رواية زيتونة… غياب الوسطية في عالم متوتر

حجم الخط
0

اسطنبول ـ «القدس العربي»: ستمد رواية «زيتونة» اسمها من آية قرآنية وردتْ في «سورة النور» يقرب فيها الله تعالى نوره للأفهام ويضرب الأمثال بتشبيهات متسلسلة وصولا لشجرة متوسطة «زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ» (الآية 35) ومن بعض معاني التوسط هذا انبثقت الرواية باحثة عن مساحة دفء، متعمدة الوسطية في عالم يراه الروائي يميل بصورة عامة إلى العصف بكل ما هو متعقل، ولو كان من أجل سلامه واستمراره بأمان.
صدرت الرواية في سبتمبر/أيلول من العام الحالي عن سلسلة «إبداعات قصصية» الصادرة عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب» في 6 فصول و138 صفحة من القطع المتوسط، يحمل كل فصل فيها اسما بارزا لشخصيات الرواية، بالإضافة إلى تمهيد باسم بطلها المركزي «ائتلاف محمود الفهد» الذي سماه أبوه الإقطاعي «أبو اليزيد» تيمنا بأحد مشايخ الطرق الصوفية، راوغ الابن لما عرف معاني كلمات «الكفاح، النضال، الثورة» ولإنه كان مثل عود شجرة غض متفتح العمر، فقد صدق أن في إمكانه جمع الأطياف المجتمعية المختلفة على كلمة سواء، وقيادتها للثورة على الملك الراحل فاروق ونظامه خاصة «القلم السياسي» المطور عن «المباحث العامة» والقامع للمعارضة.

لما أبدع الروائي المصري الراحل نجيب الكيلاني «ليل وقضبان» في ستينيات القرن الماضي كتب أحداثا، لا يشك قارئ للرواية أنه عايشها، خاصة بعدما تحولت لفيلم من إخراج الراحل أشرف فهمي عام 1973، لم يشك قارئ للرواية أو مشاهد للفيلم، في أن الأحداث تخص ما شهدته مصر في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، مما آلم الكيلاني نفسه، إذ تم القبض عليه مرتين إحداهما وهو طالب عمره 24 عاما في بدايات دراسته للطب عام 1955، والثانية إثر عمله طبيبا في مدينة أبي زعبل في القاهرة عام 1966، ورغم ترحيب نظام الرئيس الراحل أنور السادات بانتقاد عصر عبد الناصر ـ وقت إنتاج الفيلم في المؤسسة الحكومية العامة للسينما، كدأب كل نظام يحل مكان آخر خاصة في بدايته، رغم كل هذا إلا أن الكيلاني وفهمي آثرا نسبة الأحداث لحقبة الأربعينيات إبان حكم الملك الراحل فاروق، رغم علم الجميع بأن عهده كان أفضل من العهدين الجمهوريين اللذين حكما مصر بعده ـ إلا قليلا ـ ولما سُئِلَ الكيلاني عن السبب قال نقلا عن نفسه بمذكراته أنه لا يدريه!
تحمل أحداث «زيتونة» هاجس «المعادل الموضوعي» وكذلك الأبطال بما يتجاوز الترميز المعروف وما شابهه، فلدينا أحداث قاسية مرت بأشخاص يتحولون بداية من البطل الرئيسي ائتلاف مرورا برفيق المهاود الكاتب المهادن للنظام في الدولة العربية التي هاجر إليها المصريون الافتراضيون ـ حسب الرواية ـ عقب تضييق «القلم السياسي» عليهم، لكن الكتابة الصادقة، حسب ثابت، تقود صاحبها مهما طال تاريخه في مهادنة السلطات للصدام المميت الذي قضى على المهاود في النهاية، كما أننا أمام مأساوية حياة السيد محمود أبو العز وابنه شفيق، عانى أبو العز الأب من محدودية القدرات وكبر وعناد ساقاه لترويج رسوم قاسية النقد للملك، ومحاولة التعجيل بصدام حركة «الغد المزهر» به، بلغ تمكن الفكرة منه التعجيل بدفع ابنه لنيرانها بتوزيع المنشورات التي تحمل رسوماته، ثم الهروب معا عبر الصحارى دون احتياط، ما أدى لوفاة ابنه، عاش بعده متوهما أنه فعل الصواب وأن الآخرين حتى في الدولة البعيدة سيكافئونه على نضاله ما أدى لصدامه بالجميع، كذلك جاء محمد معروف المعافر على النقيض من سابقه، مقاوما أخضر الفطرة، قوي النفس، لكن الاتهامات المخجلة بسرقة تافهة طاردته حتى فقد زوجته وأبناءه في حادث وهم يحاولون زيارته في محبسه، لتبقى سامرة فاضل السهيل، ابنة رجل قفز على المبادئ ونال الحظوة من الجميع، أجاد جني الثمار وبقيت ابنته تحديا في الغربة، أمام بطل الرواية حتى إنه يحدث نفسه عنها قائلا: «طرقت سامرة بابك في غفلة من أجل لحظة عابرة، فظننتها تريد البقاء لديك للأبد، دون أن تدرك أنكما رفقاء محطة سفر نائية غريبة في أقصى مجاهل وألغاز النفس البشرية؛ فعاود البحث عن «زيتونة» توسطك بدلا من الاستسلام لمستقبلهم المعتم الذي إن وافيتهم ولحقت بهم فيه، أضاعوا شفافيتك ونقاءك وكتاباتك، وكلها – لو تدري – أثمن ما فيك!».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية