صنع الله إبراهيم: أطالب النظام المصري بطرد السفير الإسرائيلي من القاهرة

محمد عبد الرحيم
حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: ضمن فعاليات (ملتقى القاهرة الأدبي) في نسخته السادسة، الذي جاء تحت عنوان «الكتابة والذاكرة»، أقيمت ندوة ضمت كلا من الكاتبين المصري صنع الله براهيم والبرازيلي أنريكي شنايدر، خاصة وكل منهما أصدر رواية تحمل العنوان نفسه (1970)، ودارت المناقشة حول مدى تقارب الروايتين، رغم الاختلاف، بداية من اللغة وفارق السن بين الكاتبين، كذلك البيئة والظرف السياسي. أدارت الندوة الكاتبة رباب كسّاب، التي بعد تقديمها كلا من الكاتبين، بدأ صنع الله إبراهيم كلمته، مُذكّراً بحال أهل غزة في هذه اللحظة، حيث الجوع والتشريد والموت، وقال: «أطالب النظام المصري بطرد السفير الإسرائيلي من القاهرة».

تناقض انتهى إلى السجن

جاء السؤال الأول إلى صنع الله إبراهيم، مُشيراً إلى فكرة الذاكرة الشخصية، فأحداث عام 1970 ـ عام وفاة عبد الناصر ـ كان إبراهيم وقتها شاباً ثورياً خاض تجربة الاعتقال والانتماء للحزب الشيوعي، فهل اعتمدت كتابة الرواية على ذاكرته الشخصية وتجاربه، أم على ذاكرة الوطن بشكل عام؟
وأجاب إبراهيم قائلاً.. أعتمد كثيراً على ذاكرتي لأنها كانت شاملة، فقد رأيت وعرفت السجناء وعائلاتهم، وسمعت صوتهم وهم في هذه الحالة. من ناحية أخرى تعرضت مصر كأغلب بلاد العالم الثالث لانقلاب عسكري في 1952، الذي تحول بالتدريج إلى ثورة وطنية لها أهداف اجتماعية وسياسية مهمة. عاصرت الانقلاب وسمعت بيان محمد نجيب في راديو المقهى أسفل البيت. الذي يهمني هو.. كيف تطور الأمر بالثورة التي كانت مجرد انقلاب عسكري ساذج ولديه طموحات أغلبها أمريكية الطبع، بسبب الوضع القائم وقتها، إلى حراك ثوري كان بتأثير شخصية عبد الناصر نفسه، ومنه إلى استشراف بُعد اجتماعي تمثل في الاشتراكية من وجهة نظره، وأخذ خطوات فعالة في تنفيذ ذلك.

ولكن.. عبد الناصر لم يكن وحده هو الذي يتكلم عن الاشتراكية، فقد كان هناك الحزب الشيوعي، الذي كان بعيداً عن السلطة، فلم يستطع تنفيذ أفكاره. في ذك الإطار كنا نتعامل مع (زعيم) نال حب وثقة شعبه والشعوب العربية وشعوب العالم الثالث. هذا الموقف خلق حالة من التناقض.. بين الزعيم المؤمن بمبدأ معين يريد تطبيقه والظروف المحلية والعالمية التي تعطله، تناقض بينه وبين الشيوعيين المصريين، أصحاب التاريخ الطويل، ربما من أيام سعد زغلول. هذا التناقض حلّه أصحاب السلطة بوضع الشيوعيين في السجون.

الواقع أسوأ من الخيال

وجاء السؤال إلى أنريكي شنايدر بشكل آخر.. ففي العام نفسه ـ 1970 ـ كان صغيراً لا يملك سوى ذاكرة المدينة والدولة، فوفق أي ذاكرة تمت كتابة الرواية؟
فأجاب قائلاً.. لا أكتب من ذاكرتي الشخصية، ولكن من ذاكرة الشعب والمدينة والأمة. 1970 كانت من أصعب السنوات في تاريخ البرازيل، وهي السنة نفسها التي فازت فيها البرازيل بكأس العالم. وتأتي الرواية ضمن ثلاثية، أولها عن التعذيب، وثانيها عن الديكتاتورية، وآخرها عن الاستبداد، فالعامل المشترك هو تلك الفترة، فالديكتاتورية لا تؤثر في السياسيين فقط، بل في الجميع. فأحداث الرواية ليست خيالية، فالواقع أسوأ بكثير من أي خيال. وللمفارقة فالأبطال في رواياتي من الناس العاديين، فالبطل هنا ليس شيوعياً على الإطلاق، بل هو موظف في بنك ويحب كرة القدم وحياته بسيطة، ولكنه تعرّض إلى التعذيب على يد الشرطة، ففي ظل الحكم الديكتاتوري لا تفرّق السلطة بين الناس وأفعالهم، فالجميع متساوون في العقاب، حتى إن لم يقترفوا أي ذنب.

ثقة عمياء

وبسؤال صنع الله إبراهيم عن سبب محاربة عبد الناصر للشيوعيين، وهل كانوا ضد أفكاره؟
قال.. هذا السؤال شغل الكثيرين، فهل المشكلة عقائدية؟ وهل توجه ناصر لا يتفق مع الشيوعيين؟ فهو موضوع معقد، ورغم ذلك يمكن البحث في شخصية عبد الناصر نفسه، فهو كان معجباً بذاته، وكل مَن يختلف معه في الرأي، يتحول الأمر به إلى خلاف شخصي. فتكوينه يرفض مَن يعارضه ويعتبره خائناً وينفي عنه وطنيته. فعندما حدثت المشكلة مع الشيوعيين كان الراديو يهاجمهم بشراسة، ويصورهم كعملاء للاتحاد السوفييتي، بل يطالب بدمائهم، لأنهم خارج خريطة القوى الوطنية. وجاءت هزيمة 67 لتوضح كم كان النظام خرباً من الداخل، ولكن رغم ذلك ووفق شخصية عبد الناصر، حيث لا توجد كلمة (ديمقرطية) في قاموسه، وبالتالي لن يستطيع قبول فكرة اختيار آخر ليحل محله، فقد كان يثق في نفسه ثقة عمياء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية