سياسة «بوليوود» الصهيونية التضليلية

حجم الخط
2

لا تأنف الحركة الصهيونية ووليدتها الإسرائيلية عن استعمال الأساليب كافة الداخلية والخارجية، عن طريق أصدقائها في العالم، للترويج لسياساتها، والتغطية على جرائمها، لمن تحتل أرضهم، منذ ما يزيد عن 72 عاماً.. إنها باختصار تقلب الحقّ إلى باطل، والأخير إلى حقٍّ مكتسب لها.
مؤخّراً نشر موقع «ميدل إيست آي» البريطاني تقريراً يكشف من خلاله، كيفية استخدام إسرائيل «شركة بوليوود السينمائية» في الهند لتبييض وجه الاحتلال القبيح للأرض الفلسطينية، وتشتيت الانتباه عن انتهاكها لحقوق أبناء شعبنا، وبعدها أطلق على هذه السياسة مصطلح «سياسة بوليوود».
يقول الموقع: «إن المهرجان الذي سيقام في تل أبيب خلال أسابيع قليلة، يسلط الضوء على هذا التشتيت، حيث سيتوجه ممثلون من بوليوود خلال بضعة أيام إلى تل أبيب، للمشاركة في معرض ثقافي (إندو فيست تي أل في) الذي يوصف بأنه أكبر حدث في تاريخ العلاقات الثقافية بين الهند وإسرائيل. وسيحضره الممثلان أنيل كابور وأميشا باتل، وما لا يقل عن ثمانية ممثلين آخرين من السينما الهندية – وهو الذي صُمم خصيصاً لتقريب العلاقات بين الهند وإسرائيل، وسيحضره ما لا يقل عن ثلاثين ألف هندي، وفقا للصحف الإسرائيلية ووسائل الإعلام الأخرى كضيوف بتسهيلات إسرائيلية كبيرة، لكن هذا الحدث يشهد حالة من الجدل والارتباك حتى قبل تنظيمه – مثلما يقول الموقع – فقد حثّ ناشطون في حملة «بي دي إس» وضغطوا بكل جهودهم على نجوم السينما الهندية للتخلي عن زيارة إسرائيل، وتبنّي مقاطعة ثقافية لها. فالممثلة صوفي شاودري مثلاُ أكّدت للموقع، بأن المهرجان سوف يلغى، لكن للأسف، مازالت التذاكر تباع في البلدين، والتحضيرات له تجري في كلّ منهما، ودعي إلى حضوره العديد من أصدقاء الكيان الصهيوني على المستوى الدولي. من جهتها قالت أبورفا بي جي (منسقة حملة «بي دي إس» لجنوب آسيا) للموقع: إن «تودد بوليوود لإسرائيل بلغ أوجه» مضيفة، أن هذا المسعى الإسرائيلي على وشك أن يصل إلى مستويات مرتفعة جداً.

إسرائيل تستخدم «شركة بوليوود السينمائية» لتبييض وجه الاحتلال القبيح، وتشتيت الانتباه عن انتهاكها لحقوق الشعب الفلسطيني

في الأول من نوفمبر المقبل، سيتم بث فيلم «درايف» أول فيلم في المهرجان على شبكة نتفليكس، وقد تم تصوير أجزاء منه في شوارع تل أبيب، ويُعدّ هذا الفيلم أول عائد استثماري من شأنه تعزيز القوة الناعمة لبوليوود من أجل التعاطي مع الصورة المتدهورة لإسرائيل في الغرب، كما يقول «ميدل إيست آي». وفي محاولة لدخول الأسواق الجديدة وجذب السياح، عرضت إسرائيل الاستثمار في الأفلام، بامتيازات ضريبة خاصة، وأبرز مثال على ذلك فيلم «درايف» الذي تم تمويله جزئيا من قبل وزارة السياحة الإسرائيلية، ومكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. أما روبيندرا ديب (عضو في مبادرة جنوب آسيا للتضامن مع الشعب الفلسطيني ومقرها نيويورك) فقد صرّحت، بأن العلاقات المتنامية بين إسرائيل وبوليوود «علامة مقلقة على تنامي العلاقات بين الهند وإسرائيل، ودعهما لاحتلال فلسطين» وأن المشروع الإسرائيلي البوليوودي المشترك، يجد طريقه في أوساط وسائل الإعلام الهندية والإسرائيلية الغارقة أصلا في «رهاب» الإسلام والروايات القومية التحريرية. ويضرب الموقع البريطاني مثالا على دور الإعلام الهندي، بالاستشهاد بما قاله برنامج تلفزيوني إن «علاقة إسرائيل بالسينما الهندية تعود إلى أوائل تسعينيات القرن الماضي» من خلال التركيز على التاريخ اليهودي في بوليوود، خلال حقبة السينما الصامتة، متجاهلا أن إسرائيل لم تكن موجودة قبل عام 1948 عندما كانت حقبة السينما الصامتة قد انتهت. ومن الأمثلة على اهتمام إسرائيل ببوليوود حرص رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على لقاء ممثلين ومخرجين خلال زيارته إلى الهند، العام الماضي، كما تقدم تل أبيب التسهيلات، لصناع الأفلام الهندية لتصوير أفلامهم في إسرائيل.
لقد عرفنا الهند في ستينيات القرن الزمني الماضي، من خلال علاقة رئيسها نهرو بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ودورهما معا مع رئيسة وزراء سريلانكا باندرانايكة والرئيس اليوغوسلافي تيتو آنذاك، في تشكيل كتلة دول عدم الانحياز عام 1955 في باندونغ، كمحاولة توازن في المواقف السياسية لدول الكتلة بين معسكري الحرب الباردة، الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية من جهة.. والمعسكر الغربي بزعامة الولايات المتحدة من جهة أخرى. وانعقد مؤتمر الحركة الأول في بلغراد عام 1961، ثم انطلقت الحركة لتعلن تأييدها الكبير لكل حركات التحرر الوطني في آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية ومن ضمنها حقوق شعبنا الفلسطيني. حينها رفضت الهند الاعتراف بإسرائيل، وظلت دولة مؤيدة لعموم القضايا الوطنية العربية، وقضايا التحرر الوطني في القارّات الثلاث، وضدّ ما سمّي آنذاك بـ»التهديدات الأمنية المشتركة التي تمثلها إسرائيل وحلفاؤها على البلدين». لقد كشف «معهد الدراسة متعددة الجنسيات» قبل أشهر، أن الهند هي أكثر البلدان مناصرة للكيان الصهيوني في الأمم المتحدة، وفي باقي المؤسسات والمحافل السياسية الدولية. للأسف جاء ذلك، بعد توقيع اتفاقيات ما يسمى
بـ»السلام» وتطبيع بعض الدول العربية معها وآخرها السودان، ووفقا لنتنياهو هناك خمس دول عربية مرشحة للتطبيع. وبذلك انتفت أهم الأسباب المانعة لتطوير العلاقات في مختلف المجالات، بما في ذلك الثقافية (ومن ضمنها شركة بوليوود) بين الهند ودولة الكيان الصهيوني.
أصبحت الهند من أكبر مشتري الأسلحة الإسرائيلية الصنع، وثاني أكبر شريك عسكري لها بعد روسيا. وفي 2009 تمّ عقد صفقات عسكرية بين البلدين بقيمة 9 مليارات دولار. والعلاقات العسكرية والاستراتيجية بين البلدين تمتد إلى التدريبات المشتركة وتكنولوجيا الفضاء. في 24 أكتوبر 2018، أعلنت شركة بهارات للإلكترونيات توقيعها عقدا مع شركة «إسرائيل للصناعات الجوية» عن شراء صواريخ أرض ـ جو بعيدة المدى بقيمة 777 مليون دولار. من حيث الميزان التجاري الإسرائيلي الهندي فهو في تصاعد مستمر. تصدر الهند لإسرائيل أساسا الماس والأحجار الكريمة (66%) والمنسوجات والمنتجات الجلدية (9%) والكيماويات (10%) البلاستيك والمطاط (5%). إن بناء العلاقة بين الهند وإسرائيل، يقوم أساسا على زواج بين الصهيونية المتطرفة والقومية الهندوسية المتطرفة. وقالت الباحثة الهندية المقيمة في بروكسل «شيري مالهورتا التي تنشر مقالاتها في «هآرتس» الإسرائيلية: إن في الهند يعيش أكبر تجمع للمسلمين بعد باكستان وإندونيسيا، فهم يعدون أكثر من 180 مليون نسمة، وأضافت أن العلاقة الهندية ـ الإسرائيلية تم تأطيرها بشكل عام بناء على تلاقي طبيعي بين حزب «بهارتيا جاناتا» ـ الحزب الحاكم ـ وحزب الليكود.
لهذا قامت القومية الهندوسية ببناء سردية تقوم على أن الهندوس كانوا ضحايا المسلمين، وهو خطاب جذاب للهندوس، الذين عاشوا التقسيم ويعيشون العلاقة المضطربة بين باكستان والهند. وترى مالهورتا أن علاقة الهند مع «إسرائيل» يجب أن تقوم على البراغماتية لا الأيديولوجيا، إلا أنه من الصعب رؤية هذا في وقت تقوم فيه المؤسسات الصهيونية بإعطاء دروس في الشوفينية الفاشية، للهندوسية من خلال صفقات السلاح للهند، التي استخدمت ضد الإسلاميين في باكستان. وترى الكاتبة ضرورة عدم السماح بتشابك موضوع فلسطين وكشمير معا، وترك 180 مليون مسلم وحدهم. جملة القول مؤسف هذا التنامي في العلاقات الهندية الإسرائيلية. ويقول موقع «ميدل إيست آي» إن ممثلي إسرائيل في الهند لم يفوتوا أي فرصة منذ ذلك الحين، لتأكيد متانة العلاقة بين البلدين، على كافة الأصعدة: التكنولوجية والأمنية، أو اجتذاب بوليوود إلى إسرائيل.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول قلم الرصاص:

    هند نهرو و حزب المؤتمر الوطني الهندي قد اقبرها الهندوس المتعصبون بقيادة

    العنصري مودي و حتى بوليوود قد فقدت بريقها منذ امد مع رحيل جيل ديليب كومار

    شامي كابور و راجيش كهانا

  2. يقول رجا فرنجية:

    ألشكر للدكتور فايز رشيد على مقاله لهذا أليوم ألذي جاء في بدايته: ” لا تأنف الحركة الصهيونية ووليدتها الإسرائيلية عن استعمال الأساليب كافة الداخلية والخارجية، عن طريق أصدقائها في العالم، للترويج لسياساتها، والتغطية على جرائمها، لمن تحتل أرضهم، منذ ما يزيد عن 72 عاماً.. إنها باختصار تقلب الحقّ إلى باطل”. أن كلمة “ألحق” هذه تذكرني بقول ألوالد (رحمه ألله) بأن هذه ألكلمة لا توجد في ألواقع سوى بألقواميس. ووفقاً لهذه ألحقيقة أنني على يقين بأن هذه ألعلاقة ألناشئة بين ألهند وألصهاينة لن تستمر طويلاً وستنتهي عندما يدرك ألهنود حقيقة ألصهاينة. وفعلاً صح ألقول بأن كل أنسان لا يتعلم سوى على حسابه.

إشترك في قائمتنا البريدية