تداعيات فوز بايدن على قضيتنا

حجم الخط
1

يرى البعض من الفلسطينيين والعرب، أن نجاح جو بايدن في الانتخابات الأمريكية، قد يعرقل خطط ترامب، ويؤجل «صفقة القرن» في المنطقة، بينما يؤكد آخرون، أنه لن يحدث فارق كبير في ظل سياسة واشنطن الداعمة للكيان الصهيوني.
والملاحظ أن بعض المعلقين السياسيين والصحافيين الإسرائيليين يرون أن نجاح بايدن سينعكس سلباً عليها، مثل حيمي شاليف، الذي نشر مقالة في «هآرتس» 21 أكتوبر الماضي، بعنوان «نجاح بايدن سيكون سيئا لإسرائيل». أما الصحافي بن كسبيت فقد كتب في «معاريف» 8 نوفمبر الحالي: «أن سقوط ترامب هو سقوط للمستوطنين» وأن ما حصل في أمريكا ليس انتصاراً لبايدن، وإنما هزيمة ساحقة لترامب المخلص لإسرائيل». من جانبه أعلن إلداد شافيت رئيس «معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب» في تصريح له: «أن نجاح بايدن يثير غضبنا وغضب نتنياهو تحديداً، ولا يمكننا التغاضي عن تصريحاته – حتى السابقة منها- صحيح أن له شخصية مألوفة بالنسبة للطبقة السياسية في إسرائيل، وهي ترتاح للتعامل معه، لكننا نرفض إقامة دولة فلسطينية، فهي ستشكل أكبر خطر على وجود دولتنا، كما أن قيادتنا السياسية ومعظمنا كإسرائيليين يؤمنون بأن حقوق الفلسطينيين تتمثل في الحكم الذاتي فقط، ونعتقد، أن السيطرة التامة والسيادة المطلقة على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية يتوجب أن تكون لإسرائيل.
ويقول شافيت: إنا أعبّر عن وجهات نظر غالبية الإسرائيليين. نعم، خلال فترة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، كان همّ الإعلام الإسرائيلي بمختلف فروعه تمجيد ترامب، وتعداد خدماته وفضائله على إسرائيل باعتباره – من وجهة نظر هذا الإعلام ـ الرئيس الأفضل لإسرائيل من بين كل الرؤساء الأمريكيين، الذين تعاقبوا على هرم الإدارة الأمريكية. نؤكّد أن هذا الاعتقاد يجافي الواقع الملموس، فكلّ الرؤساء الأمريكيين، بدءًا من هاري ترومان 1945، وهو الذي هيّأ في الأساس لقيام دولة إسرائيل في مؤتمر بوتسدام المعقود عام 1945 (بحضوره وستالين وتشرشل). وأعلن الاعتراف الأمريكي بإسرائيل بعد 11 دقيقة من إنشائها.
لذلك نقول منذ ترومان وصولاً إلى الرئيس ترامب، كان أحد الأهداف الرئيسية لكلّ رئيس أمريكي، دعم إسرائيل وتقديم كافة أنواع المساعدات لها، ماليا وتسليحيا، واستخباراتياً وسياسيا. وتم تقديم عشرات مليارات الدولارات لها منذ إنشائها، وتتلقى سنويا ما يقارب 121 مليار دولار.

بايدن مثل كل الرؤساء الأمريكيين الذين يعتبرون إسرائيل الدولة الحليفة الأولى للولايات المتحدة

وتمّ الاتفاق رسميًا بين إسرائيل وأمريكا على منح الأخيرة لتل أبيب مساعدات عسكريّة بقيمة 38 مليار دولار في السنوات العشر المقبلة، ويُعتبر هذا المبلغ من أكبر المبالغ التي تتلقاها إسرائيل من واشنطن منذ إقامتها عام 1948. فمنذ ذلك التاريخ، أصبحت أكبر متلق للمساعدات الخارجية من الولايات المتحدة. ويفيد تقريرٍ صادر عام 2014 عن خدمة أبحاث الكونغرس تحت عنوان «مساعدات الولايات المتحدة الخارجية لإسرائيل» الذي يسلط الضوء على الدعم التاريخي الأمريكي، فتح الاعتمادات الحالية لها لتمويل الدفاع والمجالات الرئيسية للتعاون العسكري. كما تشمل نتائج تقرير عام 2014، على أنه في عام 2007 أنشأت إدارة بوش حزمة مساعدات عسكرية لإسرائيل تمتد لـ10 سنوات، بمقدار 30 مليار دولار للسنوات المالية 2009 وحتى عام 2018. وقد وفت ميزانيات إدارة أوباما بهذا الالتزام، فخصصت 3.1 مليار دولار للعام المالي 2014، والمبلغ نفسه المطلوب للعام المالي 2015 تم دفعه لها. وبهذا شكّل التمويل العسكري الأجنبي الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل في العام المالي 2015 ما يقرب من 55% من التمويل العسكري الأجنبي الكلي للولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، وموّل 23% – 25% من الميزانية الكلية لوزارة الدفاع الإسرائيلية. هذه النسب تبين بشكل واضح التزام الولايات المتحدة بأمن حليفتها الأولى، واعتماد إسرائيل بالكامل على الدعم الأمريكي لها، عدا عن إمدادها بأحدث أنواع الأسلحة المتفوقة، والتكنولوجيا الأمريكية الجديدة.
بايدن يتعهد بالحلّ العادل للصراع العربي ـ الإسرائيلي، وضرورة إنصاف الفلسطينيين، تماماً كما وعد غيره من مرشّحي الرئاسة الأمريكية من قبل، أثناء حملاتهم الانتخابية، وأثناء الرئاسة، ولكن القول هو غير الفعل العملي (التنفيذ) وأكبر مثل على ذلك الرئيس الأسبق باراك أوباما، فقد وصل به الأمر إلى تحديد موعد لإقامتها، لكن أوباما، الذي تسلّم الحكم من عام 2009 ـ 2017- أي على مدى فترتين ولايتين- ذهب بعد أن أنهى حكمه، ولم يفعل شيئاً جدّيا لإقامة هذه الدولة. كما سبق لأوباما أيضا، وأن وصف «مبادرة السلام العربية» التي صدرت عن قمة بيروت عام 2002، بأنها مبادرة بنّاءة وبنودها «إيجابية جدا» وتضع تصوراّ شاملاً للسلام، بما في ذلك إقامة دولة للفلسطينيين، لكن هذا التقييم الإيجابي ذهب أدراج الرّياح! ولم يتحقق ما وعد به، رغم أن فترة رئاسته امتدت لسنوات تعتبر طويلة نسبياً، نال خلالها جائزة نوبل للسلام.
لقد أشار إلداد شاتيف إلى قول بايدن «ضرورة التنبّه إلى حلّ محنة الفلسطينيين» وقال بأن «فكرة تترسخ لدى الكثير من المراقبين السياسيين الأمريكيين والإسرائيليين، بأن بايدن الديمقراطي قد يمسك العصا من المنتصف في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل». بايدن مثل كل الرؤساء الأمريكيين الذين يعتبرون إسرائيل الدولة الحليفة الأولى للولايات المتحدة، وهي الملزمة بوجودها وتفوقها العسكري على كافة الدول العربية. وهذا مثبّت في الاتفاق الاستراتيجي الموقع بين الجانبين، الذي أصدره ورسمه الرئيس جورج بوش الابن عام 2004، وليس بإمكان بايدن الإخلال به، فهو نجح أولا وأخيرا بتحالف رأس المال الصناعي والإيباك كعاملين مؤثّرين جداً في إنجاح الرئيس الأمريكي، ومن بينهم بايدن بالطبع (فهو لا ولن يشكّل استثناءْ عن الرؤساء الآخرين. إنه يملك أوطد العلاقات مع إسرائيل، ففي أول زيارة له لإسرائيل عام 1973 (وبعدما التقى رئيسة وزرائها حينها غولدا مئير التي حدثته بالتفصيل مثلما تقول المصادر الإعلامية العديدة، عن التهديدات الأمنية التي تواجهها من العرب، وصف بايدن مئير لاحقا، بأنها من أفضل القادة الإسرائيليين وأنبلهم وأكثرهم إنسانية، وهي جادّة في دعواتها للسلام مع العرب، وبأن اجتماعه بها كان الأفضل لترسيخ العلاقة بين البلدين، وزيادة الالتزام الأمريكي بوجودها. كما ظلّ بايدن خلال أربعين سنة من مسيرته السياسية، مدافعا قويا عن إسرائيل وأهمية وجودها في المنطقة. كما أن أكثر فترة عُرف فيها دعمه للدولة الصهيونية كانت خلال عام 1986 حين قال بأنه «إذا لم تكن «إسرائيل موجودة، فستضطر الولايات المتحدة إلى إيجادها لحماية المصالح الأمريكية في عموم المنطقة». مضيفا في تصريح له لوكالة الصحافة الفرنسية «نحن نحب الأشخاص الذين يحبوننا». ولهذا اعتبر شاتيف، أن بايدن سيكون رئيسا أمريكيا لإسرائيل. هذا هو بايدن.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول رجا فرنجية:

    ألشكر للدكتور فايزرشيد على رؤيته بخصوص موقف بايدن تجاه أسرائيل. وماذا يمكن لنا ان نتوقع من شخص قال «إذا لم تكن «إسرائيل موجودة، فستضطر الولايات المتحدة إلى إيجادها لحماية المصالح الأمريكية في عموم المنطقة».

إشترك في قائمتنا البريدية