باحثان إسرائيليان: إحياء “حومش”.. خطوة جديدة على طريق الدولة الواحدة وانهيار الصهيونية

حجم الخط
0

الناصرة- “القدس العربي”: يحذر الباحثان البارزان في معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب من أربع نتائج خطيرة لبناء مستوطنة “حومش” من جديد، ويشددان على أنها خطوة أُخرى على طريق الدولة الواحدة وانهيار الرؤية الصهيوينة.

ويستذكر الباحثان أودي ديكل وبنينا شرفيط في مقال مشترك، نقل مبنى “المدرسة الدينية” في بؤرة  “حومش” يوم 28 مايو/أيار الماضي، المقام على أراضٍ فلسطينية خاصة، عدة أمتار باتجاه منطقة معرّفة بأنها “أراضي دولة” وبدلاً من الخيام تم نصب كرافانات. ويؤكدان أن الحديث يدور حول مرحلة متقدمة من مراحل بناء مستوطنة ثابتة في المكان بأوامر من المستوى السياسي، وبعكس موقف الأجهزة الأمنية. وينبه ديكل وشرفيط أن هذه المرة الأولى منذ “فك الارتباط” سنة 2005، التي يتم فيها نصب مبانٍ ثابتة في “حومش”، الواقعة في المنطقة التي انسحبت منها إسرائيل في شمال الضفة الغربية المحتلة.

ويستذكر الباحثان الإسرائيليان أن “حومش” أقيمت على أراضٍ خاصة جرت مصادرتها لأهداف عسكرية  عام 1978 من أجل السيطرة على المنطقة.

ويتابعان أنه “من المهم الإشارة إلى أن إقامة المستوطنات على أراضٍ خاصة، تتم مصادرتها لأغراض عسكرية، توقفت عن كونها ممارسة مقبولة، بعد قرار المحكمة العليا، وصوغ سياسة عامة تجري وفقاً لها، إقامة المستوطنات فقط على “أراضي دولة”، أو على أراضٍ خاصة اشترتها جهات يهودية”.

أربع مستوطنات

يشار إلى أنه في إطار خطة الانفصال التي نفّذها رئيس حكومة الاحتلال الراحل أرئيل شارون في 2005، تم اتخاذ قرار أنه بالإضافة إلى الانفصال عن قطاع غزة سيتم أيضاً الانفصال عن مناطق محددة في شمال الضفة الغربية ولذلك، تم إخلاء 4 نقاط استيطانية وهي غانيم، وكاديم، وحومش، وسانور.

وجاء القرار بشأن الخطوة في شمال الضفة بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية، وكان شرطاً للحصول على دعم من الولايات المتحدة لخطة الانفصال وبحسب ما جاء في قانون الانفصال فإن المنطقة معرّفة بأنها “منطقة عسكرية مغلقة، ودخول الإسرائيليين إليها ممنوع”.

 بعد الانفصال، كان هناك عدة محاولات من جهات يمينية لإعادة الاستيطان من جديد ومنذ عودة نتنياهو للحكم سنة 2009 بدأت تنشط “المدرسة الدينية حومش” وأُقيمت هذه المدرسة على أراضٍ خاصة، وبعد خرق قانون منع الدخول إليها تم إخلاؤها عدة مرات وسط مواجهات بين جيش الاحتلال وسكانها، وتتم إقامتها كل مرة من جديد. في سنة 2013 تم تقديم طلب استئناف إلى المحكمة الإسرائيلية باسم الفلسطينيين أصحاب الأرض، طالبوا فيه بالوصول إلى أراضيهم وزراعتها، وأيضاً إخلاء المدرسة الدينية. وبعد ذلك تم إلغاء أوامر المصادرة وأمر الإغلاق الذي كان يمنع وصول الفلسطينيين إلى أراضيهم. وعلى الرغم من ذلك، فإن الفلسطينيين ما زالوا ممنوعين، فعلياً، من الوصول إلى أراضيهم، وتوجهوا عدة مرات إلى المحكمة العليا التي أمرت الجيش بالسماح للسكان بالوصول إلى أراضيهم، لكن هذا الأمر لم ينفَّذ.

حكومة المستوطنين

بعد تأليف حكومة الاحتلال الحالية، تم تعديل قانون الانفصال يوم 21 آذار 2023، ووفقاً له فإن منع الدخول لا ينطبق على مناطق شمال الضفة الغربية، وفي 20 أيار وقّع قائد قيادة المنطقة العسكرية الوسطى أمراً عسكرياً يصادق على ذلك.

ومع ذلك يؤكد ديكل وشرفيط، إن نقل المباني في هذه المستوطنة الذي جرى في ساعات الليل المتأخرة بتوجيه من المستوى السياسي، هو أمر غير قانوني ويؤكدان أن هذه الخطوة، التي لم تستقطب اهتمام الجمهور، تشكل إشكالية على عدة صعد وهي انعكاس واضح لمسار خطِر يحدث، ومن المتوقع أن يتوسع خلال ولاية هذه الحكومة. وبرأيهما يتعلق البعد الأول بالضرر الذي سيلحق بـ “سلطة القانون” إقامة مستوطنات غير قانونية هي ظاهرة منتشرة في الضفة الغربية. ورغم ذلك، يقول ديكل وشرفيط إن هذه الخطوة استثنائية؛ لأن الحديث يدور حول أوامر يوجهها المستوى السياسي للقيام بخطوة غير قانونية مشددان على أن هذه سابقة غير مسبوقة وخطِرة؛ لأن الجيش يستجيب لأوامر المستوى السياسي، حتى لو كان ذلك خرقاً للقانون المُلزم. ويوضحان أن دعم حكومة الاحتلال للمستوطنين بنقل المباني بطريقة غير قانونية هو إشارة إلى أن سلطة القانون غير مُلزمة بالنسبة لها، وبصورة خاصة ومؤكدة داخل الضفة الغربية. وينبهّان أن هذا الحديث يعكس أحد الدوافع المركزية التي تدفع حكومة الاحتلال الحالية إلى إضعاف المحكمة العليا، كي لا تستطيع هذه الأخيرة منعها من التصرف من دون قيود في هذه المناطق الفلسطينية.

خياران أمام المؤسسة الأمنية

ويقولان إن هذه الحالة وضعت الأجهزة الأمنية أمام الاختيار بين أوامر الحكومة وبين أوامر القانون ويرجحان أن القيادة امتنعت من الدخول في مواجهة مع الحكومة، وحاولت البقاء هادئة إزاء هذا الحدث. ويتابعان “إذا قررت المحكمة العليا التدخل، فستجد نفسها في مسار مواجهة مباشرة مع الحكومة. وأكثر من ذلك، إذا كان هناك قرار قضائي بإخلاء “المدرسة الدينية” بسبب إقامتها غير القانونية، وكان هناك قرار حكومي بعدم تنفيذ الحكم، فسيتوجب على الجيش الاختيار لمن عليه الانصياع، وسيتم امتحان وعد قيادات الجيش للجمهور الإسرائيلي بألّا ينفّذ قرارات حكومية غير قانونية”.

وبرأي الباحثين الإسرائيليين يتعلق البعد الثاني بإسقاطات السيطرة على شمال الضفة الغربية المحتلة من جديد على الواقع الأمني فيها: “يدور الحديث حول خطوة ستزعزع الاستقرار وتحرض الشارع؛ تحتاج إلى الكثير من القوات لحماية “المدرسة الدينية” والطرقات المؤدية إليها، وترفع الاحتكاك بين المجتمعات، وكذلك الدوافع لدى الفلسطينيين إلى تنفيذ عمليات “إرهابية”، وتقلل من الدافع لدى أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية إلى فرض القانون والنظام ومنع أعمال “إرهاب” وعنف، وفي المقابل، تساهم في رفع مكانة المجموعات المسلحة الفلسطيينة في شمال الضفة، والتي يمكن أن تتوسع إلى مناطق أُخرى”.

البعد الثالث

ويتطرق البعد الثالث إلى إسقاطات الخطوة على المدى البعيد: “جاءت فكرة الخروج من شمال الضفة الغربية من أجل السماح بانفصال المجتمع الفلسطيني في منطقة يوجد فيها القليل من المستوطنين والكثير من السكان الفلسطينيين. تهدف إعادة الاستيطان إلى المنطقة نفسها إلى إغلاق إمكانية الوصول إلى تسوية مستقبلاً.” ومن المهم الإشارة إلى أن “حومش” لم تكن مشمولة في خطة السيادة الإسرائيلية، حتى في إطار “صفقة القرن” الخاصة بالرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، وتمت صياغتها بتأثير من اليمين في إسرائيل.

 وتشكل العودة إلى حومش مرحلة إضافية من اندفاع حكومة اليمين الحالية نحو واقع “الدولة الواحدة”. وينبه الباحثان الإسرائيليان إلى أن قيادة المستوطنين تعمل في الضفة الغربية المحتلة على إيجاد وقائع في قلب المنطقة الفلسطينية، عبر إقامة سلسلة استيطانية وبؤر ومزارع لمنع إمكانية الانفصال، أو التسوية السياسية. ويتابعان “هكذا سيتم منع حكومات إسرائيل، مستقبلاً، من حرية اتخاذ القرار. سيكون الخيار بين “دولة لجميع مواطنيها”، مع حقوق كاملة للمجتمع الفلسطيني بشكل يجعل الدولة تفقد هويتها اليهودية، وبين “دولة واحدة مع تفوّق يهودي”، مع منح حقوق كاملة للمجتمع اليهودي وحقوق محدودة للمجتمع الفلسطيني. لن تكون هذه الدولة ديموقراطية، وقد تُعتبر دولة أبارتهايد”.

البعد الرابع

يتعلق البعد الرابع برأيهما بإسقاطات هذه الخطوة على العلاقات الخارجية الإسرائيلية، وبصورة خاصة العلاقات مع الولايات المتحدة: “بعد تعديل قانون الانفصال تم تقديم وعود للإدارة الأمريكية بأن الوضع القائم سيُحفظ ميدانياً، ولن تقام مستوطنات جديدة في المنطقة”.

ويوضح ديكل وشرفيط أنه بعد النقل في “حومش” صرّحت الولايات المتحدة، بحدة، بما يلي: “نحن قلقون جداً من قرار حكومة إسرائيل، السماح لمستوطنيها بإقامة وجود دائم في البؤرة حومش، وهو ما لا يتماشى مع التزامات رئيس الحكومة الأسبق، أرئيل شارون، للرئيس الأسبق، جورج بوش، ويتعارض مع التزامات الحكومة الحالية التي قدمتها لإدارة بايدن”. وجاء في الرسالة أن “توسيع المستوطنات يتعارض مع إمكانية حلّ الدولتين، جغرافياً، ويرفع التوتر، ويضرّ أكثر بالثقة بين الطرفين”.

عقوبات دولية

ويؤكد ديكل وشرفيط أنه أكثر من ذلك، فإن الخطوة إذا ما أضيفت إلى سياسات الحكومة الأُخرى، فإنها تعرّض إسرائيل لانتقادات في الساحة الدولية، ولمخاطر قانونية متوقعة في أعقاب وجهة النظر بشأن عدم قانونية الاحتلال، التي طُلبت من محكمة العدل الدولية، وأيضاً الضغوط على المدعي العام في محكمة الجنايات لتسريع التحقيق ضد جهات إسرائيلية لها دخل بالأساس في السياسات الاستيطانية، المعرّفة في القانون الدولي بأنها جريمة حرب.

ويخلص الباحثان الإسرائيليان للقول إن  ما يجري في “حومش” هي شهادة إضافية بأن حكومة الاحتلال الحالية تفضل زعزعة سلطة القانون، وخرق التزاماتها للإدارة الأمريكية، وجباية ثمن تصاعُد “الإرهاب” في شمال الضفة، وذلك من أجل الدفع قدماً برؤية اليمين المتطرف في الحكومة، الذي يطالب بتحسين الظروف، تمهيداً لضم الضفة الغربية.

ويمضيان في تحذيرهما: “بهذه الطريقة، يتم إحباط كل إمكانية لإقامة سلطة فلسطينية فاعلة في الميدان وتكبيل أيادي إسرائيل، مستقبلاً، للوصول إلى اتفاق سياسي مع الفلسطينيين. وبذلك تتجاهل الحكومة موقف أغلبية الجمهور الإسرائيلي الذي يعارض واقع “الدولة الواحدة”، وهذه الأغلبية تشكل 85%، بحسب استطلاع معهد أبحاث الأمن القومي، إذ إن ثلثي هؤلاء يدعمون الانفصال عن الفلسطينيين وعدم خلط المجتمعيْن ببعضهما. وعلى مسار الزمن، فإن إقامة “حومش” من جديد هي نقطة إضافية في انهيار الرؤية الصهيونية وطبيعة الدولة اليهودية – الديمقراطية لإسرائيل”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية