«جمر وتمر» للبحريني حسن أبو الحسن: القصة القصيرة وجماليات إيقاع العصر

حجم الخط
0

تتشكل الواقعية القصصية بتشكيل عالم جمالي شبيه بالواقع قائم على المحتمل والممكن. فهي تقدم نماذج اجتماعية شبيهة بالراهن وترسم فضاءات مألوفة. لكن القصة القصيرة قد تسعى إلى تعميق صلتها بالواقع وثقافته وعوالمه. فهي لا تنفصل عن إيقاعه ومظاهره.وهو ما تؤكذه هذه المجموعة. فأقاصيص « سرد وتمر» للكاتب البحريني حسن أبو الحسن تنتمي إلى السرد الواقعي الذي يحمل بصمات الواقع، ملتقطة صورا طريفة من اليومي، قائمة على بناء يعتمد نموذج الشخصية المهيمنة على القصة وهي من سمات القصة القصيرة. فنحن أمام شخصيات تعيش ورطتها ولحظتها المحرجة، ينزع عنها الكاتب هالتها ويجعلها في مواقف صعبة أمام المجتمع. وهو ما يفتح الباب لخطاب ساخر تنطوي عليه هذه القصص. لكنها سخرية مرّة. فنحن أمام قصص تمزج الهزل بالجد والمؤلم بالمضحك والموجع باللذيذ. وهو ما توحي به عتبات المجموعة.

حديث العتبات

ترد عتبات هذا العمل منسجمة وقائمة على رابط ما وهو ما يزيد إصرارنا على كونها عتبات دالة تستبق النص، تقول رسالتها بدورها. فهي تخضع لتلك الثنائيات واضحة الملامح.
فعنوان هذه المجموعة قائم على ثنائية متناقضة، تتشكل من معجمين مختلفين، معجم اللذة والجنة التمر.( فهذه الثمرة تحظى بنوع من القداسة ووردت إشارات قرانية كثيرة إلى كونها من مكونات الجنة على غرار قوله تعالى في سورة البقرة «جنة من نخيل وأعناب « ) وأما المعجم الثاني فهو معجم النار (الجمر..).
والحقيقة أنّ هذه البناء الثنائي يبدو لنا في مختلف عتبات العمل من إهداء وعناوين داخلية للقصص وهو يدعم هذا التوجه الذي يقوم عليه هذا السرد. ففي الإهداء تتقابل الجذوع والثمار والأمس واليوم:
« إلى الجذور، إلى الجذع، إلى الثمر، إلى الأمس واليوم وابتسامة القمر…»
وعلى هذا المنوال تأتي عناوين القصص مركبات عطفية يجمع بينها حرف الواو… سلامة وسعود الطيب/أبو عماد والخيمة/ سليمان وباخرة جبل سورا/ المحسن وصفصاف أوجي… ألخ ).
تبدو هذه المجموعة القصصية ثريّة بالاهتمامات وحاملة دلالات كثيرة لكننا سنقصر اهتمامنا في هذا المقال على ظاهرة من ظواهرها وهي الاحتفاء بإيقاع الحياة المعاصرة. فهذه القصص تثري معاصرتها بالتقاط أصوات العصر إثراء للمشهد السردي.

إيقاعات العصر

يواكب السرد في هذه المجموعة العالم الخارجي واهتماماته ونمطه. فتقتحم الوسائل الاتصالية الحديثة السرد، حاملة ضجيجها وتضاربها وأوهامها. فإذا نحن على سبيل المثال أمام مظاهر الثورة الاتصالية وإرباكاتها.
« تناقلوا حكايته مع سلامة في مواقع التواصل الألكتروني ودون تروّ أشاروا إليه بالاسم وبمكان الإقامة. تسارع مستخدمو برنامج «واتساب» إلى تبادل الخير دون التأكد من صحته وكثير من المهووسين باستخدام الهاتف المحمول تسابقوا في بث الخبر وتوزيعه على مجموعاتهم»…
لكن زماننا ليس زمان الاتصالات بل هو زمن الخبر العاجل الذي تطلقه وكالات الأنباء ويشغل الناس:
«عم الهلع و الجزع بين أبناء أم الزرانيق بعدما بثت جميع وكالات الإنباء المحلية والخارجية والعربية والأعجمية نبأ رسميا يحذر من قرب ريح صرصر…»
ويشير الكاتب في قصة أخرى إلى موضة العصر الرياضية ذاكرا «ميسي» و«رونالدو» ومشيرا إلى أبرز معلقي العصر ممن تنتشر أصواتهم في كافة المنطقة العربية.
« يهيمون في حبه مثل المتيمين كلما لاح لهم رسمه على شاشة التلفاز وجمعوا صوت المعلق الرياضي الجزائري حفيظ الدراجي يجلجل ويصف جمال أهدافه ويلهج باسمه…أو كلما نما إلى أسماعهم صوت زميليه التونسيين عصام الشوالي ورؤوف خليف يتغزلان بسحره غير الطبيعي…»
ومن مظاهر هذا الاحتفاء بالعصر ورموزه استدعاء أسماء الفنانين المشهورين من الأجيال المعاصرة.
« يستمعان إلى أغنيتهما المفضلة للمطربة الكويتية توال وكيف كانا يتراقصان بحيوية على أنغام أغنيات راشد الماجد وعمرو ذياب والمطرب العراقي حاتم…»
هذه المظاهر المختلفة تجعل الخطاب السردي يتفاعل مع الراهن، مسجلا بعض التناص الاجتماعي وهو غير التناص اللغوي. بل هو ذلك التناص الذي تحدث عنه بيار زيما أحد أقطاب السوسيونصية. ولعل هذا التوظيف الواضح لهذه المكونات يمكن اعتباره مدخلا إلى عوالم هذه المجموعة وهي محاولة لكتابة العصر وتصوير عالم اليوم بطريقة ساخرة. فهذه الوسائل الاتصالية التي تشغلنا صارت فاعلا رئيسيا في ذواتنا وواقعنا بل غدت نوعا من المرض. فهي وسائل تبعث فينا اللذة والمتعة لكنها تصنع الكثير من الألم.

كاتب تونسي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية