حل الدولتين أصبح مستحيلاً

حجم الخط
4

ثمة جدال نخبوي واسع في أوساط الفلسطينيين والإسرائيليين، على حد سواء، حول صيغة الحل الممكنة للصراع، وما إذا كان الحل الأنسب هو «الدولتين» أو «الدولة الواحدة» إذ الصيغة الأولى هي التي أقرها المجتمع الدولي واعترف بها العالم منذ قرار تقسيم فلسطين في عام 1947، بينما يتمسك بعض المثقفين بالصيغة الثانية التي تتلخص في «دولة ديمقراطية» تتسع للجميع.
هذا الجدل ليس جديداً وإنما هو تاريخي وقديم، لكنه يتجدد كلما طرأ حدث ما، أو ظهرت معطيات جديدة، كما أن هذا الجدل تجدد في السنوات الأخيرة، مع تجليات فشل مشروع التسوية، وتعرقل المفاوضات وتعطل السلطة الفلسطينية، واتضاح أنها لم تكن مقدمة لبناء الدولة، وإنما هي مشروع للحكم الذاتي ولن يقبل الاحتلال بأن تكون أكثر من ذلك.
والصحيح أنه بالنظر إلى واقع الحال في فلسطين، فإن حل الدولتين أصبح أمراً مستحيلاً، بل بات حلماً أقرب إلى الخيال ولا يمكن تطبيقه، والسبب في ذلك أن الاحتلال قام بتغيير الوقائع على الأرض، عبر العدوان على البشر والحجر والشجر، وخلال السنوات العشرين الماضية، لم تعد الأراضي المحتلة عام 1967 التي كان يدور الحديث عنها موجودة أصلاً، إذ تم تغيير واقعها الديمغرافي والجغرافي بشكل جذري واستراتيجي، بما يجعل من غير الممكن أن تقوم عليها أي دولة فلسطينية مستقلة. في عام 2003 بدأت اسرائيل تستثمر في التحولات الدولية، فاستفادت من الفترة التي تلت هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، بأن قامت بالتحريض ضد الفلسطينيين ووصف «الانتفاضة» بأنها «عمل إرهابي» واستفادت من فترة حكم الرئيس جورج بوش الابن، عندما كانت الإدارة الأمريكية معادية للفلسطينيين، وشنت بعد ذلك أكبر عملية تغيير تستهدف الواقع الفلسطيني، وذلك عبر اجتياح جديد وكامل للأراضي التي يُفترض أنها خاضعة للسلطة الفلسطينية (عملية السور الواقي) ثم قامت ببناء جدار الفصل العنصري على حساب الأراضي الفلسطينية، والتهمت آلاف الدونمات من أراضي الضفة الغربية، لبناء المستوطنات وفتح عشرات الطرق الالتفافية المخصصة للمستوطنين، وهو ما يعني بالضرورة تفتيت الاتصال الجغرافي بين المدن الفلسطينية، وتقطيع أوصال الضفة وجعل الفلسطينيين محاصرين في تجمعات أو «كانتونات» معزولة بدلاً من أن يكونوا مجتمعاً متصلاً ومترابطاً، وشعباً يعيش على أرضه التي يريد أن يبني عليها دولته المستقلة. في الضفة الغربية يوجد اليوم أكثر من 475 ألف مستوطن إسرائيلي، يشكلون نحو ربع سكانها، ويتوزعون على 151 مستعمرة، هذا فضلاً عن بؤر استيطانية متعددة وغير منظمة وسلطات الاحتلال ذاتها تعتبرها غير قانونية (علماً بأن الاستيطان بكل أشكاله عمل غير قانوني وتجرمه الأمم المتحدة) واللافت أن الاستيطان تضخم بنسبة 12% فقط خلال السنوات الأربع الأخيرة، أي بعد صدور قرار الأمم المتحدة رقم (2334) الذي يعتبر الاستيطان انتهاكا للقانون الدولي، ويطالب الإسرائيليين بوقفه على الفور.

الاحتلال أغلق كل المنافذ التي يمكن أن تؤدي إلى حل سياسي، وتبنى سياسة تقوم على التهام الأرض الفلسطينية وتذويب شعبها الأصلي

الاستيطان والجدار الفاصل والحواجز العسكرية وحصار غزة، وغير ذلك من إجراءات الاحتلال، أدى إلى خلق واقع جديد على الأرض الفلسطينية يجعل من المستحيل معه أن تقوم دولة مستقلة قابلة للحياة، بل يهدف إلى جعل الفلسطينيين أقلية عرقية، أو تجمعات سكانية في دولة كبيرة، يُطلق عليها «إسرائيل» وهذا يعني أن «حل الدولتين» أصبح اليوم مستحيلاً.
ما حدث خلال السنوات العشرين الماضية، هو أن إسرائيل أعدمت أي فرصة للتوصل إلى حل يقوم على بناء دولتين جارتين تعيشان بسلام، وبينما كانت المفاوضات متعطلة والعملية السياسية تراوح مكانها من دون جدوى، كان الاحتلال يقوم بالتهام الأرض الفلسطينية وتغيير معالمها، خاصة في مدينة القدس التي تنص القرارات الدولية على أن الشطر الشرقي منها سيكون عاصمة الدولة الفلسطينية، إذ قام الاحتلال بهدم وتدمير 975 مبنى فلسطينياً خلال عام 2020 تبين أن 30% منها في القدس. المؤسف أنه في الوقت الذي أصبح فيه «حل الدولتين» مستحيلاً ولا يمكن تطبيقه، فإن حل الدولة الواحدة أصبح كذلك أيضاً، إذ سنت إسرائيل في منتصف عام 2018 قانوناً أساسياً تحت اسم (قانون الدولة القومية لليهود في إسرائيل) وهو القانون الذي يعني أيضاً إعدام أي فرصة في تأسيس دولة ديمقراطية واحدة كحل للصراع الذي تشهده الأرض الفلسطينية منذ عقود.
والخلاصة هو أن الاحتلال أغلق كل المنافذ التي يمكن أن تؤدي إلى حل سياسي، وتبنى سياسة تقوم على التهام الأرض الفلسطينية وتذويب شعبها الأصلي، ومنع أي فرصة ولو في المستقبل لتأسيس دولة مستقلة لهم على أرضهم، ولذلك فعلى العالم ومعه الفلسطينيون المؤمنون بالتسوية أن يبحثوا عن حل بديل، وإلا فإن المنطقة ستكون ذاهبة الى مزيد من الاشتباك والعنف.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عمر علي:

    الحل: تصعيد النضال السلمي الفلسطيني ضد الاحتلال الاسرائيلي واجراء انتخابات فلسطينية تشريعية ورئاسية ولمنظمة التحرير الفلسطينية.
    الظغوط المتواصلة على جامعة الدول العربية من اجل وضع استراتيجية عربية وممارسة الظغوط على الامم المتحدة من اجل اعطاء الاولوية للقضية الفلسطينية.

  2. يقول سامح //الأردن:

    *على الكيان الصهيوني المجرم الإختيار
    بين (حل الدولتين).. أو المقاومة الفلسطينية.
    بارك الله في كل من يدعم الشعب الفلسطيني الصامد الأبي ويقف في خندقه.
    حسبنا الله ونعم الوكيل.

    1. يقول ماجدة:

      حل الدولتين لم يعد ممكنا على ارض الواقع.ومنذ مدة طرح الحسن الثاني مشروع الاندماج ومع مرور الزمن سيصبح الفلسطينيون اغلبية بحكم التوالد.اما الحل الراهن هو حل الحكم الذاتي واقعي وسهل تطبيقة يبقى جمع شمل الفلسطينيين هو العائق

  3. يقول شرحبيل الشامي:

    حل الدولتين ليس غاية في ذاته، الغاية هي تمكين الشعب الفلسطيني صاحب الأرض والحق من حقه غير القابل للتصرف في امتلاك ارضه، وهي الغاية التي ضحى من اجلها الشهداء، التمسك بهذا الحق والدفاع عنه بكل السبل المتاحة هو ما سيحقق الهدف طال الدهر ام قصر ومهنا كانت قتامتة المشهد الحالي وتعنت الكيان الكيان الغاصب، فالاحتلال إلى زوال. ان شاءالله.

إشترك في قائمتنا البريدية