المقدسيون: إسرائيل حاولت محو هويتنا الوطنية وفصلنا عن الضفة الغربية في الـ 30 سنة الأخيرة

حجم الخط
0

الفلسطينيون في شرقي القدس الذين أجريت معهم مقابلات لصالح هذا البحث، يقولون إن سياسة إسرائيل التي اتبعتها في المدينة خلال العشرين – ثلاثين سنة الأخيرة كان لها هدفان رئيسيان؛ الأول، فصل سكان شرقي القدس العرب [المقدسيين] عن الفلسطينيين في الضفة الغربية. الثاني، محو الشعور بالهوية الوطنية الفلسطينية لدى سكان شرقي القدس. ولأنهم يتعاملون مع “سياسة إسرائيل” بمفاهيم أكثر عمومية، فإن الأدبيات التي أصدرها القطاع الثالث الفلسطيني في شرقي القدس، إلى جانب أعمال منظمات إسرائيلية في اليسار السياسي، منها “عير عاميم” و”السلام الآن”، تدل على أن أربعة خطوط سياسية محددة هي الأساس لمشاعر هؤلاء الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات:
1- بناء أحياء في شرقي القدس بعد العام 1967.
2- إقامة جدار الفصل.
3- شريحة الميزانية البلدية المخصصة للأحياء العربية في شرقي القدس.
4- سياسة إسرائيل في كل ما يتعلق بالتربية والتعليم في شرقي القدس.
سكان شرقي القدس العرب يدعون بأن خطوط هذه السياسة أثبتت نجاعة كبيرة في تحقيق الهدفين الرئيسيين اللذين ذكرا آنفاً. ولكنهم يقولون أيضاً بأن هذه السياسة أدت إلى تطوير اقتصادي متدن، ولامبالاة سياسية، وتشاؤم بخصوص المستقبل في شرقي القدس، لا سيما في أوساط الشباب في المدينة.
حسب ادعائهم، النتيجة هي عدد متزايد من الشباب في شرقي القدس، الذين يكبرون بدون هدف واضح في حياتهم ويسعون إلى التمسك بمعنى معين. حسب قولهم، الكثير من هؤلاء الشباب يجدون المعنى الذي بحثوا عنه في الدين، لا سيما في المسجد الأقصى، الذي -حسب رأيهم- تحول إلى رمز الحركة الوطنية الفلسطينية. هم يقولون إن الحرم مهم؛ لأنه لا يمثل الحركة الوطنية فحسب، بل هو موقع ديني ورمز لن تنجح أي سياسة إسرائيلية في أخذه منهم. لذلك، عندما تقوم إسرائيل، عقب الظروف الأمنية، بنشاطات داخل الحرم، مثل فرض القيود على الصلاة أو إزعاج المصلين هناك، يرون في هذا تحدياً، لأنهم يخشون من أن تقوم إسرائيل بمحو البقايا الأخيرة لهويتهم الوطنية.
القصة التي يرويها الفلسطينيون من سكان شرقي القدس، منطقية. ولكنها ترتكز، تقريباً بشكل كامل، على مشاعرهم تجاه الوضع في شرقي القدس وغير مؤكدة بصورة تجريبية. هذا التأكيد يعني الحصول على جواب على الأسئلة الخمسة التالية:
1- هل يعاني سكان شرقي القدس من تطوير اقتصادي متدن؟
2- هل يظهر سكان شرقي القدس عدم الثقة بشخصيات حاكمة وبالسلطات؟
3- هل يبدو أن سكان شرقي القدس غير مبالين من ناحية سياسية؟
4- هل حدث ارتفاع في مستوى التدين الشخصي وأهمية المسجد الأقصى لدى سكان شرقي القدس في العشرين – ثلاثين سنة الأخيرة؟
5- هل حدث ارتفاع في عدد العمليات الإرهابية التي انطلقت بشكل واضح من شرقي القدس؟
الهدف الرئيسي لهذا البحث هو الإجابة عن هذه الأسئلة. في البداية، يتم وصف أربعة خطوط للسياسة التي تم ذكرها آنفاً، والتي ربما ساهمت في النتائج الاقتصادية – الاجتماعية في شرقي القدس، والمرتبطة بهذه الأسئلة الخمسة. بعد ذلك يتم إيراد بيانات من استطلاعات للرأي العام، المرتبطة بالأسئلة الاربعة الاولى من بين الأسئلة الخمسة التي طرحت، وكذلك بيانات من أبحاث طويلة عن العمليات الإرهابية في القدس بين الأعوام 2000 – 2023، مع التأكيد على الأعوام 2010 – 2023. تدل النتائج أن الإجابة عن الأسئلة الخمسة هي “نعم” بدرجة كبيرة. باختصار، يبدو أن معظم مكونات القصة التي يرويها الفلسطينيون من سكان شرقي القدس، إذا لم يكونوا جميعهم، سارية المفعول. على خلفية ذلك، ثمة هدف آخر للبحث، وهو تقديم توصيتين سياسيتين محددتين تستطيع حكومة إسرائيل تبنيهما لمكافحة التخلف الاقتصادي واللامبالاة الاقتصادية والاجتماعية وتعزز الدين في شرقي القدس، وذلك من أجل تقليل العمليات الإرهابية ضد الإسرائيليين وتحسين الوضع الأمني في الدولة.
