبات ذاتها من خلال إبداعها فتعبر أعمالها عن انفعالها بواقعها ورغبتها في التحرر من الموروث الاجتماعي والثورة على الواقع».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية