عن الانحياز العربي للصين ضد أمريكا

حجم الخط
5

يختار معظم العرب الانحياز للصين حال بروز أي توتر بينها وبين الولايات المتحدة. بدا ذلك واضحا خلال التصعيد الأخير، على وقع زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان. كراهية أمريكا تتحكم بمواقف هؤلاء. ليس الكراهية بالضبط، بل صناعة الكراهية التي اشتغلت عليها أنظمة المعرفة العربية بمساعدة الانقلابيين والجيوش. الفرق بين الكراهية وصناعتها، هي كالفرق بين شعورك، تجاه شخص يسيئ لك، وشعورك تجاه شخص تظن طوال الوقت أنه يسيئ لك. ليس معنى ذلك أن هذا الشخص لا يسيئ، بل معناه، أن إساءته لا تتواصل طوال الوقت، وغيره أيضاً يسيئ، وربما أكثر منه.

خلف الحجج التي يسوقها محبو الصين قناعة صلبة، بأن بكين لا تتدخل لتغير ثقافات الشعوب، ولا تملك نموذجا ثقافيا للتصدير، كل أهدافها التوسعية هدفها فتح أسواق

المنحاز للصين، لديه حجج كلاسيكية، ورثها عن الدعاية الناصرية وما تبعها من ضخ للشعارات الزائفة. تتنوع مصادر هذه الحجج بين الأفكار اليسارية والانتماء الإسلامي، والمأخذ على كيفية التعاطي مع قضايا المنطقة، لاسيما القضية الفلسطينية. واستنادا إلى المصدر الأول، أمريكا إمبريالية توسعية تريد أن تُخضع الدول وتنهبها وتتحكم بمصائر شعوبها. لكن بقليل من التدقيق، سنجد أن الصين تتبع استراتيجية إغراق عدة دول في الديون، تحت مسميات عدة منها مبادرة «الحزام والطريق»، واستغلال العجز المالي لهذه الدول، للسيطرة على مواقع حيوية فيها، وصولا للتحكم التام.
اليساريون خلال حديثهم النقدي عن التأثيرات السلبية لسياسات البنك الدولي في الدول النامية، يطابقون عن جهل، بين سلوك الأخير وسلوك أمريكا، كما أنهم يتجاهلون إجراء أي مقارنة بين قروض يمنحها البنك لمساعدة الدول، ضمن شروط ومعايير، تفرز نتائج سلبية وإيجابية تبعا لطبيعة البلدان المستدينة والأوضاع الاجتماعية فيها، وقروض صينية هدفها السيطرة، وغالبا ما تحوم حولها شبهات فساد. إمبريالية الصين وأذرعها الاقتصادية، لا تتحكم كثيرا في موقف الشخص الإسلامي المحب للصين، هذا الأخير يستعيض عن الإمبريالية، بتعامل الولايات المتحدة السيئ مع المسلمين، مستدلا بذلك، بمواقف عنصرية، وأخرى حصلت عقب أحداث 11 سبتمبر. غير أن مسلمي أمريكا، مهما تعرضوا للتضييق، انطلاقا من سياق يتعلق بالمهاجرين والملونين، فإن أوضاعهم لا تقارن بمسلمي الإيغور، الذين تعاملهم بكين ضمن سياسات الاعتقالات القسرية، والتعقيم الجماعي، والاستيعاب القسري، و»إعادة التعليم»، وإكراه المحتجزين منهم على العمل في المصانع. أما، بخصوص الموقف من قضايا منطقتنا، حيث يتم لوم أمريكا لانحيازها لإسرائيل، فوجب القول أيضا إن الصين ليست عدوة لإسرائيل، بل إن الاستثمارات الصينية، تتدفق على إسرائيل بشكل سريع وكثيف في قطاع التكنولوجيا تحديدا، وانتقلت من صفر دولار في عام 2000، إلى 15 مليار دولار في 2011، ناهيك من الاستثمارات في قطاعات أخرى مثل الإنشاءات وأشغال البنية التحتية. بينما ارتفعت المبادلات التجارية بينهما من 10 مليارات دولار في 2017، إلى 17.5 مليار دولار في 2020، وهو أكثر من ضعف حجم التجارة مع الجزائر (8 مليارات دولار) ويكاد يعادل حجم التجارة مع مصر (19.7 مليار دولار).
الهدف من هذه المقارنات، ليس القول إن الصين مثل أمريكا، وكلاهما يسيئان لنا ولقضايانا، بل الخلاصة، أن بكين إساءتها لا تتغير وتتواصل، انطلاقا من تركيبتها السلطوية، فنظام الحزب الواحد والشمولي في الصين يجعل سياسة هذا البلد تسير في اتجاه واحد غير قابل للتغير، الإيغور لن يتغير وضعهم، والدول ستواصل غرقها في ديون الصين، والعلاقات الاقتصادية بين تل أبيب وبكين ستترسخ أكثر. بينما، في الولايات المتحدة، ثمة نظام ديمقراطي ورأي عام يمكن التأثير فيه، وتثمير ذلك انتخابيا. داخل هذا النظام، يمكن أن تجد رشيدة طليب وإلهان عمر، ومزاجا ينحاز لقضايا الشعوب داخل حزب جو بايدن. الأهم أن خلف الحجج التي يسوقها محبو الصين قناعة صلبة، بأن بكين لا تتدخل لتغير ثقافات الشعوب، ولا تملك نموذجا ثقافيا للتصدير، كل أهدافها التوسعية هدفها فتح أسواق. وهنا تحديدا تتبدى ضرورات صناعة الكراهية ضد أمريكا، لتجنب الاحتكاك بأي من مزاياها، وتثبيت الاستبدادات والميليشيات، بصمغ النموذج الصيني.

كاتب سوري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ميساء فلسطين:

    اللهم انصر الصين واهزم أمريكا اللعينة الخبيثة التي قتلت الشعوب العربية في العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان و قبلها أفغانستان و أروبا العنصرية المنافقة التي تسرق ثروات الشعوب المستضعفة هذي سنين وسنين والله يحرر فلسطين ويكسر شوكة إسرائيل كسرا لا جبر بعده أبدا آمين يارب العالمين ??

  2. يقول محمود خوالدة:

    الصين وروسيا دولتان ديكتاتوريتان لهما تاريخ طويل وقذر من الاستعمار والتسلط على الدول المجاورة. أمريكا تجرؤ على دعم إسرائيل علنا في كل شيء، فبماذا دعمت الصين وروسيا العرب غير دعم بشار الأسد وحفتر والأنظمة المستبدة المجرمة.. نحن ليس لنا مشروع، إما نريد أن نكون عبيدا للغرب أو لروسيا والصين. في حال التخيير، الغرب يبقى أفضل بكثير جدا جدا.. ولتهزم روسيا والصين، ولا اريد تحرير فلسطين عن طريق دول بوليسية قذرة مثل موسكو وبكين..

  3. يقول إدوارد:

    لا أعلم شيئا عن ” انحياز العرب للصين ” لكن المؤكد أن جزيرة تايوان جزء من جمهورية الصين بميثاق أممي صادقت عليه 181 دولة منها أمريكا, أستراليا, بريطانيا والأتحاد الأروبي. معقول يكون هدا الحشد كله ضحية “دعاية ناصرية” يسارية ؟ للأنصاف دعونا ندكر أن تايوان تحظى بأعتراف رسمي من طرف 14 دولة -كانوا 15 قبل أن تسحب جزر سليمان إعترافها,أكيد بسبب دعاية ناصرية.
    العالم ياسيد إيلي عبدو تعب من ألاعيب أمريكا والعرب في طليعة ضحايا غطرسة واشنطن.كيف تستكثر عليهم أن يصدحوا بصرخة ألم ؟
    إصطفاف العرب إلى جانب الصين -إن صح فعلا- هو رد عفوي أعمق من مجرد نكاية بل رغبة في العدالة. فأين المشكل ؟
    العدل حلو.
    وأطلبوا العدل ولو في الصين

  4. يقول Mona dwairi:

    نحن نشكل عالم بااكمله ولدينا امكانيات تخدمنا مئات السنين لماذا نعتمد على غيرنا ونظهر بالضعف امام تلك القوى الكافرة

  5. يقول المرابط:

    اذا لم يستوعب العرب ضرورة تكتلهم فإنهم لن يصمدوا في عالم متحول سواءا بالموالاة لامريكا او الصين او غيرهما … يجب ان يقتنعوا بالولاء لبعضهم البعض … وان يخاطبوا الصين وامريكا بصوت واحد .. انذاك قد يجدون موقعا له وزن بدل البقاء في خانة المفعول بهم

إشترك في قائمتنا البريدية