خطوط السياسات والنتائج
يركز هذا الجزء على أربعة خطوط للسياسات بخصوص شرقي القدس، وبعد ذلك سنورد وصفاً للوضع في الأحياء العربية في شرقي القدس.
إقامة أحياء يهودية جديدة وتوسيع الأحياء القائمة
منذ العام 1968 بنت إسرائيل 13 حياً جديداً في شرقي القدس، آخرها في جبل أبو غنيم، الذي استكمل في العام 2002. إذا كان الأمر هكذا، فلم لهذه الأحياء تأثير أكبر على الفلسطينيين في شرقي القدس الآن، وبماذا يختلف الوضع عما كان عليه في الوقت الذي أقيمت فيه؟ لهذا السؤال إجابتان: الأولى، كما رمز إليه وصف هذه الأحياء “أحياء الطوق”، وهي أن يدور الحديث عن أحياء تخلق طوقاً حول غربي القدس، وتعزل الأحياء الفلسطينية في شرقي القدس. مثلاً، الأحياء الفلسطينية مثل شعفاط في شمال المدينة وبيت صفافا في جنوبها، تم عزلها فعلياً عن الجدار الغربي عن طريق الأحياء اليهودية “غيلو” و”جفعات همتوس”. تظهر أحياء الطوق هذه في الخارطة التي حررتها الـ “سي.آي.ايه”. المنطقة التي لونت باللون البني القاتم تظهر غربي القدس، أما الأحياء الفلسطينية في شرقي القدس فلونت بالبيج، ويمثل اللون الأزرق أحياء الطوق. وثمة مناطق صغيرة أخرى ملونة باللون الأزرق في الخارطة (مثلاً الوزارات الحكومية)، لكن النقطة الرئيسية أن هذه الأحياء تخلق طوقاً حول غربي المدينة.
ثانياً، عندما تواصل البناء الإسرائيلي في هذه الأحياء خلال السنين، لم يجار توسع الفلسطينيين هذه الوتيرة، خاصة أنه من بين 57.737 وحدة سكنية صودق عليها برخص بناء في الأعوام 1991 – 2018 لليهود، لم تتم المصادقة للبناء في الأحياء الفلسطينية سوى على 16.5 في المئة (9536 وحدة سكنية، في حين أن 37.8 في المئة (21834 وحدة سكنية) تمت المصادقة عليها للبناء في الأحياء اليهودية خلف الخط الأخضر. 45.7 في المئة (26367 وحدة سكنية) تمت المصادقة على بنائها في غربي القدس (حركة “السلام الآن”، 2019). هذه التوجهات استمرت أيضاً مؤخراً مع الـ 23.097 خطة ومناقصة، تمت المصادقة عليها لأحياء يهودية خلف الخط الأخضر في العام 2022. هذه البيانات تعرض زيادة تبلغ 58.19 في المئة مقارنة مع السنة الماضية، وزيادة تبلغ 300 في المئة تقريباً منذ العام 2017. مع ذلك، الكثير من الخطط التي تم دفعها قدماً في 2022 استهدفت التحديث الحضري، لذلك، قد لا توسع مساحة الأحياء فعلياً (الاتحاد الأوروبي، 2023).

جدار الفصل
في ذروة الانتفاضة الثانية وبهدف علني لوقف موجة الإرهاب القادمة من الضفة الغربية، بدأت إسرائيل في إقامة جدار الفصل (سمي أيضاً الجدار الأمني). وقد ساهمت إقامته في خفض عدد ووتيرة العمليات الإرهابية ضد الإسرائيليين (دمبر، 2014). مع ذلك، أقيم الجدار بدون تطابق بين حدود القدس البلدية، والجدار.
لذلك، نتج لدينا نوعان من الجيوب: مناطق خارج جدار الفصل ولكنها مشمولة في حدود بلدية القدس؛ ومناطق داخل حدود الجدار الأمني ولكنها خارج حدود الولاية القضائية للبلدية. جيوبها – التي يعيش فيها 120 – 140 ألف نسمة – هي الجيوب الرئيسية الموجودة خارج الجدار الأمني، لكنها توجد داخل حدود الولاية القضائية لبلدية القدس (كورين، 2019):
1- مساحة تبلغ 500 دونم لمحيط الولجة في جنوب القدس، بما في ذلك المساكن.
2- منطقة تبلغ مساحتها 900 دونم في شمال القدس تضم مخيم شعفاط للاجئين، وحي رأس خميس ورأس شحادة، وضاحية السلام. البناء في هذه المناطق مكتظ جداً مع مبان كثيرة.
3- منطقة تبلغ مساحتها 1300 دونم في شمال القدس، وتضم منطقة كفر عقب والمتر والزغير وقلنديا. المناطق التي هي داخل مسار الجدار ولكن خارج حدود البلدية، تضم نحو 7 آلاف نسمة، وتمتد على مساحة تبلغ 9690 دونماً. وتضم “هار غيلو”، ووادي الحمص، والمنطقة الواقعة شرق حي “نفيه يعقوب” (كورين، 2019).
تخصيص الميزانيات للأحياء الفلسطينية في شرقي القدس
الإسرائيليون والفلسطينيون أيضاً يعترفون بأنه قياساً مع أحياء بحجم مشابه في إسرائيل، فإن الأحياء الفلسطينية في شرقي القدس حصلت بشكل ثابت على ميزانيات بالحد الأدنى (اسمر، 2018). على سبيل المثال، في 2013 قدرت جمعية “عير عاميم” أن بين 10.1 – 13.6 في المئة من ميزانية البلدية استثمرت في شرقي القدس رغم أن نحو 36.9 في المئة من سكان المدينة يعيشون في هذه المنطقة (“عير عاميم”، 2014). في 2018، وبدرجة كبيرة استناداً إلى الفهم بأن الحفاظ على السيادة في شرقي القدس يعني تحمل المسؤولية عن جودة حياة السكان المحليين. طلب صائغو سياسة إسرائيليون علاج هذه الفجوة في ميزانية البلدية، وتبنوا قرار الحكومة رقم 3790 الذي يخصص 2.2 مليار شيكل خلال خمس سنوات لعشرة قطاعات مختلفة، على رأسها التعليم والتعليم العالي، والاقتصاد والتشغيل، والمواصلات، والخدمات للمواطنين ومستوى المعيشة، والصحة، وتسجيل الأراضي في شرقي القدس (داغوني، 2022).
بعد ذلك، أدى اتخاذ القرار 3790 إلى تحسين حقيقي في شرقي القدس، مثل شق “الطريق الأمريكي الجديد” (طريق الطوق الشرقي) الذي يربط الأحياء في جنوب شرق المدينة مع بنية مواصلات متشعبة، التي كانت حتى الآن متاحة لغربي المدينة فقط؛ وإقامة مدرسة “ألفا” المجهزة بشكل جيد في بيت حنينا؛ وإقامة حديقة عامة جديدة خلف بوابة هورودوس (حسون، 2021). الخطة التي نبعت عن القرار 3790 تنتهي في نهاية العام الحالي. وفي 22 أيار 2023 تم شطب خطة أحدث وأوسع مع أهداف مشابهة وميزانية تبلغ 4 مليارات شيكل، من جدول أعمال الكابنيت، بالأساس بسبب معارضة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش. ورغم ذلك، يتوقع المهنيون الذين يعرفون عن الخطة، أنه سيتم تبني خطة أحدث وأفضل، وأن “الإلغاء الحالي سيتبين أنه ليس أكثر من عائق صغير في الطريق”. (حسون وفريدسون، 2023).
ديرك ليف
نظرة عليا 8/8/2023

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية