حرب “المال العام” في المغرب تشتعل بين وزير العدل وجمعيات الحماية- (تدوينات)

حجم الخط
0

الرباط- “القدس العربي”:

لاحت أولى نذر “الحرب” بين وزير العدل عبد اللطيف وهبي، وجمعيات حماية المال العام، على إثر التصريحات التي أدلى بها المسؤول الحكومي أمام لجنة العدل والتشريع في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي)، حيث لم يخف انزعاجه من الشكايات التي تتقاطر على وزارته، كما أبدى انزعاجا واضحا من حضور الصحافيين لجلسات اللجنة.

لم يتأخر الرد، وجاء عن طريق “الفيسبوك” حين نشر المحامي محمد الغلوسي تدوينة مطولة على صفحته بالفضاء الأزرق، خصص جزءا منها للرد على الهجوم على جمعيات حماية المال العام التي يرأس إحداها.

وتعود تفاصيل بداية دق طبول الحرب، إلى اجتماع لجنة العدل والتشريع في مجلس النواب، الثلاثاء، والذي خصص لمناقشة مشروع المسطرة المدنية، عرف حالة غليان تجاوزت مسألة النقاش بين المعارضة والوزير، لتصل إلى حد الانسحابات من الاجتماع، وكانت البداية مع المسؤول الحكومي، الذي عاد إلى كرسيه في طاولة الاجتماع، لكن بعد انسحاب المجموعة النيابية لحزب “العدالة والتنمية” المعارض.

تصاعد حدة النقاش كادت أن تعصف بالاجتماع، إلى درجة إطلاق وزير العدل تهديدات بعدم تقديم أي طلب مستقبلا للجنة، وكان ذلك رده على الخلافات والنقاشات الحادة التي طبعت الاجتماع، لكن لحظة الانسحاب شكلت تصعيدا في رد فعل المسؤول الحكومي، خاصة أن عودته إلى الاجتماع جاءت بعد انسحاب نواب حزب “العدالة والتنمية”، وهو ما فتح باب الربط والتأويل الذي أنهاه الوزير وهبي بقوله إنه انسحب “احتراما للجنة”، وزاد موضحا، أنه “قانونيا لا دخل لي في النقاش”، كما أن “الحكومة غير معنية به”.

فصل الانسحاب والنقاش الحاد انتهى، وكان على ضفاف مناقشة مشروع قانون المسطرة المدنية، لكن الوزير وهبي استمر في صناعة الحدث داخل الاجتماع المذكور، ورست سفينة انزعاجه هذه المرة في ميناء جمعيات حماية المال العام التي لاحظ أنها تناسلت بشكل كبير، كما تناسلت الشكايات الموجهة لوزارته. وتحدث عمّا أسماه “التوظيف السيء للشكاوى”، مؤكدا أنه سيواجه من خلال القانون المقبل الذي يتضمن عقوبات صارمة للوشاية الكاذبة، وتساءل عن كيفية تقليص عدد الشكاوى، من أجل تفادي “استنفاد الجهود في الشكاوى العقيمة”، ودعم الجهات القضائية في التحقيقات الجادة.

وبالنسبة للمسؤول الحكومي، فإن “هذا الأمر وصل إلى مستوى إذا لم نوقفه، فلن يقدر أحد على ممارسة السياسة مستقبلا”، ويقصد التزايد الذي اعتبره مقلقا لجمعيات حماية المال العام وكذلك عدد الشكايات التي تغرق الجهات القضائية، حتى أن “التحدي الأكبر أمام القضاء هو استخدام العمل القضائي كأداة للصراعات السياسية”، يقول وهبي.

الصحافيون الذين يتابعون أعمال البرلمان نالهم أيضا نصيب من انزعاج وزير العدل، إذ لم يطق حضورهم لاجتماع لجنة العدل والتشريع، إلى درجة أنه يتجه للمطالبة بسرية الاجتماعات، خاصة في ظل سخونة النقاشات المرتقبة على ضفاف مشاريع القوانين في النصف الثاني من الولاية التشريعية. واتضح انزعاج عبد اللطيف وهبي من الصحافة بشكل جلي، عندما أعلن أنه سيقدم طلبا من أجل منع الصحافيين من تغطية أعمال لجنة العدل والتشريع، بقوله “سأطالب بسرية هذه اللجنة، وهذا من حقي”.

شد الحبل بين وزير العدل وجمعيات حماية المال العام، ليس وليد اليوم ولم يتفجر في الاجتماع العاصف للجنة العدل والتشريع الثلاثاء، بل له امتداد في الزمان والمكان أيضا، وكان موضوع مداخلة سابقة لوهبي في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان المغربي)، حين توعد جمعيات حماية المال العام بمنعها من رفع شكايات ضد المنتخبين والشخصيات بشأن اختلاس المال العام.

وأحال الوزير في كلمته النواب على تعديل في قانون المسطرة الجنائية سينص على أن وزير الداخلية هو من له صلاحية وضع شكايات لدى النيابة العامة بشأن اختلاس المال العام وليس الجمعيات، لأن “هناك من ليست له جمعية ولم يعقد جمعا عاما ويقول إنه رئيس لجمعية حماية المال العام”، يوضح عبد اللطيف وهبي.

وحسب المسؤول الحكومي، فإن من له الصلاحية لوضع شكاية هو من كان المال هو مصدره، كما أن “المجلس الأعلى للحسابات” (مؤسسة رسمية) حين يحيل ملفا على المدعي العام، فإنه يكون في وضعية طبيعية لأن مؤسسة دستورية تخاطب مؤسسة دستورية، وليس في حالة جمعية تضع شكاية ضد المنتخبين، واعتبر أنه بمجرد وضع شكاية بالاختلاس ضد منتَخب فإن ذلك يترك تأثيرا سلبيا عليه.

وعبّر المحامي محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، في رده عن اعتقاده “أن حجم الشبكات المتورطة في الفساد والرشوة والتي تم تفكيكها أمنيًا وقضائيا واغتناء البعض بطرق مشبوهة وظهر جليا أن الفساد والمفسدين ولصوص المال العام يشكلون تهديدا حقيقيا للدولة والمجتمع”، كان “سيدفع وزير العدل إلى الحزم في التصدي للفساد وذلك عبر تجريم الإثراء غير المشروع وتعبئة كل الفاعلين بما في ذلك التحالف الحكومي”، مستشهدا في تعزيز اعتقاده ذلك، بكون وزير العدل “تابع بنفسه كيف أن المتورطين في هذه القضايا تاجروا في كل شيء بما في ذلك بيع الرضع ملائكة الرحمن وبيع تجهيزات المستشفيات وغيرها ودون أية حدود أو خوف من القانون والمؤسسات”.

ووفق تدوينة الغلوسي، فإن ما حصل هو اختيار وزير العدل “أن يعاكس توجه الدولة المعلن عنه على أعلى مستوى فيما يتعلق بمواجهة الفساد والرشوة واستغل موقعه الوظيفي لترديد أسطوانته المشروخة والمكررة حول شكايات جمعيات حماية المال العام والتي انزعج كثيرا من وجودها وأنه لا يعقل أن تستمر في تقديم الشكايات وتوظيف القضاء في صراعات سياسية”.

وبالنسبة لرئيس جمعية حماية المال العام، فإن وزير العدل “عاد ليدافع عن رفع عقوبة الوشاية الكاذبة إلى عشر سنوات سجنا! أي أن الجنحة ستصبح جناية لترهيب نشطاء حماية المال العام وكافة المبلغين عن الفساد وتكميم الأفواه وإشاعة الخوف، وهو بذلك يفرش سجادا أحمر للفساد والرشوة لينتعش ويحتفل بوجوده أمام الجميع دون أن يخشى المفسدون من أية ملاحقة أو مساءلة وليذهب ربط المسؤولية بالمحاسبة ومعها الدستور إلى المتحف”.

وخلص المحامي الغلوسي في تدوينته الفيسبوكية، إلى أن “وزير العدل ما يزال مصمما على أن يشكل رجع الصدى لأصوات تستفيد من واقع الريع والفساد وتحول إلى محاميها في مواجهة الأصوات المنتقدة لواقع الفساد والريع والرشوة والذي لم يعد خافيا على أحد، وهنا يحق للمرء أن يطرح السؤال التالي: لماذا يستغل وزير العدل موقعه لتبييض وجه الفساد ولصوص المال العام ويرفض أن يشكل محاميا للمجتمع المتضرر من نتائج الفساد والمضطر لتحمل تكلفته الباهظة مقابل إرضائه لحفنة من السماسرة وناهبي المال العام ومبيضي الأموال؟”.

وأضاف الغلوسي قائلا، “إن المتتبع لتصريحات وزير العدل حول موضوع الشكايات المقدمة ضد بعض المفسدين وسارقي الأموال العمومية سيتساءل عن علاقة وزير العدل بالشكايات والتي تبقى اختصاصا حصريا للنيابة العامة والتي لم تعد تحت سلطته، فلماذا يحشر أنفه في موضوع لم يعد مطلقا من صلاحياته؟”.

وحسب المحامي، فإن “وزير العدل يتحدث عن توظيف البعض للشكايات من أجل ابتزاز المسؤولين، يفعل ذلك وهو يعلم جيدا أنه مسؤول قانونيا عن عدم التبليغ بجريمة يعاقب عليها القانون الجنائي، فلماذا يتستر عن المتورطين في جريمة مشينة وهي الابتزاز؟”.

وهو ما دفع الغلوسي من موقعه كرئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، إلى مطالبة الوزير وهبي “بأن يقدم للقضاء ما يتوفر عليه من معطيات حول هذا الابتزاز، لأننا ندين بشدة تحويل المجال الحقوقي إلى مجال للارتزاق والابتزاز، وهي أعمال تشكل فسادا يتوجب التصدي لها بكل حزم وصرامة مع متابعة من تورط في ذلك في حالة اعتقال وإصدار أحكام رادعة ضده، لأننا ضد تلويث وإفساد العمل الحقوقي وجعله حرفة لمن لا حرفة له”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية