الحسرة تعلو الوجوه والبسطاء يدفعون الثمن: عيد العمال في مصر بطعم البطالة

حسام عبد البصير
حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: أينما وجهت مؤشر الراديو أو محطات التلفزيون هذه الأيام لن يصل إلى أذنيك سوى الأغاني التي تمجد العمال وتلقي الضوء على القلاع الصناعية التي شيدتها مصر، مع بث للأعمال الخالدة التي قدمها أساطين الفن وفي مقدمتهم موسيقار الأجيال وأم كلثوم والعندليب الأسود. أما المناسبة التي دفعت مختلف الإذاعات والفضائيات المصرية لتحتشد بتلك الأعمال الفنية فتجسدت في عيد العمال الذي احتفلت به العديد من شعوب العالم في الأول من أيار/مايو الجاري.

وحدهم المصريون يشعرون بالمرارة، إذ أن ما يدعو للاحتفال أصبح بيد الآخرين بينما ورث العمال البطالة والفقر. لم يبق من القلاع الشامخة التي بيعت تباعاً سوى القليل من الشركات والفنادق والمؤسسات العلاجية التي تنتظر صاحب النصيب من المحظوظين وفي المقدمة منهم الإمارتيون بالتأكيد. هي لحظة جديرة بالتأمل حينما تتخيل صلاح جاهين وعبد الرحمن الأبنودي وسيد حجاب وعشرات المبدعين الذين بشروا بالحلم المصري منذ فجر الثورة وانتهى بهم الحال لأن أودعوا الثرى ولم يلبث أن انقلب حلمهم لكابوس يطارد الأجيال الجديدة. إذ باتت تلك الإنجازات التي كانت تمثل عند تشييدها أهراماً شامخة عبئا يجثم فوق صدر الحكومة ولا مفر من التخلص منه ومن كل ما يلوح في الأفق من مصدر من مصادر بوسعها أن تكون أداة للحصول على الورقة الخضراء التي باتت تمثل هاجساً للخزانة المصرية على الرغم من صفقة رأس الحكمة التي بلغت قيمتها 35 مليار دولار.

الأغاني باقية

بينما كانت الإذاعات والقنوات التلفزيونية المحتفلة تستعد لخريطة عيد العمال وتبحث عن الأعمال الدرامية والغنائية المقرر بثها، كان الكلام لا يزال على مقاهي وسط القاهرة وكذلك في دواليب العمل حول الغلاء الذي يستمر في نهش أبدان المصريين وسحق أرواحهم، كما تواصل الحديث بشأن تأثير صفقة رأس الحكمة التي أتاحت للحكومة 35 مليار دولار وزعم مجلس الوزراء انها ستسفر عن حل الأزمات الخانقة التي يعاني منها الاقتصاد الوطني وستنتهي معاناة المصريين للأبد، لكن شيئاً من تلك الوعود لم يتحقق. إذ واصل الغلاء دهسه لآمال الملايين المتواضعة بينما واصلت الحكومة عرض المزيد من أصول عامة للبيع من ان تتجاوز محنتها متعددة الأوجه وأبرزها ديونها التي في ازدياد مطرد من غير ان تنسى نصيب كل مواطن من الأغاني الوطنية بمناسبة عيد العمال الذي حل أول أيار/مايو الجاري.
على طريق الفن والسعي لتعضيد القاعدة العمالية التي كانت تشهد دعما واسعاً قبل ما يزيد على سبعة عقود عند قيام ثورة يوليو، حرص نجوم الغناء للاحتفال بكفاح العمال وتجسيد نجاحاتهم ودورهم الذي لا يمكن إغفال مدى أهميته. وما بين أغان قدمها المطربون لصالح العمال وأخرى للاحتفال بعيدهم، تبوأ مكان الصدارة في مجال الأغنية الوطنية الفنان عبد الحليم حافظ الذي كان يحظى بدعم كبير من قبل رجال يوليو باعتباره مطرب الثورة الأكثر قدرة على تسويق أفكارها بين الجماهير، وبين عشرات الأغاني الوطنية الموجهة للعمال والجماهير تمكن العندليب الراحل من سرقة قلوب العمال وتعلقهم بأغانيه التي خصصها لهم ولدورهم النضالي. ويبلغ مجموع أعماله الوطنية أربع أغنيات من أبرزها أغنية «حكاية شعب» والتي ظهرت للعلن أول مرة عام 1960 من كلمات أحمد شفيق كامل وألحان كمال الطويل. ووجه خلالها عبد الحليم حافظ رسالته بالتحية والتقدير لعمال مصر بشكل عام وعمال بناء السد العالي على نحو خاص ليضيف أيضا عبد الحليم لاحقاً عدداً من الأغاني للعمال أبرزها «خلي توكالك على مولاك» و«نشيد العمال» وأغنية «بدلتي الزرقا لايقة فوق جسمي» للشاعر عبد الفتاح مصطفى وألحان عبد الحميد توفيق زكي. ومن أبرز من تغنوا للعمال وللصروح التي شيدتها الدولة الفنان الراحل محمد رشدي والذي قدم للعمال أغنيته «إحنا العمال» كما غنى فريد الأطرش للعمال أغنية «يا اسطى سيد» وأضاف سيد مكاوي أغنية «عمال ولادنا والجدود» ليكون الفنان الشعبي محمد طه صاحب الموال الأبرز للعمال بموال «العاملين». أما نجمات الغناء المصري فلم يغب عن أذهانهن تقديم الأغاني لعمال مصر وأبرزهن الفنانة شريفة فاضل التي قدمت أغنية «يا حلاوة الإيد الشغالة» والتي حققت نجاحا واسعاً وكذلك ليلى مراد التي قدمت أغنية «دور يا موتور» ضمن مشاهد فيلم «سيدة القطار» والذي تم عرضه عام 1952.

كفاح العمال

عيد العمال كذلك مثل حدثاً تصدى له فريد الأطرش وعدد من رواد الغناء الذين حرصوا بشكل عام على تقديم أعمال تشيد بقيمة العمل والتعمير والبناء والتشييد، ومن هؤلاء موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب الذي لحن العديد من الأعمال الوطنية التي لاقت إقبالا وإشادة واسعين، وكذلك محمد عبد المطلب وعدد من نجوم الطرب والغناء مثل كارم محمود وعبد العزيز محمود ومحمد فوزي الذي كان أحد ضحايا ثورة يوليو حيث تم تأميم شركة الإنتاج التي كان يمتلكها. وساهم العديد من المطربين والفنانين في الترويج لقضايا العمال والطبقة الوسطى من خلال أغنيات وأعمال فنية تتناول كفاح العمال وجهودهم المتواصلة، وتزخر ذاكرة مصر الموسيقية والغنائية بالعديد من الأغاني الشعبية والتراثية التي تبرز كفاح العمال، من أشهر هؤلاء النجوم كان فريد الأطرش والعندليب ومحمد رشدي وليلى مراد وغيرهم. والأغنيات التي تناولت كفاح العمال سواء احتفالا بهم أو رصدا لكفاحهم منها ما قدمت في مناسبات خاصة بعيد العمال ومنها قدمت في سياق درامي داخل أحداث الأفلام مثل أغنية «دور ياموتور» ومن الأغاني التي تناولت كفاح العمال أغنية إحنا العمال لمحمد رشدي، وعمال ولادنا والجدود لسيد مكاوي، و«موال العاملين» للفنان الشعبي محمد طه، ومن الأعمال التي تمجد العمل وأهله نشيد «عمال ولادنا» من كلمات الشاعر العظيم فؤاد قاعود، وألحان العبقري سيد مكاوي، وغناء المجموعة. وأيضا الأعمال السينمائية التي تناولت كفاح العمال في المصانع والورش، بالإضافة إلى ذاكرة مصر الموسيقية والغنائية التي تضم العديد من الأغاني الشعبية والتراثية التي تبرز كفاح الأيدي التي تجرعت الألم وقسوة الحياة من أجل اكتساب المال الحلال.
ومن الأفلام التي عالجت هموم العمال، فيلم الأسطى حسن والأيدي الناعمة، وباب الحديد، وفتاة المصنع، والأرض، والنمر الأسود، وسواق الاتوبيس.
ومن أبرز أغاني العمال التي يحفظها الكثير من الصنايعية «ياحلاوة الإيد الشغالة» التي قدمتها الفنانة الراحلة شريفة فاضل احتفالًا بعيد العُمال، ويقول مطلعها:
ياحلاوة الإيد اللي شغالة.. يا حلاوة الإيد الشغالة.. ورونا الهمة يا رجالة.. المكن الداير من شوقه.. بيقول يا ولاد أحلي قوالة.. ياحلاوة الإيد الشغالة.. قسم يا مكن قول سمعنا.. دا كلامك حلو وله معنى.
ومن أشهر من كتبوا للعمال وسجلوا كفاحهم شعراً، بديع خيري الذي كتب قصيدة دعا فيها لعدم السلبية والنضال للحصول على الحقوق كذلك دعم فيها العمال. وعرفت مصر مبكراً موجة من الاضرابات على نطاق واسع شارك فيها عمال شركة قناة السويس وعمال الترام والسكك الحديدية، وغنى مشيداً بنضالهم الفنان سيد درويش الذي تحدث عن أهمية العمل الجماعي رافعًا شعار «إيد لوحدها متسقفش» ومن أعماله كذلك أغنية «شد الحزام». وفي صدارة الأغاني التي أشادت بقيمة العمل للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ أغنية «بدلتي الزرقا لايقة فوق جسمي» والتي كتبها الشاعر عبد الفتاح مصطفى ولحنها عبد الحميد توفيق زكي. وفي مقدمة الأعمال كذلك التي ظل يتغنى بها عمال المصانع والورش وتعد أهم أعمال العندليب أغنية «صورة» التي عززت من نجاحه وتفوقه والتي كتب كلماتها صلاح جاهين ولحنها كمال الطويل، وأشاد فيها عبد الحليم بجنود الجيش والعمال والمهندسين والأساتذة والأطباء والعديد من أصحاب المهن. وله كذلك العديد من الأغاني مثل «خلي توكالك على مولاك» و«اسعى يا عبد» ليكون بذلك من أكثر المطربين الذين تغنوا للعمَال. فيما قدمت الفنانة ليلى مراد أغنية «دور يا موتور» من قصيدة بيرم التونسي، والتي حثت فيها عمال المصانع على الاجتهاد في كسب الرزق. أما الفنان عبد العزيز محمود فأهدى للعمال أغنية «مليون سلام» والتي اشتهرت بين الأوساط الشعبية وكتبها الشاعر علي السوهاجي.
المطرب الشعبي محمد طه لم يخرج من المضمار خالي الوفاض حيث قدم الفنان الذي برع في ارتجال الموال أحد أبرز أعماله بعنوان «العاملين» متحدثًا عن قيمة العمل وشرف الكفاح من أجل لقمة العيش وتنمية الوطن بأهله.
ومن آخر من لحق بالأغاني العمالية من الأجيال الجديدة الفنانة آمال ماهر التي قدمت «طوبة فوق طوبة وابني» من كلمات الشاعر أيمن بهجت قمر وألحان عمرو مصطفى وتوزيع أحمد الموجي. وعلى الرغم من حالة السعادة التي كانت تخيم على أوساط العمال في السابق إلا أن الأمر اختلف للنقيض في الأعوام الأخيرة، إذ كان ينتظر المواطنون الرؤساء عبد الناصر والسادات ومبارك ليهتفون «العلاوة ياريس» تراجع الأمر إذ أن الهدف الأغلى لمن تبقى من عمالة هو البقاء على قوائم العمل. إذ أن الأسوأ بات هو البديل المتاح سواء بالنسبة لما تبقى من وحدات تتبع القطاع العام أو شقيقاتها اللواتي تتبع القطاع الخاص والذي يعاني هو الآخر من الخسائر الناجمة عن تراجع القوة الشرائية للمواطنين.

الاستثمارات الأجنبية

ارتفعت الاستثمارات الأجنبية في الاقتصاد المصري خلال السنوات الأخيرة، واخترقت قطاعات حساسة، أبرزها قطاع الصحة، وخاصة من قبل الشركات السعودية والإماراتية، وقاموا بالاستحواذ على العديد من المستشفيات المصرية الخاصة الكبيرة، وامتدت عمليات الاستحواذ لتشمل معامل التحاليل الطبية ومراكز الأشعة، التي تنتشر فروعها في جميع المحافظات، إلى جانب الاستثمارات بشركات الدواء. فعلى مدار السنوات الأخيرة، اقتحمت هذه الشركات، قطاع الرعاية الصحية في مصر، واستحوذت على نسب كبيرة من هذا القطاع، وما زالت توسعات تلك الشركات مستمرة في الاستحواذ، إلى جانب السعي لتأسيس كيانات جديدة، في محاولة للسيطرة على حصص مؤثرة بالسوق.
توسعت الاستثمارات الإماراتية في أرض النيل بشكل كبير، محتلة المرتبة الأولى في قائمة الدول التي تستثمر في مصر، من حيث عدد المشروعات، واستحوذت على الكيان الذي تحول لعملاق بعد أن حط على خيرات الدلتا والاسكندرية ناهيك عن العاصمة الإماراتية والمعروف بـ«أبراج كابيتال» على العديد من الشركات والمنشآت الصحية، وتوالت معدلات الاستحواذ على عدد من المؤسسات الصحية الخاصة خلال الفترة الأخيرة، الأمر الذي حولها من مجرد مستثمر إلى محتكر لهذا القطاع، الذي يخدم الملايين من المواطنين. وفي صدارة تلك الصفقات 12 مستشفى خاصا، في مقدمتها القاهرة التخصصي وبدراوي والقاهرة وكليوباترا والنيل، فضلاً عن سلسلة معامل المختبر والبرج للتحاليل الطبية، حيث قامت بشراء سلسلة المعامل «البرج» في عام 2008 قبل ثلاثة أعوام من اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير بقيمة 773 مليون جنيه، أما معامل «المختبر» فاستحوذت عليه الشركة الإماراتية بقيمة بلغت نحو 1.3 مليار جنيه.
بينما بلغت قيمة مستشفى «القاهرة التخصصي» 52.7 مليون جنيه، وعرفت مستشفى شركة كليوباترا طريقها للدولة الخليجية الثرية في صفقة بسعر 770 مليون جنيه، كما قامت بشراء مستشفى كليوباترا والغولف والنيل البدراوي والشروق، والكاتب بالدقي، بوسط العاصمة المصرية.
وبذلك تكوت شركة أبراج كابيتال قد فرضت سطوتها على القطاع الطبي. وخلال الفترة الأخيرة تجددت مخاوف كانت قد طفت على السطح آخر أيام الرئيس الراحل مبارك مفادها الفزع من أن يتحول المصريون لحقل تجارب للشركة ومن ثم تسويق تلك النتائج خارج البلاد وتحديدا في الغرب والخارج، أما الخوف الذي لاقى صدىً واسعا في صفوف المراقبين وأوساط الرأي العام فمرده من ارتفاع كبير في أسعار الخدمات التي تقدمها المستشفيات والمعامل لتصبح في نهاية الأمر حكراً على الأغنياء فقط، بينما تتعرض الطبقات الوسطى والفقيرة لأزمات مروعة تفضي لأن يصبح العلاج سلعة مستحيلة المنال.
ويتخوف مراقبون من أن يمتد النفوذ الإماراتي للأجهزة الصلبة في البنيان المصري. وبلغت الهيمنة الإماراتية في مصر لحد الاستحواذ على مشروعات في البنية التحتية وفي قطاعات حيوية منها التعليم والتدريب المهني والرعاية الصحية والنقل والمواصلات والطاقة والإسكان والأمن الغذائي. بينما تمكنت الشركة القابضة الإماراتية من اقتناص حصص في 5 شركات مدرجة بالبورصة المصرية، يوم الثلاثاء الماضي، وهي البنك التجاري الدولي وفوري لتكنولوجيا البنوك والمدفوعات الإلكترونية وشركة الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع، وشركتي مصر لإنتاج الأسمدة- موبكو، وأبو قير للأسمدة والصناعات الكيميائية، وهما من الشركات الصناعية الرئيسية في مصر، وبذلك يرتفع إجمالي عدد الشركات التي استحوذت على حصص منها إلى 7 بعد ما سبق أن استحوذت على سوديك وآمون للأدوية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية