قراءة فلسطينية في دراسة إسرائيلية جديدة حول نماذج “حل الدولة الواحدة” وفُرص تطبيقها

وديع عواودة
حجم الخط
1

الناصرة- “القدس العربي”:

في ضوء تراجع القضية الفلسطينية والمحاولات الإسرائيلية المدعومة من بعض الجهات الغربية والعربية لتفكيكها تزايد الحديث عن “حل الدولة الواحدة” كبديل آخر لـ“حل الدولتين”. وفي هذا الإطار أصدر معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في جامعة تل أبيب دراسة بعنوان “نماذج الدولة الواحدة: جوانب عملية” يجمل فيه النقاش حول “حل الدولة الواحدة” بنماذجه الممكنة والمقترحة. ويتناول المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية “مدار” أبرز ما تضمنته الدراسة المذكورة مع التركيز على نموذج واحد من النماذج الواردة فيها علما بأن الأفكار الواردة أدناه، وكذلك المصطلحات مصدرها معهد الدراسات الإسرائيلي.

ويوضح “مدار” أن معهد دراسات الأمن القومي ينطلق من افتراض مفاده أن السنوات الأخيرة شهدت نقاشا متزايدا حول موت “حل الدولتين”، واستبداله بنموذج “الدولة الواحدة” بعد أن اتضح أنه لا توجد إمكانية، في الوقت الحالي على الأقل، لتقسيم الأرض ماديا؛ بسبب تذويب “الخط الأخضر”، والارتباط الفعلي للضفة الغربية- بإسرائيل استيطانا وتهويدا. من الناحية الديموغرافية؛ تدعي الدراسة أن إضافة جميع فلسطينيي الضفة إلى إسرائيل تعني أن الفلسطينيين سيشكلون ما يقارب 40% من “سكان البلاد”، وفي حالة تضمين قطاع غزة أيضا سيُصبح نصف سكانها تقريبا (50%) فلسطينيين.

أربعة نماذج للحل

تتناول هذه الدراسة الإسرائيلية أربعة نماذج للحل: “دولة واحدة بين البحر والأردن”؛ دولة يهودية على كامل مساحة فلسطين الانتدابية تتضمن “حكما ذاتيا” فلسطينيا (معازل فلسطينية منفصلة)؛ اتحاد فيدرالي مقسم لمقاطعات/ أقاليم يهودية وفلسطينية؛ كونفدرالية فلسطينية- يهودية. تسعى الدراسة لبحث إمكانية تحقق دولة يهودية واحدة عمليا، وما إذا كان هذا الحل يُشكل حلا ناجعا للصراع القائم، وجدوى الوصول إلى هذا النموذج من خلال معاينة مكوناته وتبعاته. ويشير المعهد الإسرائيلي إلى أن معظم الإسرائيليين طالما أعربوا عن دعمهم لحل الدولتين كما أنه الحل المقبول لغالبية دول العالم والمنظمات الدولية. لكن، مع ظهور “حل الدولة الواحدة” -بنماذجها المذكورة أعلاه- كبديل، ينتقل النقاش العام لرفض معظم الإسرائيليين فكرة إلغاء “الطابع اليهودي” لإسرائيل؛ بالإضافة للاهتمام بصيانة “طابعها الديمقراطي”.

تدعي الدراسة الإسرائيلية أن الصعوبة في “خلق واقع لدولة واحدة يتم فيها الحفاظ على الطابع اليهودي والديموقراطي لإسرائيل تكمن في الإشكالية الديموغرافية التي تترتب على ذلك كما أن النماذج المقترحة لإقامة “دولة واحدة” لا تشمل إدخال قطاع غزة المزدحم سكانيا وهذا سيُضيف تعقيدا للمسألة الديموغرافية. وطبقا للرؤية الإسرائيلية هذه فإنه في ظل غياب حل لقطاع غزة، فلن يكون هناك حل كامل للصراع وسواء تم ضم القطاع إلى هذه الدولة أم لا؛ فإن وضع “الدولة الواحدة” سيترتب عليه واقع وجود “أقلية” فلسطينية مهمة في الدولة، سيُطلب منها التخلي عن تطلعاتها القومية، في ضوء نية اليهود الحفاظ على الطابع اليهودي للدولة، وهو ما سيؤدي إلى توتر وصدام “داخلي”، وسيُشكل هذا الصدام والاحتكاك تحديا خطيرا للاستقرار داخلها.

علاوة على ذلك، يرى “المعهد” أن منح الفلسطينيين حقوقا مدنية متساوية في الدولة، سيولد خوفا يهوديا من أن يكون لهم تأثير كبير على “المستوى القومي”، بطريقة تتعارض مع “المصالح القومية اليهودية”؛ أي إلى حد محاولة إلغاء “الطابع اليهودي للدولة”. ومن ناحية أخرى؛ فإن عدم منح الفلسطينيين الحقوق الكاملة في الدولة- بما في ذلك المواطنة والحق في الانتخاب لسلطات الدولة المختلفة، وحرية التنقل والحق في اختيار مكان الإقامة، وتكافؤ الفرص… وغيرها من الحقوق التي يتمتع بها مواطنو أي دولة سيجعل هذا الحل مشوها، أي أنها لن تكون دولة. يشار إلى أن رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود براك حذر في السنوات الأخيرة من أن عدم تسوية الصراع سيجعل إسرائيل دولة غير ديموقراطية وغير يهودية.

إما يهودية وإما ديموقراطية

تُشير الدراسة الإسرائيلية هذه إلى أن النقاش العام حول قضية الدولة الواحدة يتركز على مسألة ما إذا كان من الممكن التوفيق بين إقامتها وبين الحفاظ على طابعها “اليهودي والديمقراطي”؛ حيث يُجادل معارضو الفكرة بأن دولة واحدة لا يمكن أن تكون “يهودية وديموقراطية” في نفس الوقت، ويعود ذلك أساسا إلى القضية الديموغرافية المعروضة أعلاه. من ناحية أخرى؛ يُجادل المؤيدون لهذا الحل بأن هذا مزيج مُحتمل وممكن، حيث يعتقدون أنه من الممكن التنازل عن عناصر معينة من الطبيعة الديموقراطية أو اليهودية للدولة. لكن هذا النقاش ليس كافيا، كونه لا يتناول الجوانب والقضايا التفصيلية المذكورة.

كما أشرنا أعلاه، تتناول هذه الدراسة أربعة نماذج لحل الدولة الواحدة؛ “دولة واحدة بين البحر والأردن”؛ دولة يهودية على كامل مساحة فلسطين الانتدابية تتضمن “حكما ذاتيا” فلسطينيا (معازل فلسطينية منفصلة)؛ اتحاد فيدرالي مقسم لمقاطعات/ أقاليم يهودية وفلسطينية وكونفدرالية فلسطينية- يهودية، وتقوم ببحث فُرص وإمكانية تطبيق ذلك من خلال القضايا التفصيلية المُشار إليها، والتي لا تقتصر على المخاوف والحسابات الديموغرافية.

ويستعرض “مدار” نموذجا واحدا من النماذج الأربعة المذكورة: دولة واحدة بين البحر والنهر (ربما تشمل قطاع غزة) ويقول إن الدراسة الإسرائيلية تبحث شكل وطبيعة تحقق هذا النموذج من خلال قضايا وتفصيلات لا تقتصر على الحسابات الديموغرافية أولها التقسيم الجغرافي: في هذا النموذج؛ سيتم شطب/ إلغاء الخط الأخضر، وتطبيق القانون الإسرائيلي على المنطقة بأكملها وعلى جميع المقيمين في الدولة؛ سيكون هناك إقليم واحد موحد للدولة.

المستوطنات: المستوطنات ستظل في مكانها، مثل أي مستوطنة أخرى في البلاد مع الحفاظ على حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة لمختلف الأديان.

قضية اللاجئين: سيتم منع عودة اللاجئين من الخارج بسبب الحسابات الديموغرافية، لكن ستكون هناك محاولات من قبل اللاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة للعودة “من جانب واحد”.

الجنسية والإقامة: يُصبح جميع الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية مقيمين دائمين في إسرائيل، وتمنح هذه الإقامة حقوقا مختلفة، بما في ذلك حق العمل في الدولة والحقوق الاجتماعية مثل الضمان الاجتماعي والمشاركة في الانتخابات المحلية. بالإضافة لذلك، وكما هو الحال في بقية البلدان، يحق للمقيمين الدائمين في بلد ما التقدم بطلب للحصول على الجنسية، رغم أن عملية التجنس قد تتضمن متطلبات معينة كالتعبير عن الولاء للدولة، وإذا تم رفض منح السكان الفلسطينيين الجنسية الإسرائيلية؛ سيعني ذلك تركهم بدون جنسية كحل دائم، وهو ما سيتعارض مع “الطابع الديموقراطي” لإسرائيل، وسيؤدي ذلك إلى إنشاء نظام تمييزي، مع مستويين من المقيمين في البلاد وحرمان مجموعة بأكملها من حق تمثيل نفسها على أساس قومي. من ناحية أخرى، سيؤدي ترك الفلسطينيين بدون حق المواطنة إلى خلق حالة من الإحباط والعداء للدولة، وهو ما سيُقوض استقرارها.

السلطات الحكومية: تواصل السلطات الحكومية مثل الكنيست والحكومة العمل، وسيتمكن جميع مواطني الدولة من التصويت والترشح لسلطاتها المختلفة، مع إدخال تعديلات حكومية في المؤسسات والسلطات الحكومية، تأخذ بعين الاعتبار السكان الفلسطينيين، بما في ذلك إنشاء السلطات المناسبة لهم، مثل آليات جباية الضرائب والترخيص وتقديم الخدمات، وإذا لم يكن هناك تعاون من “القيادة المحلية الفلسطينية”، والذهاب باتجاه خيار مقاطعة مؤسسات الحكم من جانبهم، قد تلجأ الحكومة الإسرائيلية إلى تعيين ممثلين عنهم لإدارة المستوى البلدي والخدماتي المحلي.

تدخل الفلسطينيين في السلطة: بحكم وضعهم كمواطنين في إسرائيل، سيُمنح الفلسطينيون حق التصويت والترشح لمؤسسات الدولة، ما يعني أن أعضاء “الأقلية الفلسطينية” الكبيرة سيمتلكون نفوذا سياسيا وفرصة للمشاركة في القرارات الاستراتيجية في الدولة، وقد تكون القوة السياسية المُحتملة لهم أكبر في ضوء الانقسامات بين الجمهور اليهودي. ويُحتمل أن يتضمن ذلك الاعتراف بالحقوق الجماعية لـ”الأقلية الفلسطينية” في الدولة، بطريقة تشمل تنمية الهوية والثقافة العربية والحكم الذاتي في مجالات مثل التعليم والدين والثقافة، أي السماح لهم بالتعبير عن المشاعر القومية والثقافية لكن في “دولة يهودية”، لكن ذلك لن يكون بديلا عن منحهم حقوقا مدنية متساوية.

حرية الحركة والتنقل: كمقيمين دائمين في إسرائيل، سيتمتع الفلسطينيون بحرية التنقل، بما في ذلك الحق في اختيار مكان الإقامة، والانتقال للعيش داخل الخط الأخضر، وفي نفس الوقت، سيتمكن مواطنو إسرائيل من العيش في جميع أنحاء الضفة الغربية وستحتفظ حكومة إسرائيل بالسيطرة الكاملة على الجو والبحر والبر والمعابر والحدود.

القضايا الأمنية: سيعزز هذا النموذج بشكل كبير التفاعل بين المجتمع الفلسطيني والمجتمع اليهودي، لا سيما في ضوء حرية الحركة التي يضمنها. لكن سيكون من الضروري إجراء عمليات مصالحة فعالة بين اليهود والفلسطينيين، وهذا أمر في غاية الصعوبة بالنظر إلى العداء التاريخي العميق بينهما، ما يجعل من فرصة نجاح هذه العملية ضئيلة جدا.

الحفاظ على الطابع اليهودي للدولة: سيقود انخراط الفلسطينيين في العملية السياسية في الدولة، بصفتهم مواطنين لهم حقوق متساوية فيها، إلى محاولة تغيير “الطابع اليهودي” لإسرائيل، لكن من الممكن ترسيخ هويتها اليهودية بطريقة تجعل من الصعب تغييرها، من خلال “دستور مُحصن” يمنع تآكل “يهودية الدولة”، وهذا ليس بالأمر السهل وسيواجه الكثير من الضغوط الداخلية والخارجية، لكنه ممكن.

الحفاظ على الطابع الديموقراطي- الليبرالي للدولة: سيقود حرمان الفلسطينيين من حقوقهم الكاملة في الدولة إلى القضاء على “الطابع الديموقراطي” لها. علاوة على ذلك، سيقود وجود الفلسطينيين كمواطنين أو مقيمين إلى تحدي الطابع الليبرالي للدولة.

المواطنون العرب في إسرائيل: هذا النموذج سيجبرهم على الاختيار بين استمرار ارتباطهم المدني بالمجتمع اليهودي الإسرائيلي والرغبة في الاندماج فيه، وبين الارتباط القومي والديني بالفلسطينيين كمجموعة قومية.

السلطة الفلسطينية: سيتم حل السلطة الفلسطينية ونقل كافة صلاحياتها (المحدودة) إلى سلطات الدولة، مع إمكانية استمرار وجود بعض الهيئات والمؤسسات التابعة لها، مثل خدمات الرفاه والصحة والتعليم، تعمل ضمن نطاق الدولة وموافقتها الكاملة، كما سيتم أيضا تفكيك قوات الأمن الفلسطينية، ومن المرجح أن يواجه تنفيذ هذه الخطوة مقاومة من الفلسطينيين، كما لن تتمكن جميع الكيانات العاملة على الساحة الدولية باسم السلطة الفلسطينية / فلسطين من الاستمرار في تمثيلها دوليا.

قطاع غزة: في حال تم ضم قطاع غزة في هذا النموذج، فسينطبق عليه المذكور أعلاه، وسيكون بإمكان ساكنيه التقدم بطلب الحصول على الجنسية الإسرائيلية ضمن شروط الجنسية المذكورة أعلاه، لكن هذه الخطوة ستتطلب إعادة السيطرة الفعلية على غزة بالقوة.

جدوى هذا النموذج؟

تُشير الدراسة الإسرائيلية إلى أن مثل هذا النموذج سيلقى معارضة فلسطينية حقيقية، وأن فرصة الحصول على موافقة الفلسطينيين على هذا النموذج تكاد تكون معدومة؛ كونهم لا يُفضلون التنازل عن تطلعاتهم القومية وتفكيك مؤسساتهم التمثيلية والانضمام لإسرائيل ذات “الطابع اليهودي”، وبدون حقوق متساوية، إلا إذا كان لديهم تقدير بأن هذه الخطوة ستمكنهم من “الاستيلاء” و”السيطرة” لاحقا على الدولة من الداخل. من جهة أخرى، تقول الدراسة إن مثل هذه الخطوة ستُعارضها تيارات وقطاعات يهودية واسعة كونها ستقود إلى القضاء على يهودية الدولة، كما سترفض بعض التيارات أن يتم القضاء على الطابع الديموقراطي- الليبرالي أيضا. إلى جانب ذلك، ستواجه إسرائيل ضغوطا كبيرة للامتناع عن هذه الخطوة في حال كانت من جانب واحد.

أخيرا، تذهب الدراسة الإسرائيلية إلى أن فُرص تطبيق هذا النموذج -في ضوء ما ورد أعلاه- تنطوي على مخاطر حقيقية؛ فإلى جانب تقويضه ليهودية الدولة وديموقراطيتها، في كل الحالات، من المرجح أن يقود تطبيق هذا النموذج بشكل فعلي، ومع هذه المحاذير إلى “انفجار داخلي” أو “حرب أهلية” بين اليهود والفلسطينيين بسبب العداء التاريخي بينهما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ميساء:

    ورب الأقصى ستكون دولة واحدة ولو بعد سنين وعد رب العالمين ومن أصدق من الله وعدا

إشترك في قائمتنا البريدية