سلامة الغويل وزير الدولة الليبية للشؤون الاقتصادية: معظم المؤسسات الاقتصادية والمالية تحتاج إلى إعادة تنظيم

حاورته: نسرين سليمان
حجم الخط
1

في إطار المداولات المتكررة عن مشروع الميزانية العامة للدولة وربطها بسعر الصرف وبالوضع الحالي للاقتصاد الليبي الريعي الهش، تصدر الاقتصاد قائمة الاهتمام في الأوساط الإعلامية المحلية والدولية، وتوالت التساؤلات حول جموده وامكانية القيام بحركة إصلاحية تلغي هذا الجمود.
فمنذ عام 2017 لم توضع أي إجراءات إصلاحية على الصعيد الاقتصادي، عقب خطة الإصلاح الاقتصادي التي قادتها حكومة الوفاق الوطني السابقة، ولم تتخد أي إجراءات فعلية في ما عدا تعديل سعر الصرف الذي جمع المركزين على طاولة واحدة، ثم افترقا من دون إجراءات للتوحيد، وبدون خطط تكميلية لهذا الإجراء الذي من المفترض أن تصحبه حزمة من القرارات الداعمة والمصلحة.
صحيفة «القدس العربي» كان لها ذات التساؤلات حول الوضع الاقتصادي الليبي والخطط المستقبلية، فاختارت لقاء شخصية على رأس الهرم في حكومة الدبيبة والمختصة بإدارة الشؤون الاقتصادية للدولة، وهو سلامة الغويل وزير الدولة للشؤون الاقتصادية بحكومة الوحدة الوطنية الليبية.
سلامة الغويل المتحصل على الإجازة العليا، الماجستير في العلوم الاقتصادية، تقلد مناصب عدة من بينها كونه مراقبا ماليا بالسفارة الليبية في الأردن وسفارات كل من سلوفاكيا وتشيكيا وبلولندا، فضلا عن عمله في إدارة الميزانية بوزارة المالية، وخبرته في صندوق الضمان الاجتماعي كمراقب مالي ورئيس للجان فنية، فضلا عن خبرته الأكاديمية وتجربته العلمية، وفي ما يأتي نص الحوار.
○ بداية وقبل الخوض في أي تفاصيل على ماذا ترتكز مهامك حاليا؟
• حددت مهام وزير الدولة وفقا لقرارات رئيس الوزراء ومن أهمها قرار فريق العمل الاقتصادي الذي يترأسه وزير الدولة للشؤون الاقتصادية.
حيث نركز في المرحلة الراهنة على متابعة ورصد قرارات الحكومة الاقتصادية وخلق مناخ يساعد على الاستقرار الاقتصادي، فضلا عن المساهمة فى تجهيز وتطوير خطط التنمية المستدامة ومتابعة كل ما يتعلق بالشأن الاقتصادي الوطني من مختلف الوزارات والهيئات والمؤسسات التابعة للدولة الليبية.
○ الصفة الوزارية لوزير الدولة للشؤون الاقتصادية تعتبر حديثة المنشأ هل شكل ذلك صعوبة وتحديا لكم في إنجاز عملكم أو تخصيصه في إطار معين؟
• بالطبع وزير الدولة للشؤون الاقتصادية صفة حديثة النشأة على الدولة الليبية ولكنها موجودة في العديد من الدول على مستوى العالم سواء أكانت في الدول العربية أو حتى الأوروبية، ولذلك تتمثل الصعوبة في خلق التواصل بين الوزراء المعنيين بالشأن الاقتصادي ووزير الدولة للشؤون الاقتصادية.
بمعنى آخر فوزير الدولة للشؤون الاقتصادية يعتبر الوزير المتفرغ لغرض متابعة ومراقبة تنفيذ قرارات الوزارات المعنية وتقديم الدعم والمشورة لهم.
○ دعنا نخوض في تفاصيل الملفات الاقتصادية للدولة. تأخر اعتماد الميزانية لأكثر من ثلاثة أشهر وكنت قد تحدثت عن حلول بديلة فهل من الممكن أن تقدم لنا شرحا عنها؟
• الميزانية العامة هي الخطة التنفيذية للدولة وعادة ما يكون للميزانية أهداف اقتصادية واجتماعية وغيرها.
فالتأخر في الاعتماد سوف يؤثر بشكل واضح على تحقيق أهداف حكومة الوحدة الوطنية، وبالتالي فإن إيجاد وخلق الحلول الممكنة أفضل من انتظار التأخير في تحقيق أهداف اقتصادية إيجابية.
والبديل المطروح هو بديل قانوني. فالحكومة تصرف مخصصات من اعتمادات شهرية 1/12 من وزارة المالية.
○ لو تعمقنا في الميزانية وتقديراتها، ألا يعتبر الرقم المطروح ضخما نسبيا خاصة عقب تعديل سعر الصرف وانتظار المواطنين لنتائج ملموسة من هذا التعديل؟
• مشروع الميزانية هو مشروع الحكومة بغرض إعادة الاستقرار على اعتبارها حكومة وحدة وطنية جاءت عقب خلافات ونزاعات، والرقم قد يكون محل جدل ولكن لا يصبح محل خلاف وإيقافا لمسيرة الحكومة.
كل شيء يمكن ان يعدل بشرط التنسيق بين السياسات النقدية والمالية والتجارية، أما عن النتائج الملموسة فتأتي في إطار التعاون والتنسيق.
○ مجموعة العمل الاقتصادية كيف ستساهم في تسهيل تسييل الميزانية وعلى ماذا تركزت أعمالها الأخرى؟
• عملت مجموعة العمل الاقتصادي منذ البداية على إيجاد حلول متكاملة لكل أزمة. وبالتأكيد ان فهم لجنة البرلمان المالية لواقع الظروف الحالية يكفي ان يجعل هناك اتفاقا على ضرورة التسييل والبدء في تنفيذ أعمالها.
○ حذرت في حديث سابق من أزمة اقتصادية ستمس البلد في حال لم تعتمد الميزانية، فهل بالامكان أن تقدم لنا شرحا عن أبعاد هذه الأزمة؟
• الأزمات التي تواجه البلاد هي أزمة معالجة الاقتصاد الوطني وتنفيذ السياسات الاقتصادية التي من شأنها تعزيز الاستقرار الاقتصادي مثل معالجة التضخم والبطالة وتحقيق الأمن الغذائي، وهذا جميعه سيتعطل مع تعطيل الميزانية.
○ إلى أين توصلت اللجنة الوزارية في النقاشات الخاصة ببند الميزانية؟
• اللجنة الوزارية نقاشت بنود الميزانية العامة بشكل عام وكافة ما جاء في هذه البنود وما خصص لكافة الجهات بشكل تفصيلي ومطول، وناقشت المشاكل والمعوقات التي تحول دون اعتماد الميزانية حتى هذه اللحظة.
أما عن التوافقات فتخفيض الميزانية أمر مطروح للوصول إلى الاعتماد بعون الله.
○ بالرجوع إلى مسألة تعديل سعر الصرف هل قدمتم أي مقترح لتخفيضه، وهل كان لكم تواصل مع مصرف ليبيا المركزي لدراسة النتائج السلبية والإيجابية منه؟
• تعديل سعر الصرف أمر ضروري جدا. وهذا الأمر من اختصاص مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي. وقد قدمنا العديد من التوصيات المتعلقة بتعديل سعر الصرف وننتظر التنسيق والتواصل مع السياسات النقدية.
○ ما موقفك كوزير للشؤون الاقتصادية من تضاعف حجم الدين العام للدولة، ألا يجب أن تقدم الحكومة آلية واضحة للبدء في تسديده؟
• الدين العام هو تراكم للسياسات سابقة ويحتاج إلى إدارة كاملة تهتم بمراجعة الديون ومعالجتها.
○ وعدت سابقا بقرب حل مشكلة السيولة. ما أبعاد هذه المشكلة وأسباب استمرارها حتى الآن وما السبل والمقترحات الموضوعة لحلها؟
• مشكلة السيولة النقدية سببت أزمة في المجتمع وحلها يتوقف على المراجعة الدولية للبدء بتنفيذ الإصلاحات من أهمها فتح المقاصة وتعديل سعر الصرف. والبدء في مشاريع استثمارية تعزز من الاستقرار الاقتصادي والتنمية المستدامة وليبيا تحتاج إلى استثمار أكثر حتى نعالج الركود الاقتصادي.
○ رأينا تصريحات من مختلف الدول في رغبتها في المساهمة في إعادة إعمار ليبيا. هل هناك خطط تنظيمية يجب أن توضع لاختيار المستثمرين والراغبين في تنفيذ مشاريع في ليبيا، وهل ترى ان الوضع الحالي سيساعد على جذب الشركات والمستثمرين؟
• الوضع في ليبيا بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية أصبح أفضل سواء سياسيا أو اقتصاديا وها نحن اليوم نشهد فتح الطريق بشكل رسمي الرابط بين الشرق والغرب وهذا من ضمن المؤشرات الإيجابية التي تساعد الحكومة على اتخاذ قرارات استراتيجية كإعادة الإعمار وجذب الاستثمارات الأجنبية.
○ من وجهة نظرك ما أهم وأصعب المشاكل الاقتصادية التي تواجه ليبيا؟
• هناك العديد من التحديات والعقبات التي تلف مصير اقتصاد ليبيا، سواء تلك المرتبطة أساساً بتداعيات الصراع وانعكاساته السلبية على جميع القطاعات وخاصة الاقتصادية، أو تلك المرتبطة بنموذج الاقتصاد الليبي القائم على العائدات النفطية.
كما أن من أبرز المشاكل التي تواجه الاقتصاد الليبي حاليا الارتفاع العام في معدلات البطالة فضلا عن الارتفاع العام في أسعار معظم السلع الأساسية والثانوية، وأيضا توحيد المؤسسات السيادية والانقسام المؤسسي الحاصل بين السياستين المالية والنقدية، فضلا عن المشاكل المتعلقة بالسيولة النقدية ومشاكل أخرى لن يتم حلها إلا بعد توحيد السياسات النقدية والمالية للاقتصاد الليبي.
○ هل وضعتم خططا للإصلاح الاقتصادي أو على الأقل لتكملة مسيرة حزمة الإصلاحات الاقتصادية السابقة؟
• هناك حزمة إصلاحات اقتصادية لدى الحكومة السابقة وقد أقر جزء بسيط منها وكان من المفترض أن تكون في سلة واحدة. ونحن من خلال فريق العمل الاقتصادي نقوم برصد أثر القرارات الصادرة عن الحكومة والمتعلقة بالشأن الاقتصادي وتقديم المقترحات المتعلقة بمعالجة الأزمات الاقتصادية التي تجابه المرحلة.
كما أن حزمة الاقتصاد الوطني الخاصة بحكومة الوحدة الوطنية بدأت بالفعل منذ ظهور حكومة واحدة على الساحة وذلك بتوحيد المؤسسات المالية والاقتصادية بشكل عام وشامل في كافة ربوع الوطن، وهناك مشاريع إصلاحية من الحكومة، وهي عبارة عن خطط اقتصادية تستهدف معالجة المشاكل المتعلقة بالتنمية المكانية كتوفير الكهرباء والماء والمعيشة الكريمة للمواطن، وكل هذه الإصلاحات الاقتصادية لا تنفصل عن الإصلاحات المالية التي سوف تكون عندما يبدأ مصرف ليبيا المركزي في تنفيذ مشاريع اقتصادية تخص السياسة النقدية بالتنسيق مع السياسة المالية والاقتصادية.
○ في وقت سابق أثار تشكيل لجنة لدراسة رفع الدعم على الوقود جدلا واسعا، هل تؤيد الدولة هذا الإجراء، وهل لها القدرة على توفير حلول بديلة لأصحاب الدخل المحدود، وما الضمانات للمواطن؟
• بخصوص رفع الدعم لا تزال اللجان تعمل لوضع ضوابط وقوانين تحمي المواطن الليبي، وتساعده على التكيف مع رفع الدعم في حالة تم اتخاذ قرار من الحكومة بهذا الخصوص.
ويعتبر ملف استبدال الدعم وليس رفعه من أهم الملفات في ليبيا، فليبيا محتاجة إلى حوالي 70 في المئة من الإنتاج المحلي من الوقود والمحروقات. ونحن نستهدف إنشاء خمس مصافي في ليبيا، فضلا عن إتمام بعض المشاريع الخاصة بالمصافي حاليا وزيادة الطاقة الإنتاجية لها.
الجانب الآخر وفي ما يتعلق برفع أو استبدال الدعم بالقيمة التوازنية للاقتصاد بحيث يكون أثرها ضعيفا على مستويات الأسعار في الاقتصاد، وسوف يكون هناك مقترح شامل وهو الآن موجود فعلا وقيد التنفيذ والإجراء، ولكن ننتظر بدء مصرف ليبيا المركزي في تحديد سعر الصرف المستهدف حتى يتحدد سعر البنزين في الاقتصاد الليبي، كما أن سعر الصرف سيخفض بنسبة 35 في المئة وفقا للمقترح المقدم، ومن ضمن المعالجات أيضا زيادة النفقات الاجتماعية للمواطن والاستمرار في صرف علاوات الأسرة والأبناء، وبذلك لن تكون هناك صدمة لها آثار على الأسعار إلا من خلال السياسة المتبعة، من خلال تخفيض سعر الصرف والتحكم في أسعار السوق.
○ توحيد السياسة النقدية والمالية للدولة الليبية يأتي على رأس قائمة الأولويات ما مدى استعدادكم وسيركم في هذا الاتجاه؟
• مشروع توحيد السياسة المالية والنقدية للدولة موجود بالفعل، فنحن الآن نتحدث عن سياسة مالية واحدة متمثلة في وزارة المالية، وسياسة تجارية واحدة متمثلة في وزارة الاقتصاد والصناعة، وأيضا سياسة نقدية واحدة تتمثل في توحيد مصرف ليبيا المركزي، ولكن القائمة الخاصة بالأولويات تتجه نحو توحيد هذه السياسات والبدء في الإجراءات المعتادة والتي تجعل السياسات ومن خلال أدواتها تفرض وضع توازن جديد في الاقتصاد الليبي.
○ رغم توحيد معظم مؤسسات الدولة ظلت المؤسسات الاقتصادية والمالية في منأى عن هذا التوحيد كمصرف ليبيا المركزي، ما خطورة ذلك والحلول المطروحة؟
• معظم المؤسسات الاقتصادية والمالية تحتاج إلى إعادة تنظيم، نحن نحتاج إلى توحيد السلطة النقدية في إطار الرقمنة الجديدة حتى يختفي الفساد المالي والإداري ويضعف جسم الفساد في الاقتصاد الليبي بسبب عدم المتابعة والمراقبة.
إذا فخطورة الموقف متمثلة في مدى استعداد هذه الأجسام الموجودة حاليا على تنفيذ الخطط الاقتصادية للدولة والتي تستهدف الاستقرار العام للأسعار وتستهدف أيضا تخفيض البطالة.
وتوحيد المؤسسات في ليبيا بشكل عام يرتبط أيضا بالجهود المبذولة لدى مختلف الأطراف الدولية والمحلية أو التنفيذية الموجودة على الأرض بالعمل بكفاءة وفعالية في إطار الرقمنة المالية وعدم التوقف عن العمل حتى نصل إلى هدف الاقتصاد الليبي وهدف السياسات الليبية بشكل عام والمتمثلة في السياسة العامة للدولة.
○ هل اطلعت على تقرير المراجعة الدولية لحسابات المصرفين المتوازيين وان كانت الإجابة بنعم، فما تقييمك لنتائجه؟
• إن النتيجة الرئيسية للتقرير هي أن توحيد المصرف لم يعد أمراً موصى به فحسب، بل بات مطلوباً، حيث تسبب الانقسام في تعقيد إمكانية الحصول على النقد الأجنبي، وعرقلة الإصلاح النقدي.
○ في ليبيا هناك تغول كبير للسوق السوداء وسيطرة على أسعار الصرف، ما سبب ذلك وأين يكمن الحل؟
• السوق السوداء أو السوق الموازي في ليبيا لم ينتج إلا عن اختلاف الأسعار. ان أي اختلاف في سعر الدولة وسعر السوق الرسمي سيؤدي إلى وجود سوق سوداء وسيؤدي إلى حدوث مضاربات. وذلك لأن الطلب على النقود لغرض المضاربة موجود في كل أنحاء العالم وموجود في جميع الدول ولكن هناك سعرا مناسبا وأمثل ينتج عن القنوات الرسمية فقط.
ولذا فإن الحلول المثلى لهذه المشكلة تتمثل في فتح ورفع جميع القيود على المصارف والنقد الأجنبي بحيث تكون كافة المعاملات مصرفية وتنظيم السوق السوداء هي مهمة من مهام مصرف ليبيا المركزي، وبالتالي ينطلق الحل من إيجاد سعر صرف توازني.
○ ما الخطط المستقبلية قريبة المدى لعمل الوزارة؟
• ضمن خطط الوزارة دعم آليات تحويل النفقات العامة إلى مشاريع تنموية، والعمل على دعم المشاريع التنموية الصغيرة والمتوسطة. وقرار لإيجاد بدائل عن النفط لدعم الاقتصاد الوطني من خلال تنويع مصادر الدخل كدعم قطاع الصناعة والقطاع السياحي.
كما تتمثل الخطط المستقبلية في إصلاح وتطوير الاقتصاد من خلال مجموعة العمل الاقتصادي، وذلك بتنفيذ مشاريع تتعلق بالمسار الاقتصادي، بداية من الإصلاحات المالية ودعم المحروقات وانتهاء بالإصلاح الهيكلي.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول د. محمود المحجوب:

    الوزير سلامة الغويل قيمة وقامة نفتخر بها ومثالا للجد والمثابرة لتحقيق كل ما يطمئن المواطن من خلال العيش بكرامة ورفاهية ..

إشترك في قائمتنا البريدية