غزة: صمود الضعيف انتصار وعدم انتصار القوي هزيمة!

حجم الخط
4

بلا شك أن فجر الجمعة الأخيرة في حرب غزة، كانت فجرا جديدا في النزاع العربي الإسرائيلي، ففي صراعات كهذه بين طرفين غير متعادلين بالقوة، فإن صمود الضعيف نصر، وعدم انتصار القوي هزيمة. ولو لم يكن من نتائج لهذه الحرب سوى إيقاظ روح القضية الفلسطينية فهذا يكفي.. فالعرب الفلسطينييون في الأراضي المحتلة عام 48، أثبتوا أنهم ما زالوا فلسطينيي الهوى والهوية، لقد بعثت هذه الحرب روح الانتماء فيهم من جديد، وأحيت في العرب والمسلمين مجددا ما اعتقد البعض في المنطقة أنه مات، ليهرولوا نحو التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني، التي تبين أنها أوهن من بيت العنكبوت.
هذه الحرب شهدت أيضا تبلور ملامح التنسيق بين محور إيران وحماس، ومن الواضح أن إيران وحلفاءها في المنطقة سيلعبون دورا أساسيا في الملف الفلسطيني مستقبلا، وسيتراجع بالمقابل دور الدول العربية المتحالفة مع واشنطن.
اليوم وبعد أربع حروب مدمرة على غزة، بدأت عام 2008، باتت المقاومة الفلسطينية أقوى من أي وقت مضى.
تكاد الصحافة الإسرائيلية تجمع على عدم قدرة إسرائيل على الخروج بأي نتيجة من الحرب في غزة، وعلى عدم وجود فائدة من أربع حروب شنتها على المقاومة الفلسطينية في غزة، فالقدرات الصاروخية تطورت، ومدى الصواريخ توسع، ولعل هذا ما جعل بعض المعلقين الإسرائيليين يتساءلون عن الغاية من رصد تسعة مليارات دولار للجيش الإسرائيلي كل عام، من دون تحقيق تقدم في مواجهة حماس والجهاد في غزة. نتنياهو إذن يبدو تائها ليس فقط في أنفاق غزة، بل في طريقة التعامل مع فصائلها، التي فاجأته على ما يبدو في هذه الحرب، فكاتب إسرائيلي بارز كعاموس هاريل، عنون مقالا تحليليا له في صحيفة «هآرتس» بـ»إسرائيل لا تملك استراتيجية للتعامل مع حماس». أما السياسي الإسرائيلي جدعون ساعر فيقول «إن وقف إطلاق النار من دون فرض قيود على حماس وإعادة الجنود والمدنيين – فشل سياسي يدفع ثمنه بشكل مضاعف في المستقبل». على مدى السنوات الماضية، أخفقت إسرائيل في مواجهة قدرات المقاومة الفلسطينية، وبالذات في ملف الصواريخ والأنفاق، فالصواريخ تم تطوير مدياتها لتغطي كل إسرائيل، ودقتها زادت، ويقر مسؤولو حماس، وعلى رأسهم يحيى السنوار بأن للخبرات الإيرانية دورا في هذا التطور، وإن كان التصنيع ذاتيا ومحليا، لكنه استفاد من الخبراء الإيرانيين، الذين كانوا يلتقون بمهندسي الصواريخ الفلسطينيين في الخارج، كما نجحت إيران بإدخال معدات خاصة خلال فترة حكم الرئيس المصري مرسي، كما تشير الأنباء، ففي تلك المرحلة القصيرة كانت الإجراءات الأمنية أقل تشددا على أنفاق غزة، التي كانت مدخلا لعبور الأسلحة. أما شبكة الأنفاق فباتت إنجازا عسكريا مهما لحماس، إذ أنها تمكنت من بناء منظومة مخابئ وشبكات أرضية يمكن من خلالها تخبئة منصات إطلاق الصواريخ، والأهم أنها مواقع بعيدة عن أعين طائرات إسرائيل وقصفها، ومع انكشاف السماء وانعدام الغطاء الجوي لدى فصائل المقاومة، فإن الحل كان بالتوجه إلى تحت الأرض، وفيها بنيت أنفاق مدعمة بالإسمنت، وفيها
مقرات تحكم وإدارة صالحة للعيش لشهور طويلة، وبلغ اهتمام إسرائيل بضرب الأنفاق درجة أن وزير الدفاع الإسرائيلي غانتس حاول تبرير وقف الحرب بتحقيق إنجاز ضرب 100 كيلومتر من أنفاق غزة.

بدا نتنياهو تائها ليس فقط في أنفاق غزة، بل في طريقة التعامل مع فصائلها، التي فاجأته على ما يبدو في هذه الحرب

تكمن أهمية الأنفاق في أنها وسيلة تحصن مهمة أمام أي هجوم بري، ولذلك حاولت إسرائيل نصب فخ لعناصر حماس في الأيام الأولى للحرب، بأن بثت أخبارا عبر وكالات الأنباء عن بدء الهجوم البري، وأرادت إسرائيل من ذلك دفع مقاتلي حماس للنزول للأنفاق، التي رصدت بعضها، ليتم توجيه ضربة كبيرة بصواريخ ارتجاجية خارقة للتحصينات، لكن العملية فشلت، نظرا لتنبه المقاومة لعدم وجود هجوم بري حقيقي. وتتمكن إسرائيل أحيانا من تحديد مسارات الأنفاق من خلال مسح جيولوجي، وفي أحيان أخرى من خلال جواسيس يعملون لصالحها، لكن ما تحصل عليه إسرائيل عادة هو معلومات عن مداخل الأنفاق وليس مساراتها تحت الأرض، لذلك نجدها اعتمدت على ضرب المداخل وفتحات الخروج من خلال قنابل تحمل غازات سامة، لخنق المتحصنين فيها، وحسب المعلومات الواردة فإن هذه الطريقة هي التي اتبعت في اغتيال قائد لواء القسام في غزة باسم عيسى وعدد من قادة حماس، ومنهم العالم الفلسطيني جمال الزبدة، إذ قال من شاهد جثمانه في غزة أن اثار اختناقه بالغازات السامة كانت بادية عليه بدون أي إصابات بشظايا، أو ردم ترابي داخل الأنفاق. وبدت آثار استهداف الأنفاق واضحة على شوارع غزة خلال أيام القصف، فالتخسفات الأرضية وانهيار سطوح الشوارع كانت بسبب وجود أنفاق تحت الأرض، لكن يبدو أن ما تملكه إسرائيل من خرائط للأنفاق يبقى محدودا، وما تم تدميره منها محدود أيضا. ومع محدودية قدرتها على كشف وتدمير الأنفاق، حاولت إسرائيل اصطياد قيادات كبيرة من القسام وسرايا القدس، في محاولة لتحقيق نصر أو إنجاز ما، يقدمه نتنياهو لجمهوره قبل إقرار الهدنة ووقف إطلاق النار، الهدنة التي يبدو فيها موقف المقاومة الفلسطينية قويا، بل أقوى من أي وقت مضى بعد أربع حروب لم تفت في عضدها.
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    إنتصار ساحق ماحق على الصهاينة الجبناء, وقبتهم الكرتونية!
    ما الذي منع الصهاينة من إقتحام غزة؟ ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول أبو أنس:

      صدقت ، لانهم جبناء ويعلمون ان لا قبل لهم امام اسود غزة

  2. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

    شكرًا أخي وائل عصام. هذا يعني أن إسرائيل استخدمت الكيماوي! كما فعل بشار الأسد وتجاوز خط أوباما الأحمر وبقي العالم بعدها بقي صامتًا، واليوم بايدن بعد أوباما.

  3. يقول سامح //الأردن:

    *الشعب الفلسطيني الصامد الأبي البطل
    له الله. اعدوا واستعدوا لهذه المعركة
    بقدر المستطاع والممكن وتوكل على الله
    فنصرهم على الصهاينة المجرمين القتلة.
    والحمدالله رب العالمين.
    الخزي والعار لكل من يقف في خندق الصهاينة المجرمين.
    حسبنا الله ونعم الوكيل فيهم.

إشترك في قائمتنا البريدية