فرصة جديدة للمصالحة في الجزائر

حجم الخط
3

الفلسطينيون أمام فرصة تاريخية جديدة للخروج من حالة «التيه السياسي» التي يعيشونها منذ سنوات، وذلك عبر الاستجابة لجهود الجزائر ورئيسها عبد المجيد تبون، والجلوس إلى مائدة الحوار الجزائرية في أسرع وقت ممكن، وعلى قاعدة القناعة بضرورة التوصل إلى مصالحة داخلية تنهي الكثير من المتاعب التي يعاني منها الشعب الفلسطيني.
ثمة جهود جزائرية مهمة وكبيرة من أجل جمع حركتي فتح وحماس، والتوصل إلى أي إنجاز في مجال المصالحة قبل موعد القمة العربية المقبلة، المقرر أن تنعقد في الجزائر خلال تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وهذه المساعي يجب أن أتم قراءتها والتعامل معها فلسطينياً، على قاعدة أنها فرصة جديدة يتوجب استثمارها والاستفادة منها، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا اقتنعت القيادات في كل من فتح وحماس، بأن الانقسام السياسي الداخلي كبدهم وكبد الشعب الفلسطيني بأكمله الكثير من الخسائر والتكاليف الباهظة.
الانقسام الداخلي الذي بدأ فصائلياً وسياسياً ثم توسع إلى الجغرافيا عبر قطع أي اتصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة، أدى إلى تراجع كبير في دور الفصائل في الشارع الفلسطيني، كما أنه أفقد هذه الفصائل جزءاً كبيراً من حاضنتها الشعبية، ودليل ذلك الظاهرة التي بدأت تتصاعد في الأراضي الفلسطينية خلال الشهور والسنوات القليلة الماضية، وهي ظاهرة العمليات الفردية ـ خاصة في الضفة الغربية- وهي ظاهرة تعني أن الشارع الفلسطيني بدأ يقفز عن الفصائل ويتجاوزها، ويشعر بأنها معطلة لمشروعه السياسي، بعد أن كانت هذه الفصائل طيلة العقود الماضية هي القبلة الوحيدة للوطنيين والراغبين في العمل السياسي لمقارعة الاحتلال. تتحدث أجهزة الأمن الإسرائيلية عن أكثر من 1526 عملية وهجوما نفذها الفلسطينيون خلال الشهور الثمانية الأولى من 2022، وهو تصاعد كبير في الهجمات الفلسطينية دفع الكثير من المحللين إلى توقع اندلاع انتفاضة فلسطينية شاملة قريباً، لكن المهم في هذه الظاهرة أن الفصائل، بما فيها فتح وحماس، تقف كالمتفرج ولا يبدو أن منفذي العمليات لهم أية انتماءات فصائلية، وهو ما يعني أن الانقسام السياسي أدى بالفصائل إلى العزلة والانسحاب التدريجي من الشارع. ثمة الكثير من التكاليف التي تكبدها -ولا يزال- الفلسطينيون بسبب الانقسام، إذ الأمر لا يتوقف عند تراجع شعبية الفصائل وشعور الكثير بأنها تحولت إلى «مؤسسات مُعطلة»، فالانقسام الداخلي أدى أيضاً الى عرقلة وتعطيل المشروع الوطني الفلسطيني، وأتاح للإسرائيليين استكمال مشروع الاحتلال ومخطط التغيير الجغرافي والديمغرافي على الأرض.

المطلوب من حركتي فتح وحماس أن يتعاملوا مع مبادرة الجزائر ومساعي الرئيس تبون على أنها فرصة لإنهاء الانقسام الداخلي ويتوجب اقتناصها

خلال سنوات الانقسام سجَل الاستيطان الإسرائيلي أعلى رقم في تاريخ الضفة الغربية منذ احتلالها في عام 1967، حيث يتوقع أن يكون المستوطنون الذين يلتهمون أراضي الضفة قد تجاوز عددهم النصف مليون شخص مع نهاية العام الحالي 2022، مقارنة بأقل من مئة ألف مستوطن كانوا في الضفة قبل الانقسام، أي أن أعداد المستوطنين تضاعفت خمس مرات على الأقل خلال السنوات الماضية، التي كان الفلسطينيون منشغلون فيها بالصراعات الداخلية التي لا أهمية لها ولا تعني شيئاً. المطلوب من حركتي فتح وحماس أن يتعاملوا مع مبادرة الجزائر ومساعي الرئيس تبون على أنها فرصة لانهاء الانقسام الداخلي ويتوجب اقتناصها، كما لا يمكن التوصل إلى إنهاء للانقسام الفلسطيني إلا على قاعدة حسن النوايا والاستعداد المسبق لتقديم تنازلات، كما أن تجاوز عقدة الانقسام لا يتم عبر إجراء انتخابات جديدة، وإنما عبر توافق سياسي، إذ أن الانتخابات في ظل الاحتلال ليست سوى ضرب من العبث، ولا يُمكن إلا أن تنتهي لإشعال مزيد من الصراعات الداخلية والمشاكل الفصائلية. والخلاصة هو أنه يجب التوافق على مشروع سياسي تصالحي يقوم على أن كلاً من فتح وحماس عليهما تقديم تنازلات لصالح الشعب الفلسطيني، ومن أجل إعادة إحياء الحياة السياسية ولإنهاء حالة التيه التي يعيشها الفلسطينيون منذ أكثر من 15 عاماً.
*كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ضايع بن النابغة:

    خطوات مثمرة و جهود مشكورة تلك التي تقوم بها الجزائر ليس من أجل لم الشمل العربي و لكن أيضا للم شمل الداخل العربي وضع الجزائر يؤهلها أكثر من غيرها للعب دور الوسيط النزيه و الموثوق فيه نظرا لرصيدها المشرف النابع من موقفها الذي لم يتزحزح إتجاه فلسطين و شعبها هي الجزائر التي سترسل وزيرها العدل للرباط لدعوة المغرب حضور القمة العربية متجاوزة الاساءات السياسية و الأمنية و الاعلامية هذه هي الجزائر

  2. يقول سامح //الأردن:

    *ارجو أن يحصل هذا ولكني (غير متفائل).
    (فتح) تخندقت ف الضفة..؟؟؟
    و(حماس) تخندقت في غزة؟؟؟
    الله يهديهم للحق ولمصلحة القضية الفلسطينية العادلة.

  3. يقول أروى:

    اهم فاعل اضر بالقضية الفلسطينية وزاد الشقاق هو ظاهرة التطبيع التي مست عدد من الدول العربية والاسلامية في صورة خيانة مرصودة بشعار لسنا فلسطينيين اكثر من الفلسطينيين .. متناسيين ان فلسطين هي لكل العرب ولكل المسلمين والمسيحيين حتى ولو تخلى عنها الفلسطينيون انفسهم كونها ارض مقدسة عند كل الاديان السماوية..
    الخيانة هي من ساهمت في تزايد الانقسام الداخلي لفلسطين واثرت على الدعم الخارجي للشعب الفلسطيني بل جعلت من المقاومة جريمة وارهاب وجعلت التعاون مع الاسرائيليين والتوكل عليهم شرف وقوة في مواجهة الدول العربية والاسلامية فيما بينها ..
    فالمصالحة لن تكون وحتى ولو حدثت فلن تكون بالاهمية المنتضرة لأن خيانة الاشقاء الذين باعوا القضية ستحطم كل أمل.

إشترك في قائمتنا البريدية