سوسن شوربا: «مورفين» نقطة تحول في حياتي والإنجاز الأول تخفيف جرعات المسكن ومواعيد العروض المقبلة

زهرة مرعي
حجم الخط
0

مثلت حكايتها مع السرطان وشدت المتفرجين لساعة ونصف بوتيرة متصاعدة

بيروت ـ «القدس العربي»: سوسن شوربا ليست ممثلة وحسب، بل مثال في مقاومتها لمرض السرطان. مرض حملته إلى المسرح، وعرضها «مورفين» يلقى الإعجاب والاحترام على محاور عدّة، ومن بينها المنازلة القائمة بينها وبين السرطان، وحضورها المسرحي المتقن، وقدرتها في تخفيف جرعات المورفين، لتتمكن من الحفظ.

لقاءات سوسن شوربا مع يحيى جابر المخرج والكاتب المتميز أثمرت صياغة نص يجمع بين السيرة الذاتية، والقضية الفلسطينية التي يتناولها مباشرة أو ترميزاً. على مدى ساعة ونصف وقفت سوسن على المسرح متنقلة بين ذاتها، وبين خالتها سهير الناطقة باللهجة الفلسطينية. سهير التي تلتقي برجال يبتزونها تشبه فلسطين المحتلّة من قبل المستوطنين الصهاينة.
سوسن شوربا شغوفة بالمسرح، تقاوم مرضها من خلاله. لها مواعيد عروض مقبلة، ومواعيد مع الأمل الذي لا يفارقها.
معها هذا الحوار:
○ بعد تحية الجمهور الحارة سوسن شوربا سيرة على لسان روّاد المسرح إثر «مورفين». هل ستتحول قوتك لعدوى برأيك؟
• أتمنى لو يكون حضوري في «مورفين» حافزاً لمن يعنيهم الأمر فيحذون حذوي. وأتمنى أن يستمدوا القوة من كل ما أقوم به، سواء في كتاباتي أو حضوري على المسرح. أرغب بدعم كل من يحتاج الدعم، خاصة وأني في «مورفين» قدّمت عملاً مسرحياً مستنداً إلى قصة حقيقية هي قصتي مع السرطان. صدّقني الناس كممثلة انطلاقاً من قصتي، أكثر من كوني ألعب دوراً. مهما كانت قوة النص، فالحقيقة أقوى. عندما نشاهد فيلماً منطلقاً من قصة حقيقية، فتأثرنا يكون أكبر لأننا ندرك أننا بمواجهة الواقع.
○ تحية الجمهور كانت عاصفة فماذا عن تعليق طبيبك؟
• قبل الجمهور طبيبي يعبّر عن إعجابه بمواجهتي مع المرض ويصفني بالمعجزة. عندما أزوره برفقة نتائج التحاليل يتفاجئ ويقول «أنها ليست نتائج لشخص قادر على مغادرة سريره وزيارة العيادة». ويصفني بالقول «أنت حالة نادرة، تغلبت على العلم وحيرتني. استمرّي». ويُعرف أن الأطباء حيال مرض السرطان يؤمنون «بالكيماوي». وعندما تواجههن حالة مرضية تُعاكس نظرياتهم يسلمون بالأمر ويحترمون.
○ هل شاهد طبيبك مسرحية مورفين؟
• لم يسمح له السفر بحضورها. العروض مستمرة وتُحدد من قبل المخرج. طبيبي يتابع ما أقوم به، وقرأ كتابي عن تجربتي الأولى مع السرطان. الدكتور فرانسوا قمر داعم لي على الصعيد الشخصي قبل أن يكون طبيباً، وهو من الأشخاص الذين يمنحوني القوة في الحياة لأنه يرافقني منذ 13 عاماً مع السرطان.
○ قبل أن نتعرّف إليك على المسرح هل كانت لديك مهنة في الحياة؟
• أنا في الأساس كاتبة، وكل عمل أقوم به منبعه الشغف. المسرح شغفي الدائم في الحياة، والشغف الموازي جمع القطع القديمة، وامتلكت وكالة «ويدجوود» لقطع البورسلان التي يعود عمرها لـ300 سنة. بين شغف التجميع ومهمة البيع اختلطت الأمور عندي، وجدت صعوبة في تقبل فكرة التخلي عن قطعة لبيعها، ولاحقاً وجدت الحل بطلب قطعة لي وأخرى للمحل. واكتشفت أني لست ماهرة في إدارة محل أو التجارة، وقد أصلح أكثر لو امتلكت متحفاً، وما زلت أجمع القطع القديمة حتى أصبح بيتي متحفاً.
○ المسرح شكّل علاجاً وخفف من جرعات المورفين. هل سعيت إلى المسرح وأنت تعرفينه علاجاً؟
• بالطبع. المسرح ليس بعيداً عن حياتي. «مورفين» ليست أول مسرحية احترافية لي، وسبقتها خمس مسرحيات. سبق وباشرت دراسة المسرح في الجامعة اللبنانية، ولم أتابع بسبب الحمل والولادة، وأخذتي الحياة إلى مكان آخر. نعم أدرك أهمية المسرح في حياتي. إن كنت تعبة وشاهدت عرضاً مسرحياً أشعر بالراحة، مهما كان حالي الصحي أسارع لتلبية دعوات المسرح وحضور كافة العروض في مسارح بيروت، فأنا أعشق المسرح ورائحة رطوبته. خلال التحضير لمسرحية مورفين كنت أدرك أنها ستشكّل نقطة تحول كبيرة في حياتي، كيف؟ هذا ما لم أكن أعرفه تماماً. إنما خلال التمارين اكتشفت ضرورة تخفيف جرعات المورفين لأتمكن من الحفظ. إنه الإنجاز الأول للمسرحية في مساري، رغم امتدادها لساعة ونصف، ونصها المونودرامي، حفظتها، ولا أظن أحدهم قد خفف جرعات دواء يساعده على تحمل الألم لهذا السبب.
○ بعد مسرح شغل بيت والمخرج شادي الهبر كيف كان اللقاء مع يحيى جابر؟
• التقيته خلال حضوري لمسرحية «مجدرة حمرا» ربما للمرة العاشرة. سألني لماذا أواظب على حضورها؟ فعبّرت عن رغبتي بمشاهدتها على مسرح مونو. وفي كل مشاهدة اختار المقعد في جهة مختلفة من المسرح. استغرب يحيى جابر ما قلته وطلب رقم هاتفي. وبات بيننا حديث هاتفي، وبعدها شاهدني في مسرحية «ريحة العنبر» للمخرج عصام بوخالد الذي أعتبره مبدعا وعبقريا. هو صديق مقرب كتب مسرحية «ريحة العنبر» خصيصاً ليروي ماذا حصل معي ومع زوجي ومع أشخاص آخرين في انفجار 4 آب. وكنت في دور يتضمن الكثير من التهكم والسخرية اللاذعة. أسخر من كل شيء حتى من نفسي. قرأ يحيى جابر في حضوري المسرحي امكانية تقديم عمل كوميدي، ولم يقطع وعداً، إلاّ بعد امتداد جلساتنا لأكثر من شهرين. وبعدها بقيت لحوالي ثمانية أشهر منعزلة عن العالم، فقط ألتقي يحيى جابر بحدود ثلاث أو أربع ساعات يومياً. برفقة يحيى خضت رحلة علاج وبوح ودموع وضحكات وسيرة ذاتية، خلُصت إلى ولادة «مورفين». اجتهد يحيى جابر كثيراً في إعدادي كممثلة وتحويل ما كنا نتحدث به إلى نص مسرحي رائع.
○ وكيف صيغت خطوط المسرحية بينكما؟
• أسلوب يحيى جابر في إعداد النص قد يكون غريباً. يطرح الكثير من الأسئلة عن حياة الإنسان بدءاً من الطفولة، يسجل القليل، ويطلب منى كتابة بعض ما ورد في الحوار، ومن ثمّ يزودني بوظيفة منزلية بالإجابة على بعض الأسئلة خطياً. من أسئلته اسم العطر المفضل؟ بماذا يذكرك الثلج؟ وبماذا تذكرك النار؟ وبدوري أكتب الإجابات بكل صدق وشفافية. وفي لقاء اليوم التالي يجد من بين الصفحات التي كتبها أسطراً صالحة للمسرحة، يختار جملاً لا يخطر ببالي مطلقاً أنها ستلفته. لهذا كنت أكتب كل ما يخطر ببالي بصدق.
○ وخالتك سهير حقيقة أم خيال؟
• سهير شخصية موجودة. أخبرت يحيى عن العديد من الشخصيات في عائلة والدتي وإحداهنّ سهير، وصفتها كيف تتحدث اللهجة الفلسطينية تأثراً بهوية زوجها. اختارها لأنها غنية كمادة للمسرح. من المؤكد أخاط لها قصصاً لأنه رغب بطرح مسألة الرجل الذي يبيع نفسه، والذي اُغرمت به سهير وتمّ تشبيهه بالسرطان في المسرحية. اُلبست سهير قصصاً غير حقيقية، وهي في الحقيقة واحدة من الشخصيات التي كانت تزورنا على الغذاء أيام الآحاد. كان تكريماً لإمرأة راحلة تعني لي الكثير. من حضر العرض من الأقرباء والمعارف تفاعلوا معها كثيراً.
○ كيف أتقنت اللهجة الفلسطينية؟ وكيف وجدت وصل الكاتب والمخرج يحيى جابر لسهير بقضية فلسطين؟
• باتت سهير تُجسّد فلسطين. سهير التي سُرقت ونُهت واانتهكت من قبل الرجل الذي أحبته، تشبه فلسطين بالتمام. بالنسبة للهجة فقد اتكلت على ذاكرتي، وصحح يحيى بعضاً من أخطائي، وتذكرت كثيراً لهجة الممثلة والكاتبة الفلسطينية رائدة طه، وأنا شديدة الإعجاب بها، وهي تحكي فقط عن قضايا وطنها. شعرت في نطقي للهجة الفلسطينية أني أرفع صوت نساء فلسطين، وأتقنت دوري هذا من كل قلبي. نجحت لدرجة اعتقاد بعضهم أن لي جذوراً فلسطينية.
○ هل تدّخلت في كتابة النص؟
• كتبنا النص معاً. بعضه من كتابتي وحوّله يحيى لمادة مسرحية. أخبرته قصتي مع السرطان، وضبط كمخرج كافة المفاصل، والإيقاعات، من طول الجملة وما شابه، من الوجع إلى الانتشار، إلى خوفي من معرفة أولادي بالأمر، وهذا هو المهم. جميعنا لديه قصص إنما وضعها على المسرح هي حرفة الكاتب والمخرج. يقترب المسرح من الشعر، ويحيى جابر شاعر، فيما أذهب شخصياً إلى السرد كوني أكتب الرواية. المسرح يطلب الإيجاز وهذا ما تعلمته من يحيى عندما كان يشطب جملي الطويلة ويختصر.
○ ما هي رواياتك؟
• كتاباتي كثيرة، لكني نشرت ثلاثة كتب هي «نبضات الفكر» باللغة العربية وبالإنكليزية heartbeats of the mind وهو سيرة ذاتية عن تجربتي مع سرطان الثدي. كنت في حالة شفاء، وبعد نشر الكتاب بعدّة أشهر عاد المرض لأماكن أخرى، لهذا أشعر أن من تابعني في الكتاب الأول مدين لي بجزء ثانٍ أشعره سيكون أكثر قوة. أعمل على الكتاب باجتهاد. بينما «الحب لحظات» رواية من محض الخيال.
○ الثدي جزء انثوي حميم في جسد المرأة. هل لإصابته بالسرطان وقع خاص على نفسها؟
• عند تشخيص سرطان الثدي لدى المرأة، فهي تتألم لأنها ستخسره، ومعه سيتساقط شعرها من العلاج أكثر من خوفها من الموت. هاجس أنوثتها يتغلّب على هاجس الموت. في مشهد من «مورفين» أضع يديَ على ثديي، أخلعهما وألعب بهما كأنهما طابتين وأقول: باي. مشهد محسوب ليحيى جابر استوحاه من شدة ملاحظته لتصالحي مع مرضي، ومن جهتي كنت مستعدّة للذهاب إلى أبعد ما يكون.
○ بين مسرحية «فولار» ومسرحية «مورفين» ما الفرق بالنسبة لك؟
• «فولار» كتبها ديمتري ملكي وأخرجها شادي الهبر، وفيها تكون نورا امرأة قوية تقتل السرطان بالمسدس على المسرح، وتصفه بالسخيف، وتقول «لن أسمح لك بالدخول إلى حياتي». تميزت المسرحية بالجدية المطلقة والدراما، وتركت الجمهور متأثراً ومستعداً للبكاء، في حين دخلت مسرحية «مورفين» إلى حقيقة سوسن. بالنسبة لي لم يكن السرطان مصيبة أبداً. أشكر هذا المرض دائماً لأنه غيّر حياتي إلى الأفضل، لا أتمناه لأي مخلوق، لكني شخصياً جعلت منه طاقة إيجابية. استغليت وجوده في جسدي للقيام بالعديد من الأمور، وكما رددت في المسرحية: أنا معي سرطان…أنا معي الجوكر». توضيحاً على سبيل المثال إن لم أشارك في بعض الواجبات الاجتماعية فلا أحد يعتب، ويجدون لي المبرر المرتبط بالمرض. من هم حولي يحيطونني بالأعذار وقد لا أكون أحتاجها أحياناً. خلق لي السرطان حالة إحاطة ودعم، أعتبر نفسي محظوظة بها، وشجعني للعودة إلى أشياء كنت أحبها من زمن بعيد، فالتمثيل شغف عتيق، والسرطان حرر شغفي من كبته، وبت أعتبر التمثيل مهنتي وأتلقى عروضاً، وأدرسها.
○ ماذا عن رأي المخرج شادي الهبر؟
• شادي صديق عزيز ومن الداعمين والمشجعين. أحب «مورفين» التي تناولت المرض بعين مختلفة عن «فولار». وما من مجال للمقارنة، والعملان مبنيان على قصة حقيقية.
○ شارل ازنافور دعمك للشفاء من السرطان الأول كما تقولين. من هو شفيعك بالمعركة الثانية؟
• في حربي مع السرطان ترافقني موسيقى شارل ازنافور. شفيعي في المعركة الثانية المسرح الذي تركني أقف على قدمي، وفي كل عرض يُعلن عنه أكون في تحدٍ مع القدر. أخبرني يحيى جابر بحجز المسرح لشباط/فبراير سنة 2025 وقال بأننا قد نكون مع عمل جديد، أو نستمر في «مورفين» إن كانت تحتمل مزيداً من العروض. مع هذا الموعد وكأني أقول للحياة أنني مستمرة، ولدي عروض. المواعيد البعيدة هي موعد مع الحياة والأمل.
○ وماذا قال لك النقد الذي كتب عن «مورفين»؟
• كان إيجابياً جداً، وكنت أفضّل رغم امتلاكي للجوكر أن أقرأ ملاحظات. وهذا ما أتمناه من الصحافيين، ربما لأني مريضة، وربما لأني دبلوماسية وقريبة من الناس لا يوجهون النقد لي. أطلب نقداً يعلّمني درساً جديداً في المهنة ويجعلني أعمل على نفسي دائماً لتقديم الأفضل.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية