من وحي النزاع بين «قسد» والعشائر العربية شمال سوريا

حجم الخط
0

بالتأكيد فإن قوات سوريا الديمقراطية «قسد» لا تمثل جميع الأكراد، وهي بالتالي تنظيم مسلح ساهمت الولايات المتحدة في تعزيز قدراته، لمهام تتعلق بالحرب على تنظيم الدولة، وتدعيم مؤسسات إدارة المناطق، وفق ما تسميه قسد «الإدارة الذاتية»، وهي نظام لا مركزي لإدارة المناطق. وفي تركيبة قوات قسد نجد تعددا عرقيا يضم، الأكراد والعرب والسريان، وبعض التركمان والشركس وغيرهم، لهم تمثيل متفاوت ضمن الإدارة الذاتية والمجالس العسكرية. لكن من المهم التذكير أيضا أن قوات قسد، التي تتسيّد مشهد السيطرة على مناطق واسعة في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة، تغلب السيطرة الكردية على مراكز القرار في تلك القوات، في الوقت ذاته الذي يشكل العرب المنضوون تحت قيادتها نسبة كبيرة من مقاتليها.

أثبتت أحداث دير الزور، أن الولاءات القبلية تحكمها مصالح المتنفذين بالقبيلة، وأن عموم أبناء القبائل ليسوا أكثر من أدوات في خدمة مصالح الكبار

بمعنى أن صبغة الاشتباكات الأخيرة، قبل تدخل قبيلة العكيدات بزعامة إبراهيم الهفل، وعشائر أخرى، أخذت طابعا عربيا ـ عربيا في الكثير من جوانبها، ضمن إطار قوات قسد والمجلس العسكري لدير الزور، الذي فجّر اعتقال قائده أحمد الخبيل «أبو خولة» الأحداث الأخيرة. لكن في الوقت ذاته فإن الاشتباكات أفصحت عن حالة غضب لدى الغالبية العربية، التي تقطن مناطق شرق وشمال شرقي سوريا من «انتهاكات» لقوات قسد طيلة سنوات، بالإضافة إلى تهميش قيادات المجتمع العربي في توزيع السلطة والثروات التي تهيمن عليها قوات قسد.
ولا يمكن في أي حال الفصل بين ما يجري في دير الزور ومجمل الصراعات الإقليمية، أو التوترات بين مختلف المجموعات العرقية والطائفية في المنطقة العربية، والضغوط الاقتصادية والأمنية، وتعدد القوى المسلحة من مشارب مختلفة شيعية ممثلة بالحشد الشعبي، وعربية سنية ممثلة بمجموعة من فصائل المعارضة السورية المسلحة وتنظيم الدولة. وتشكل محافظة دير الزور أهمية بالغة لجميع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، لمشاركتها الحدود مع غرب العراق، الذي تمر عبره قوافل الإمدادات الإيرانية لحزب الله اللبناني والميليشيات الإيرانية وقوات النظام السوري، وهي الحدود ذاتها التي تمر عبرها قوافل الإمدادات الأمريكية لقوات قسد. وفي حيثيات الصراع ومستقبله لا تبدو الولايات المتحدة، التي ترعى قوات قسد في وارد التخلي عن هذه القوات، التي لا تزال مهمتها الحصرية هي قتال تنظيم الدولة، ومنع عودته للسيطرة على المدن والمناطق مرة ثانية، طالما أن قيادات المجتمع العربي «فشلت» في تقديم أوراق اعتمادها لقوات التحالف الدولي كقوة منظمة قادرة على ضبط الأمن والاستقرار في محافظة دير الزور، وتمتلك ما يكفي من الإمكانيات والقدرات لمواجهة تنظيم الدولة، الذي يرتبط وجود القوات الأمريكية في سوريا باستمرار وجود هذا التنظيم. أثبتت أحداث دير الزور، أن الولاءات القبلية تحكمها مصالح المتنفذين بالقبيلة، وأن عموم أبناء القبائل ليسوا أكثر من أدوات في خدمة مصالح الكبار.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية