الرباط – «القدس العربي»: شكل الزعيم المغربي عبد الإله بن كيران جرس إنذار لمخاطر تهدد بلاده وحزبه منذ إبعاده عن رئاسة الحكومة وعدم تجديد قيادته لحزب العدالة والتنمية ذات المرجعية الإسلامية، وناقداً شرساً لمظاهر أو سياسات أو قرارات حزبية أو حكومية، يعتقد أنها خاطئة.
ورغم ما يتعرض له من هجمات، أحياناً لا أخلاقية، إلا أنه يواصل ما يعتقد أنه دوره، خاصة وهو مطمئن لنظافة يده وصفاء أخلاقه ووضوحه وصراحته وأسلوبه الساخر الجذاب للمتلقي، حتى وهو رئيس للحكومة (2011-2017)، حيث كان يتجاوز أو يتجاهل أو ينسى أنه في موقع الرجل الثاني في دولة تعتمد كثيراً على تبليغ الرسائل بتحفظ.
بن كيران لا يغيب إلا ليظهر، إن كان من خلال تأبين صديق يلقي كلماته برسائل واضحة لأصحاب الحال، أو لقاء حزبي يتحدث فيه وهو مدرك أنه يبث مباشراً عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وكثيراً ما أدت كلمات بن كيران إلى أزمات حكومية دون أن يأبه بذلك وما يسببه من إحراج لصديقة ورفيقه سعد الدين العثماني رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، إن كان بالهجوم على أحزاب حكومية أو أحزاب مثيرة للجدل يراها تتهاوى، ومن خلف شاشة «فيسبوك» نجح بن كيران في وقف مشروع حكومي لفرنسة التعليم.
عبد الإله بنكيران أطل عبر «فيسبوك» أول أمس السبت، بالهجوم على مظاهر لاأخلاقية يعرفها حزبه ووصف بعض أعضاء الحزب الذي يرفع لواء المرجعية الإسلامية، بدون أن يسميهم، بـ»المتحرشين» بالأخوات، و»البانضية» (الزعران) و»ميخيات» (الفارغين) الذين لا يهمهم سوى المناصب والظهور على التلفزيون. وقال إن هؤلاء يتهافتون على المناصب ويحلمون بالظهور على التلفاز فقط، داعياً إياهم إلى الخروج من الحزب أو إخباره لكي يخرج منه، «الإخوان الا بغيتو هادشي خرجو من هذا الحزب أو قولوها لينا نخرجو» (أيها الأخوة، إذا أردتم هذا فاخرجوا من الحزب أو قولوها لنا لكي نخرج).
وأوضح بنكيران، في لقاء مع شبيبة حزبه في الدار البيضاء، بث على صفحته الرسمية، أن ثروة حزب لا تمنحه ثقة المواطنين، «بإمكانهم استعمال المكر والخديعة وتقديم مبالغ مالية تتراوح ما بين 500 و1000 درهم من أجل كسب الأصوات»، ولكن «حينما تكون المبادئ قوية فإنها تقتلع التخلويض (التلاعب)»، لأن الثروة لا تعني الثقة، حتى وإن «قلت للناس بحراً من الكلام، لأن الخصوم عليهم استيعاب أن الإخلاص والنية هما الأساس».
وأضاف بن كيران، موجهاً كلامه لمنافسي حزب العدالة والتنمية: «إنهم حاولوا مرات عديدة وبكل الأشكال التفوق على حزبنا دون أن يتمكنوا من الفوز في انتخابات 2015 و2016″، مضيفاً: «لُخْرِينْ عْيَاوْ مَا يْنْقْزُو (الآخرون تعبوا وهم يتقافزون) ولم يربحوا انتخابات 2015 و2016.. واش ربحتوها؟ واشْ رْبَحْتُوها بالمكر والخداع؟.. الله فقط كان سندنا».
وأبرز الزعيم السابق لحزب العدالة والتنمية أن الشعب هو الذي يمنح النقطة النهائية للحكومة، فهو الذي «منحني 125 مقعداً في 2016 بعدما حصلنا على 107 مقاعد في 2011». هذا غير طبيعي بعد نهاية الولاية الحكومية، ويؤكد أن الناس قدروا ما قمنا به، رغم مسيرة ولد زروال وتخويف الناس بالإصلاحات التي قمنا بها في التقاعد والمقاصة، والحديث عن المس بالقدرة الشرائية للمواطنين (…) انتهى الكلام». وأضاف: «كم عضواً في الحكومة لا يتعرف عليه أحد في الشارع أو لا يبالي بوجوده حتى عندما يعرفه، لكن حينما تقوم بمحاولة الإصلاح في تاريخ البشرية جمعاء تبقى لك الخصوصية والمعنى، فلحد الآن نحن جيدون، حتى حكومتي كان فيها نزول وصعود، والحكومة الحالية سنحكم عليها في النهاية، لأن العبرة بالخواتيم».
وأشار بن كيران، في كلمته، إلى أن أهمية تسيير الحزب للحكومة منذ العام 2011 لا تكمن في السعي نحو المناصب والامتيازات المادية فقط، بل في مدى مساهمتك في الإصلاح، وحزبه ساهم في الإصلاح، و»إذا كنّا سنستمر فإننا لن نهتم بملء الكراسي الفارغة فقط»، وأكد أن حزبه «أصلح فساد السياسة، لأن هنالك أشياء كثيرة تغيرت في المغرب، حيث تطبق حالياً إصلاحات تم إقرارها سلفاً في الحكومة السابقة، لكن البعض لم يرغب في أن تُنسب إليّ، لكن المهم أنها خرجت إلى حيز الوجود». ودعا أعضاء شبيبة حزبه إلى التحلي بالأخلاق والإخلاص، وعدم الاهتمام بالمناصب فقط.
وقال بن كيران إن الانتماء إلى العدالة والتنمية يعني الإخلاص والتحلي بالأخلاق، وليس الاهتمام بالكراسي فقط: «أنتم ملح السياسيين، ولذلك يجب أن تصلحوا فساد السياسة»، وإن استمر الحزب ولم يقع حله من طرف الدولة أو حل نفسه، فلا يجب أن يستمر لملء المقاعد الفارغة فقط، لكن كيف سنحافظ على هذا النفس ونستمر كأداة للإصلاح في المجتمع؟».
وقال أيضاً: «حزب العدالة والتنمية إن كان سيستمر- وإن كان ممكناً أن تحله الدولة أو يحل نفسه، ولكن الصواب أنه سيستمر- فهل سيستمر لملء الكراسي الفارغة، أم ليكون فقط في الواجهة ويظهر في التلفاز ويقوم بالتدبير العادي؟».
ولم ينس بن كيران توجيه قذائفه باتجاه حزب الأصالة والمعاصرة الذي أسس 2008 ليقف أمام مد وتوسع حزب العدالة والتنمية ويعيش في هذه الأيام صراعات علنية تهدد وحدته، وقال: «هم الآن يأكل بعضهم بعضاً»، وأضاف: «يجب الاعتراف بالدور الذي قام به الحزب، وكذلك دور بن كيران، حيث وقفنا ضد هؤلاء الناس (البام) حتى أظهرهم الله على حقيقتهم»، مضيفاً: «ما دام الله لم يمكنهم من رقاب العباد، ها هم يأكلون بعضهم»… “إذا كانت تمخمية يكونون متفاهمين، وإذا نشفت القضية يدور بعضهم في بعض”.
وأكد أن حزبه «تمكن من الفوز في انتخابات 2016، برغم قولهم أن بن كيران تهجم على القدرة الشرائية وقام بإصلاح التقاعد وصندوق المقاصة على حساب المواطنين، لكن المواطنين أدركوا أن ما قمت به في صالحهم، لذلك عجبهم الحال وصوتوا لي رغم الحملة ومسيرة ولد زروال وحركات الخاسئة كلها، ورغم الحزب المعلوم الذي ترون ما ترون منه اليوم».