حول خطة نتنياهو لنسف «اليوم التالي»!

حجم الخط
0

أهم ما في الوثيقة التي قدمها نتنياهو باسم حكومته حول اليوم التالي بعد الحرب في غزة، هو ما يتعلق باستمرار الوجود العسكري الإسرائيلي في القطاع، أي بكلمات أخرى شرعنة إعادة احتلال القطاع وذلك بعد تقليص مساحته الصغيرة أصلاً باقتطاع منطقة عازلة في الشمال يترك تقدير مساحتها للحكومة الإسرائيلية نفسها. أما الإدارة المدنية فـ»تتكرم» الوثيقة بمنحها لفلسطينيين من القطاع نفسه ممن ستوافق على تعيينهم سلطة الاحتلال. هذه وصفة لنقل الصراع إلى داخل المجتمع الفلسطيني بين رافضي هذا الترتيب ومن قد يوافقون على الانخراط في الخطة الإسرائيلية، ويصبحون منبوذين في المجتمع الفلسطيني في غزة وخارج غزة. وتتضمن «الخطة» أيضاً محاصرة القطاع من الجنوب عسكرياً بما يمنع أي تواصل حدودي بينه وبين مصر إلا بموافقة إسرائيلية.
تتعارض الخطة مع المعلن من سياسة إدارة بايدن بشأن اليوم التالي، فهذه تميل إلى فكرة إدارة القطاع لما بعد الحرب من قبل حكومة السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس. ومن المحتمل أن استقالة حكومة أشتية جاءت في إطار ملاقاة رؤية واشنطن هذه بشأن غزة، بإقامة حكومة جديدة تشمل في ولايتها قطاع غزة إضافة إلى الضفة الغربية.
يستقوي نتنياهو بحكومته الائتلافية اليمينية لمحاولة فرض أقصى ما يمكن من «الخطة» التي طرحتها على أي مباحثات مع إدارة بايدن، ليكونا معاً طرفاً واحداً أمام الشركاء العرب والسلطة الفلسطينية، للخروج بخطة لليوم التالي على الحرب متوافق عليها بين الأطراف المعنية.
وبالنسبة للسلطة الفلسطينية لا يمكنها القبول بأي خطة متكاملة بمعزل عن التوافق مع قيادة حماس السياسية المحكومة بدورها، إلى حد كبير، بموافقة القيادة الميدانية لحماس المتمثلة بكتائب القسام التي تحتجز أسرى إسرائيليين كأقوى ورقة قوة في يدها، ولا تقبل بأي صفقة تبادل مع أسرى فلسطينيين قبل إيقاف آلة القتل الإسرائيلية.

الوثيقة التي أعلنتها حكومة نتنياهو بشأن اليوم التالي مصممة أساساً لإفشال أي مساع دولية محتملة، وبالأخص أمريكية، لوقف الحرب

بذلك تبقى العقدة الأولى في أي خطة هي وقف الحرب، في حين ما زالت حكومة نتنياهو مصرة على مواصلتها، وهدفها المعلن الجديد هو مدينة رفح الحدودية التي شكلت الملاذ الأخير للنازحين الفلسطينيين من شمال القطاع ووسطه. وواشنطن تواصل رفضها لوقف الحرب قبل إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، وكانت آخر مناسبة أظهرت فيها هذا الرفض تصويتها في مجلس الأمن ضد مشروع القرار الجزائري الأسبوع الماضي.
اقترب عدد القتلى الفلسطينيين في حرب غزة من الثلاثين ألفاً، إضافة إلى الجرحى ودمار الأبنية والبنية التحتية الذي بلغ مستوى من التخريب لم يعد معه القطاع قابلاً للسكن والعيش. إن عدم واقعية نوايا التهجير الجماعي لدى الحكومة الإسرائيلية للفلسطينيين من قطاع غزة لا يمنع أن قسماً كبيراً من السكان سيضطر بعد انتهاء الحرب، إذا انتهت، للبحث عن أماكن أخرى يهاجر إليها. استمرار الحرب من جهة أخرى واستمرار عدد القتلى المدنيين في الارتفاع، إضافة إلى شح وصول المساعدات الإنسانية إلى محتاجيها، يشكل ضغطاً يومياً على قيادة حماس لتقبل بصيغة ما لتبادل الأسرى ولو بهدنة مؤقتة، لوقف هذا النزيف.
مجموع هذه العناصر المتشابكة يضعف الآمال باحتمال وقف قريب للحرب الوحشية، على رغم التحول الإيجابي نسبياً في مواقف الحكومات الغربية لمصلحة ضرورة وقف الحرب. وحتى لو امتد هذا التحول ليشمل الإدارة الأمريكية أيضاً، من المشكوك فيه أن تتمكن واشنطن من إرغام نتنياهو على القبول بوقف إطلاق النار في الوقت الذي يزداد فيه الاقتراب من موعد الانتخابات الرئاسية، ويحتاج بايدن إلى دعم اللوبي الإسرائيلي في مواجهته الصعبة مع منافسه المحتمل، دونالد ترامب، الذي تزداد فرص فوزه بترشيح الحزب الجمهوري.
الوثيقة التي أعلنتها حكومة نتنياهو بشأن اليوم التالي مصممة أساساً لإفشال أي مساع دولية محتملة، وبالأخص أمريكية، لوقف الحرب. ومن المحتمل أن إسرائيل ماضية في خطتها بشأن تدمير رفح على رؤوس سكانها والنازحين إليها من شمال القطاع، من غير أي أمل بالنجاة إلا الهروب من رفح في اتجاه صحراء سيناء. المجتمع الدولي العاجز عن منع إسرائيل في المضي في خطتها لتدمير رفح، سيزيد ضغوطه على مصر للقبول بنزوح جماعي للفلسطينيين في اتجاه سيناء.
مؤلم أن نكتب بهذه السوداوية، عاجزين عن فعل أي شيء أمام هول الكارثة. ولكن ما العمل أمام وقائع أكثر سواداً، لا تقتصر على ما يحدث في قطاع غزة فقط، بل تشمل بلداناً عديدة كسوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا وغيرها، فقدت فيها شعوبها القدرة على تغيير مصيرها نحو الأفضل، يتحكم فيها ضوارٍ محليون ودوليون، يرتكبون أبشع الجرائم ومصونون من المحاسبة.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية