الشعر والقضية الفلسطينية: هل تراجع زمن القصيدة؟

حجم الخط
0

في خضم الأحداث المتسارعة التي تمر بها القضية الفلسطينية في الوقت الراهن كان مناسباً قراءة وجهات النظر المختلفة للشعراء والمثقفين على امتداد الوطن العربي، حول قدرة الشعر على مساندة القضية الفلسطينية؟ وكيف عبّر الشعراء العرب عن تداعيات ما يحدث الآن؟ وهل ما زال للقصيدة هذا التأثير القوي في ما تمر به القضية من مسارات جديدة؟
قضية متجذرة
تقول الشاعرة المصرية زينب أبو سنة: كانت وما زالت القضية الفلسطينية تشكل محوراً متجذرا في وجدان الشعر العربي، منذ أول حملة صليبية حطت على أرضها لاغتصاب حقوق الأرض والإنسان عليها، وتركت أثرا حضارياً وإنسانيا يشكلان مساحة شاسعة في اللغة الشعرية على امتداد الوطن الكبير، وما تزال في عصرنا منذ نكبة 48 إلى وقتنا هذا تمثل هذا التجذر بقوة وعنفوان في قصائد الشعراء العرب، كنزار قباني ومحمود درويش وفاروق جويدة وعلي محمود طه وأمير الشعراء أحمد شوقي وحافظ إبراهيم والجواهري ومظفر النواب. وتقول أبو سنة في مطلع قصيدتها التي تتحدث فيها عن الجرح العربي في فلسطين:
جرحي كبير والجراح قضاء
قدر وقلبي غيمة عذراء
ما بين غزة والخليل ولهفتي
لا يستريح لوجنتيّ بكاء
حدقت في أرض العروبة لم أجد
وطناً يسر بوجهه النظراء
وطنا يرد الغاصبين بغيظهم
عنها ويعلو في يديه لواء

سلاح الكلمة

ويرى الشاعر السوري علي جمعة الكعود، أن الشعر العربي هو سيد الفنون وأكثرها تفاعلاً مع القضايا الإنسانية لما يمتلك من خصائص موسيقية وصور جاذبة للمتلقي. وقضية فلسطين كانت وما تزال محوراً مهماً من محاور الشعر العربي، وأغلب الشعراء العرب كتبوا عن فلسطين ولفلسطين. وما يحدث في غزة اليوم من قتل وتدمير ممنهجين، هو حافز كبير على صياغة أجمل القصائد التي كتبها شعراء لا يملكون سوى سلاح الكلمة، ليعبّروا به عن تضامنهم مع قضية العرب المحورية، فكانت تلك القصائد دموعاً ممزوجة بالدم، وما هز وجدان هؤلاء الشعراء كان له الأثر الكبير على وجداني الشعري، فكتبت قصيدتي (على أسوار غزة) ومنها:
بدم الإباءِ كليبُ يغتسلُ
والزيرُ بالحاناتِ منشغل
ويمامةٌ تبكي عروبتها
والحارثُ ابنُ عُبادَ معتزلُ
ذي غزّةٌ لكرامةٍ ذُبحتْ
هل ناقةٌ فيها وهل جملُ؟
أطفالها قُتلوا وأعينُهمْ
بالموت تهزأُ ما بها وجلُ
بذلوا الدماءَ فدى قضيّتهم
فليُسألِ الأعرابُ ما بذلوا؟
الشِعرُ لا ينهي مصائبهمْ
هو مثلُ كلّ الناسِ منفعلُ
حتّى الهتافاتُ التي ملأتْ
سمعَ الشوارعِ ما بها أملُ
والأبرياءُ قضوا كيوسفهمْ
والذئبُ غشّى وجههُ الخجلُ

دور الشعر الآن

أما الشاعر العراقي عباس السلامي، فيرى أنه من المؤكد أن القضية الفلسطينية وما يعانيه الشعب الفلسطيني من احتلال مقيت وقهر وعدوان وسلب الحقوق، وما يتعرض له من محاولات محو الهوية والتهجير هي من أكثر القضايا التي تشغل الأديب العربي بصورة عامة، والشاعر على وجه الخصوص، أضف إليها الهموم التي تعانيها الأمة الإسلامية والعقبات التي واجهتها وتواجهها الآن. وما يواجهه الشعب الفلسطيني اليوم من حرب ظالمة، في غزة وفي الضفة الغربية كان مدعاة لكل الأقلام الحرة الشريفة أن تنتفض وتساند لتساهم في مناصرة الشعب في محنته، وبدا هذا واضحا عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وفي مواقع التواصل الاجتماعي، فكلما اشتدت شراسة الهجمة الصهيونية على الفلسطينيين، تعالت معها الأصوات الشعرية المناصرة لقضية الأمة، والمدافعة عنها من أصوات وقنوات فضائية عربية المسمى وعبرية الهوى. لكنني أعتقد أن دور القصيد اليوم، ليس كما كان دوره في السابق.
ومن قصيدته (من صور الحرب) نقرأ:
البنادق في أيديهم
وصور الحبيبات والأبناء
في جيوبهم
جنود المعركة
***
على السلك الكهربائي
يتقافز العصفور،
وفوق رأس العصفور
تسقط القذيفة،
لم يبق من المشهد المروع هذا
سوى الظلام،
وزقزقات مذبوحة
***
العشب الأخضر
والأزهار المتفتحة للتو
هما أول ما تسحقه الدبابات
المتوجهة إلى الحرب
***
الجدار حزين
الجدار من فرط حزنه
يكاد أن ينقض!
آه!
الجدار لا يقوى
على حمل لافتات الحداد
***
أقتلُكَ لأبقى
أستعبدُك لأعيش
أخدعُكَ
لتستمر اللعبة!

أهم قضايا العرب

الشاعر المصري أحمد معروف شلبي، يرى أن القضية الفلسطينية هي أهم قضية للعرب والمسلمين، منذ أن عقد الغرب العزم على جعلها وطنا لهؤلاء المجرمين الذين أتوا من شتى الدول التي أرادت التخلص منهم. لقد واكب الشعر هذه المأساة منذ بدايتها في أشعار عبد الرحيم محمود وإبراهيم طوقان وعلي محمود طه، مرورا بما كُتب على مدار الحروب مع إسرائيل، فأشعار الجواهري وعمر أبي ريشة ونزار قباني ومعين بسيسو ومحمود درويش وسميح القاسم وأمل دنقل، كلها واكبت هذه القضية، بل إن من الشعراء من ارتبطت تجربته بها. ربما دارت محاور الشعر حول الحث على النضال، البكاء على تشريد الفلسطينيين، بيان إجرام المحتل، والرثاء لحال العرب من تخاذل وعدم نصرة إخوانهم. ولم يزل للشعر موقفه عند كثير من الشعراء من هذه القضية. أما أثر الشعر فهو أثر مثل أي أثر باقي الفنون من غناء وموسيقى وفن تشكيلي، فهو وسيلة الشاعر للتعبير عن هذه القضية، وسيلة للمقاومة التي هي فريضة على كل عربي ومسلم بما يملك من وسائل. ويقول شلبي في قصيدته «أهل التيه»:
فإنَّ التتارَ/اليهودَ/صليبيِّ
هذا الزمانِ/أتَوا كالجرادْ
فهم غاصبونَ، وهم قاتلونَ
وهم في الدُّنا ينشرون الفسادْ
ومِن خَلفِهم زُمْرةٌ من طُغاةٍ
يُغَذُّون أحقادَهم بالعَتادْ
أأمجادُهم: قتْلُ طفلٍ رضيعٍ
وهدْمُ مساجدَ فوقَ العبادْ؟
وإشعالُ مَشْفى، وتدميرُ مبْنى
ومحْوُ الحضارةِ في كلِّ وادْ؟
وأن يُحرقوا الشيخَ في بيْتهِ؟
وأن يَحْرموا الأُمَّ من كُلِّ زادْ؟
وأن يخنُقوا بالدخانِ الضياءَ
وأن ينشُروا في النهارِ السوادْ

قضيتنا الأولى

أما الشاعرة السورية ناهدة شبيب فتقول: ما زالت منذ فتحنا أعيننا على الحياة، قضية فلسطين هي قضيتنا الأولى، مهما تزاحمت الأولويات فما ابتسمت شفاه العروبة بعدها ولا جفت دمعة العرب. وكان أول من يستنفر قلمه الشعراء، حيث يختلط الحبر بدماء الشهداء، وينزف الحرف ليحفز الضمائر الغافية، ولطالما كانت الكلمة كحد السيف على الأعداء، فكانت القصيدة تسكين التناهيد واستنهاض الهمم. واليوم وبعد أعوام من الصمت العربي تنتفض غزة فتنفجر مشاعر الشعراء بعد ان ظننا أن الهمم قد ماتت، تخرج كتلة لاهبة تعيد القدس إلى الصدارة، رغم تزاحم الانكسارات. تقول شبيب:
سامحينا لم نكن نعلم أن العيب فينا
سامحينا لو بنا تستنجدينا
لو تأخرنا قليلا أو كثيرا فاعذرينا
أذنوا للنصر لكن قد غفينا
ليلة الأمس ثملنا ثم دار السكر فينا
وأقاموها صلاة
حيث كنا
نائمينا
بابنا كان ثخينا
فاصرخي كي تُسمعينا
نحن أقزام علينا
تعتبينا؟!
نحن كنا ميتينا
فاتقي شر خطانا نحن لسنا مرسلينا
واسمعي صوت بكانا من نحيب الخائفين
قبلة للنصر يا أنت فهيا أرشدينا
علمينا كيف في الأقصى نصلي
رغم أنف الغاصبين.

ليس تقصيرا من الشعراء

وأضافت الشاعرة المصرية فوزية شاهين قائلة: الشعر العربي ساند القضية الفلسطينية بالتفاف وجدان الشعوب حول تحرير فلسطين، وترسيخ فكرة المقاومة على مدار سبعين عاما، وقد اختلفت طريقة الكتابة في قضية فلسطين من جيل لجيل، حسب الظروف السياسية، فهناك قصائد كانت مقتصرة على الدراسات الأكاديمية ولم تخرج للشارع في احتجاج صريح، وهناك قصائد كانت محل احتجاج واضح مثل قصيدة (لا تصالح) لأمل دنقل، وهناك قصائد لجأ أصحابها إلى الترميز خوفا من الملاحقة الأمنية، ولم ينته الشعراء العرب من مساندة القضية الفلسطينية بشعرهم ولن ينتهوا. وقد عبر الشعراء عن تداعيات تلك القضية المحورية مؤخرا بغضب صريح متهما العالم كله بازدواجية المعايير، وأقيمت الأمسيات ليدلي كل شاعر بدلوه، لكن في الغرف المغلقة، ولم يصل الشعر العربي إلى الشارع في احتجاج صريح، فلم يعد للقصيدة العربية التأثير القوي في ما تمر به القضية من أحداث، وهذا ليس تقصيرا من الشعراء أو عيبا في القصيدة، لكن بسبب القيود المفروضة على الشاعر، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو التعبير في الشارع.. وتقول:
أطلق على الفينيقِ زخاتِ الرَّصاص
لا تجعلِ القلبَ المُهوَّدَ
أن يرقَّ
فهل ترقُّ لصيدِ غزلانِ النشامى
طلقةُ القناص؟
نفذ (بروتوكولَكَ) المنقوشَ
من زمنٍ
على ألواح (تلمود) المجاذيب ِ
الألى صلبوا السَّلامَ
بُعيدَ أن ذبحوا الحمامَ
فهل تَرى
من بعد تهويدِ الخرائط
كوَّةً منها الخلاص؟!
يوما سيُبعثُ من رمادِ الخلد
فينيقُ الجهادِ
لكي نراك َ
تجرُّ ذيلَ الخوف ِ
معكوفَ القوامِ
تَعَضُّ عكازَ الغرور ِ
وتنحني ذُلاً أمامَ الكونِ
هل نعفو؟
فلا
لم يبقَ في بنكِ التسامحِ
كرَّةٌ أخرى
فقف
طأطِئ جبينكَ للثرى
وارفع يديكَ
(ولاتَ حينَ مناص)

كاتب مصري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية