البناء الجمالي للكون في أعمال السوداني صلاح إبراهيم

التشكيلي صلاح إبراهيم من مواليد (كتم -الفاشر) 1958، بكالوريوس كلية الفنون الجميلة والتطبيقية – الخرطوم 1982، دبلوم التربية جامعة السودان (1982-1986) ماجستير ودكتوراه من الجامعة نفسها، له عددٌ من المعارض الجماعية داخل وخارج السودان، وعددٌ من المعارض الفردية كذلك، ومشاركات في ورش عمل، أحرز جائزة نوما لرسوم الأطفال عام 1990، كتب عنه التشكيلي محمد حسين الفكي: «قدم أفكاره من نواة الخلق الأولى من فكرة التكوين البسيط، وارتفع بها إلى مقامات الخيال والرؤية المفكرة، يظهر ذلك في أسلوبه التعبيري المميز» هنا مقاربة للأسلوب في أعماله وفعالية الذاكرة، أيضا للبعد الأسطوري والصوفي واسئلة الوجود الصعبة.

تفصيح المفردة التشكيلية

الأسلوب صفة عضوية، بمعنى أنه ينمو ويستزيد بالممارسة الراشدة والتدريب والبحث المستمر على يد المفردة التشكيلية، إذ أن التشكيل ضرب من التعبير، والتعبير لغة تنطوي على الدارج والفصيح، لذا هو يبحث عن تفصيح المفردة الشكيلية وتكريس التميز، أي أن يكون متميزاً مقارنة بالتجارب التشكيلية الأخرى، وهي كثيرة ومشاهدة ومقدرة، أهم التطورات في تجربته هي، تحقق الاحترافية بمعنى حل التناقضات التقنية والإلمام على نحو جيد بمعرفة الأدوات والخامات، وكل الوسائط المستخدمة، واقتراح خامات جديدة ونوعية واستنطاقها جمالياً وفق رؤية ونسق مفاهيمي، يتخذان موقفاً نقدياً موضوعياً من الإرث المحلي والإنساني في إطار الظاهرة والهم التشكيلي؛ الأسلوب في الفن سلاح ذو حدين – كما يقال عادة – لأنه في أحيان كثيرة يصير سجناً لا فكاك منه لصاحبه، إن كان ذا غفلة، لكنه ضمن المبحث العام للتشكيل من المتغيرات القابلة للتطوير والتفجير واكتشاف قوانين جديدة داخله، تراكم رصيد التجربة الذاتية للمشتغل بالفن في أي ضرب من ضروبه المختلفة؛ الأسلوب، بالنسبة لصلاح، تحدده المفردات المختارة، والخامة أيضاً لها حوارها الخاص والمسألة في مجملها جدلية وحوار دائم ومستمر ومثمر في الوقت ذاته؛ التمرد على الأسلوب نفسه صفة تمتاز بالثبات، لذا فهو يسبب الكثير من القلق على أسلوبه، بالقدر الذي يسببه له من الملل فيندفعان معاً – هو والأسلوب – إلى الأمام تفادياً للاحتراب، توجد صيغة جديدة للتعامل في أرض مغايرة.

فعالية الذاكرة

الطفولة مرحلة خصبة، بالنسبة للمبدع خصوصاً، ما الذي يمكن إفادته من مخزون الصور في معالجة العمل الفني – ما هي فعاليات الذاكرة في إنتاج العمل الفني والإبداعي تحديداً في هذا السياق؟ فالطفولة مرحلة خصبة حقاً، وفيها يتكون ما يسمونه بالتركيبة النفسية (psych makeup) وفق خبراء علم النفس، والتركيب النفسي يرتبط دائماً بالبيئة والوراثة، وهو أمر مرهون بالتكيف، وقد تتجلى هذه الفترة المهمة في حياة المبدع في بعض أعماله اللاحقة – أي صياغة الفطرة من خلال المعرفة، هذا الأثر يمكن تسميته بالحنين إلى البداءة (pigturesnostalig) فهي استلهامات ماكرة تغترف من معين البراء ؛ في ما يخص فعالية الذاكرة: العمل الفني فيه قصدية ووعي عميق، تنتفي فيه الحدود بين أقاليم الشعور واللاشعور، وأهمية الذاكرة تكمن في أن لها فاعلية تتعلق بالترميز والتخزين والاسترجاع، وهذه الفاعلية في مجملها متعلقة بالخيال، الخيال مطية الإبداع، الخيال أداة ذهنية تؤدي وظائف في بيئة نفسية من الدرجة الأولى؛ الطفولة هي تاريخ العالم المسالم حتى على مستوى الأمم الأخرى من بقية الكائنات.

بعد أسطوري وصوفي

بقدر ما للمعرفة من جمال وعمق يقتضي الرؤية للعالم من منظور شفاف وناعم، بقدر ما لها من متطلبات ذات نزوع عنيف وقاس في التلقي والإنتاج، عادة يتبدى جمال المعرفة وعمقها في مستويات لخدمة قضايا الإنسان الكبرى على المستوى الفلسفي، مثل الحب والاعتراف بحق الاختلاف والرأي الآخر، ليس هناك عنف في الأداء التشكيلي لصلاح، هناك إشارة للتوازن البيئي الذي يحفظ التناسق للبناء الجمالي للطبيعة في كمالها النسبي، التشكيل بالنسبة له خطاب، والخطاب معروف في الأدب بأنه (قول ورأي وله جانب غير مرئي ويسمى عادة بالمسكوت عنه) ما يتبدى في بعض أعماله الفنية ليس عنفاً بقدر ما هو سلم متعلق بنواميس الطبيعة ونظريات البقاء على قيد الحياة، وفيه أيضاً استلهام وتضمين للبعد الأسطوري والصوفي والشعبي في السودان، في صناعة الصورة، وهو بعد واسع الثراء يشكله التاريخ والجغرافيا أيضاً لها أهمية قصوى في الاتجاه ذاته.

أسئلة الوجود الصعبة

هناك ثمة احتفاء دائم ورصد دقيق لتفاصيل حية، في اليومي ربما، في الذاكرة أو الحلم، هل ثمة ما يبرِّر هذا المهرجان من الحيوانات الأليفة وغيرها في علاقات الطبيعة ومفردات الطبيعة ومزجها بالعلاقات الإنسانية وأسئلة الوجود الصعبة؟ نجد في تاريخ الفن الغربي أن الاعتماد على تراث عصر النهضة، الذي كان يتخذ من جسم الذكر معياراً للجمال، وأيضاً الفلسفة ذات النزعة الإنسانية، كانت تتخذ من الإنسان مركزاً للكون، واستمرت هذه المسألة إلى وقت قريب، بالنسبة لإبراهيم، في التناول والمفاهيم الجمالية، يرسم عوالم تحتوي الكائنات كلها لتكون معاييرَ جمالية، بما فيها الإنسان نفسه؛ فهو يرسم الحشرات والزواحف والطيور والأسماك والنساء والشيطان والنجوم والقمر والهلال والجمال والأبقار والحجارة، كما أن هناك مرجعية دينية أيضاً اذ ورد في الذكر الحكيم (إنهم أمم أمثالكم) وبمعنى آخر هم لا ينفصلون عن البناء الجمالي للكون؛ قد تجد فراشة ما، في بيئة ما، معياراً كاملاً من حيث التصميم والتناسق واللون والحركة، وقد تساعد كل هذه المفاهيم على الإجابة على أسئلة الوجود الصعبة، فهم الإنسان لا يتأتَّى بمعزل عن هذه الكائنات المسالمة.

شاعر وصحافي سوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول بلي محمد من المملكة المغربية:

    مرة أخرى ندخل عالم التشكيل المليئ باالعجائب القديمة المحيرة لكي نضع رغم قلة العلم والمعرفة بعض الكلمات لكن ادا سمحثم وشكرا وكدالك الفنان
    التشكيلي بين قوسين مايميز ودائما المنبر عن اخوانه وما اكثرهم هو التنوع الجميل لايضع ايا كان على ظهره ألا ادا كان في المستوى سواء كان تقريرا او
    تحليلا لشيء مهم بلغة الفن وليعرف العاشق والقارئ معا ما جاد به الفن رغم زمان الرياح ألا عقلانية نحن قلنا بأن الدي يتقن فن السباحة في بحر التشكيل يخرج منه العجب المبهر وبلغة لاختصار نقول تفنن التشكيل في رسم الطبيعة ولازال وكدالك الطيور والعصافير والهداهد والمرأة.

إشترك في قائمتنا البريدية