حديث الفيلم السينمائي

حجم الخط
0

امتثالا للمثل الفرنسي الشهير؛ «عندما نحب الحياة نذهب إلى السينما». في العادة، ومن المألوف أن أساطير الأفلام ذات الشهرة العالمية لا نمل، مرات تلو المرات من متابعتها، والتلذذ بأنغامها الموسيقية الرائعة. السبب، لأن شيئا ما في داخلها له طاقة إشعاعية دائمة التوهج والتجدد وباستمرار، وعلى مدى الزمن.
فهوليوود معقل الأفلام، والفتنة الكبرى، منذ التسعينيات من القرن الماضي، وهذه المؤسسة دخلت منعطفا خطيرا بمخرجين شباب أقاموا الدنيا، ولم يقعدوها؛ جيل الرواد الذين بصموا حياة شخوصهم بالحزن والأسى، والجشع والفرح، وحازوا، بشرف، جوائز الأوسكار، أمثال المخرج المكسيكي ألفونسو كوارون صاحب رائعة «هاري بوتر» فضلا عن كيفن كوستنر، وفيلمه الذائع الصيت «الرقص مع الذئاب» ناهيك عن جيمس كامرون في فيلمه، الذي شق العالم إلى نصفين «تايتنيك» بالإضافة إلى ستيفن سبيلبيرغ، وكلينت إيستوود في فيلمه «غير المسامح». غير أن منتصف الستينيات كان له طعم خاص بمذاق المتعة العابرة، كالطربيد النفاث، للعقل والمتخيل معا. ستينيات وسبعينيات الكاوبوي، وما أدراك ما الكاوبوي؛ بين أدغال المتعة في الجبال والفيافي المقفرة، وأفلام السباغيتي، نجد مياها كثيرة جرت تحت الجسر. في التصوير والتمثيل والإخراج والموسيقى، مخططات متكاملة لمخرجين أفذاذ، تعزف سمفونية الإمتاع والمؤانسة الأبدية. في منتصف الستينيات، وبالضبط سنة 1966، كان لفيلم «الطيب والقبيح والشرير» بَنْدٌ خفاق في سماء هوليوود، لمخرجه الإيطالي سيرجيو ليوني، يجلب مشاهدات تعد بالملايين عبر العالم؛ مما تم نقله إلى جميع لغات العالم. في سفرية ماتعة ومائزة بطعم الجنون والجشع والانتهازية والبطولة والمؤامرة والسخرية من القدر.
ليوني من المخرجين الشهوانيين، الذين يسخرون أبطالا يسهرون على جمع المال بكل الطرق غير المباحة، والمارقة عن القانون. إنها زهاء ثلاث ساعات من الفرجة مزج فيها المخرج ثلاث شخصيات، كتعبير منه عن نماذج إنسانية، كانت سائدة في المجتمع الأمريكي إبان الحرب الأهلية، التي مات فيها العديد من أجل لا شيء. وفي ذلك كله، تعجبني ملامح الطيب؛ الأشقر الذي يمثله كلينت إيستوود، وهو يخوض عملية شطارية في اقتسام غنيمة مع القبيح؛ إيلي ولاش الملقب في الفيلم بتوكو. فبعدما أدرك، هذا الأخير، خطورة الدور، الذي يلعبه في عملية الاحتيال على السلطة، يطالب توكو الأشقرَ بنصيب أكبرَ وأوفرَ؛ لأنه هو الذي يُلف على عنقه حبل العدالة.
تحكي أحداث فيلم «الطيب والقبيح والشرير» عن رحلة البحث عن التحرر من كماشة الفقر، والقفزة المصيرية نحو معانقة العيش الكريم، فضلا عن التخلص من براثن العوز المادي. فالطيب يحتال ويقتل، والقبيح يحتال ويقتل، والشرس يحتال ويقتل أيضا. وعبر ذلك، فالثلاثي المستحيل جمعهم ليوني في براري جنوب إيطاليا؛ للبحث عن مال مفقود لصاحبه بيل كارلسون. ومن المجدي أن يكون توظيف الصحراء الإيطالية؛ كاشفا عن دواخل الشخصيات، بل من أجل أن يرسم ملامح وجوه يقسو عليها الزمن، ناهيك عن الصهد، وقلة المياه.
ففي فيافي الأكوانا؛ سحر العطش وشظفه، وظفه المخرج بذكاء ودهاء، حتى أصبح نقطة تحول في الفيلم كله. بالموازاة مع ذلك، فالشرير ليفان كليف، الملقب بسينتنسيا، يتعقب خطى بيل كارلسون عبر الجندية النقابية؛ ليفتح نار التعذيب في وجه توكو، في الفيلق الجنوبي، عندما انتحل صفة صاحب الكنز. وبذلك كانت العلاقة، التي تربط بين الأشقر و القبيح، منفتحة على ضروريات الحياة، حيث إن الأول يعرف اسم القبر، بينما الثاني يعرف اسم المقبرة. وبهذه العلاقة المستحيلة عاشا، معا، رحلة البحث عن الكنز، ومن ورائهم سينتنسيا. غير أن عملية التعذيب، التي اجتاز محنتها إيلي ولاش، لم تمر في هباء وسكينة؛ بل صاحبتها موسيقى السوبرانو الإيطالية، كرذاذ يضمد جراحات توكو، وهو تحت رحمة الشرير؛ يقتلع ويجتث منه سر الكنز المدفون في الشمال.
والشيء الذي يغذي المتعة في فيلم « الطيب والقبيح والشرير»؛ نجد رحابة الموسيقى التصويرية، التي صاحبت الفيلم زهاء ساعة من الزمن، بما هي مؤسِّسَة للهوية الخاصة، التي ألفها الملحن والفنان الإيطالي إنيو موريكوني، وتم إعدادها، وتوزيعها من طرف مواطنه برونو نيكولاي. وفي هذا المسعى، ينظر موريكوني إلى التأليف الموسيقي على أنه سلطة ثالثة في الفيلم التصويري، من حيث إنه يغذي المحو، أو اللغة المحذوفة في الشريط السينمائي.
تكاملا مع البناء الفني للفيلم، تعد لعبة الأضواء واحدة من الوسائل، التي اعتمدها سيرجي ليوني في توصيف أحداث الفيلم، فضلا عن المشاهد المصورة القريبة من ملامح الوجوه ؛ لإبراز خصوصا في النزال الأخير، عيون نزقة ترمي شرارات حمئة، وشهيتها مفتوحة للسطو والقتل والانتقام.

كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية