‘البدوي الملثم’ يعقوب العودات: دور تنويري في الحياة الثقافية الأردنية

حجم الخط
0

يعتبر يعقوب العودات واحداً من قادة الفكر التنويري في الأردن وهو رائد من رواد الفكر التنويري في الأردن وأديب ومفكر وبحاثة ومؤرخ وقاص ومترجم.
والعودات من مواليد مدينـة الكرك عام 1909م، وأما والده حنا العودات فهو أوّل رئيس لبلديّة الكرك في العهد العثماني ووالدته فهي هدباء بنت جابر العودات. لم يستطع يعقوب في بداية حياته- إكمال دراسته؛ إذ توقّف عند التعليم الابتدائي، فقد اضطرّ إلى ترك الدراسة التي تلقّاها في مدرسة طائفة الروم الأرثوذكس ومدرسة (إلاليانس)- الأمريكية، ومدرسة المعارف في الكرك بعد أن فقد والده، فمارس بعض الأعمال التجارية المتواضعة في حانوتٍ افتتحه بمدينة الكرك ليستعين بدخله على إعالة والدته وشقيقته، وفـي هذا الوقت درس على نفسه الإعدادية بمساعدة أساتذة المدرسة الأميرية في الكرك، واجتاز امتحان هذه المدرسة بتفوّق، ثم أتمّ المرحلة الثانويّة في إربد سنة 1931.
التحق العودات بالجامعة السورية في دمشق ـ جامعة دمشق حالياً- إلا أنّ ضيق ذات اليد حال بينه وبين إكمال دراسته فيها، فصرف النظر عن الدراسة إلى حين، والتحق بالوظيفة، فعيّن معلّماً في وزارة المعارف – وزارة التربية والتعليم حالياً- ومارس تدريس الأدب العربي والتاريخ في مدارس عمّان، وسوف، والرمثا، وجرش مدّة ستة أعوام، ومن ثم نُقل من سلك التعليم إلى رئاسة الوزراء بإيعازٍ من إبراهيم هاشم رئيس الوزراء آنذاك، وأوكلت إليه مهمّات كتابية خاصّة بمكتب الرئيس، ثم نقل سكرتيراً معاراً للمجلس التشريعي، وبعد ثماني سنوات أمضاها في الوظيفة الحكومية في شرقي الأردن استقال وسافر إلى القدس، ليعمل في قلم الترجمة التابع للسكرتارية العامّة لحكومة ففلسطين، وكان ذلك سنة 1944، وفي القدس تزوّج من نجلاء ابنة الصحافي الفلسطيني بولس شحادة، وعاصر النكبة الفلسطينية عام 1948، وعاد إلى شرقي الأردن مع أفواج اللاجئين الفلسطينيين، واستوطن مدينة الزرقاء، فمدينة عمّان، وفي هذه الآونة عيّن في ديوان المحاسبة بوزارة المالية مدّة عام واحد، ثم استقال، وسافر في سنة 1950 في رحلة علمية إلى المهاجر العربية في أمريكا الجنوبية، واستغرقت الرحلة مدة عامين ونصف العام. عاد على أثرها إلى وظيفته في وزارة المالية، وبقي فيها حتّى أحيل على التقاعد بناء على طلبه في أواخر سنة 1968، ثم سافر إلى الكويت للعمل في إحدى الشركات، ولم يلبث فيها سوى بضعة أشهر بسبب متاعب صحيّة، اضطرته للعودة إلى الأردن، حيث انصرف إلى التأليف.
وأما عن قصته مع اسمه الذي اشتهر به (البدوي الملثم) فهناك العديد من الروايات بهذا الشأن وأما الرواية التي شعرت بأنها الأقرب إلى نفسي فهي التي أوردها هاني الخير في جريدة الثورة السورية والتي يقول فيها :-
( اسمه الحقيقي يعقوب العودات ‘1971-1909’ كما تقول هويته الشخصية لكنه لم يعرف به في المحافل الأدبية والأوساط الثقافية وإنما اشتهر بلقب (البدوي الملثم) شأنه في ذلك شأن بدوي الجبل: ‘محمد سليمان الأحمد’ وزميله الشاعر اللبناني الأخطل الصغير: ‘بشارة الخوري’. وكان قبل أن يعتمد هذا اللقب أو الاسم المستعار الذي يسترعي الانتباه لأنه يذكرنا بالطوارق أبناء الصحراء في ليبيا والجزائر ينشر ما يجود به قلمه من مقالات وخواطر في صحف ومجلات سورية ولبنان وفلسطين بألقاب مستعارة نذكر منها: ‘أبو بارودة- أبو نظارات- نواف البدوي- غريب القدس’، وصادف ذات ليلة صيفية قمراء في مسقط رأسه ‘الكرك’ في الأردن بدوياً ملثماً بشملة على ظهر ناقة عظيمة الجثة تسير به مهرولة والعصا الغليظة في يده فراق له منظره العام وأثار في نفسه كوامن الشجون وهو المحب العاشق للعرب والعروبة وألق الصحراء فقرر أن يكون اسمه المستعار (البدوي الملثم) كان ذلك في حوالي عام 1927 على حد تعبير الراحل الكبير عبد الله يوركي حلاق صاحب مجلة (الضاد) الحلبية ). انتهى الاقتباس عن هاني الخير
والبدوي الملثم يعد من الرواد الذين دافعوا بقوة عن الحق العربي الفلسطيني قبل قيام الكيان الصهيوني منبهاً العرب في كل مكان إلى الأخطار المهلكة التي ستداهمهم نتيجة زرع هذا الجسم الغريب في الوطن العربي عن طريق مقالاته ومحاضراته وتحذيراته لأبناء قومه. ولم يكتف بذلك بل نشر دراسة مطولة بعد أن ترجمها للعربية في عام 1947 كان قد كتبها الدكتور جابر شبلي الأمريكي الجنسية واللبناني المولد وأستاذ العلوم الرياضية في جامعة بنسلفانيا، وقد تضمنت هذه الدراسة المحكمة عشرات الأدلة الصريحة وهي تثبت بما لا يدع مجالاً للريبة والحيرة بأن أبناء فلسطين العرب هم أصحاب الأرض والمزارع والأبنية وإنه لمن الظلم الفادح والإمعان في الجريمة أن يطرد أهلها إلى أنحاء المعمورة ودول الشتات لتحل محلهم موجات من الجراد البشري والغرباء من شذاذ الآفاق والقتلة الذين يبهجهم سفك الدماء، وقد صدرت هذه الدراسة في عدد خاص من مجلة (الضاد) العريقة تحت عنوان: ‘أصراع أم تعاون في فلسطين؟’ وكان تاريخ النشر في 15 أيار عام 1947.
للبدوي الملثم أكثر من عشرين كتاباً مطبوعاً نذكر منها: شاعر الطائرة فوزي المعلوف، ديك الجن الحمصي، عرار شاعر الأردن، الذي أعيد نشره مؤخراً في الأردن، وأخيراً كتاب الناطقون بالضاد في أمريكا الجنوبية الذي يقع في مجلدين مصورين وفيه يوثق بكل أمانة الكلمة أحوال العرب وانجازاتهم في دنيا الاغتراب.
وفي عام 1937 نشر كتابه الأول (إسلام نابليون) وفي هذا العام عيّن سكرتيراً للمجلس التشريعي الأردني وبعد ثماني سنوات استقال وسافر إلى القدس عام 1944 وعمل موظفاً في قلم الترجمة التابع للسكرتارية العامة لحكومة الانتداب، وفي عام 1956 طبع كتابه الموسوعي (الناطقون بالضاد في أميركا الجنوبية) في جزأين وصدر عن دار الريحاني في بيروت عام واشتمل على قصة الهجرة العربية ومعالم الحياة الاقتصادية والثقافية والسياسية والاجتماعية وتراجم لأعلام الأدباء والشعراء المهاجرين وتضمن إحصاءً دقيقاً للصحف العربية التي صدرت في المهجر.
وقد اهتم العودات بأدب السير والتراجم وقصص الكفاح واتسمت مؤلفاته بسمة وطنية وقومية وأرّخ لأعلام الأردن وفلسطين من الأدباء والمفكرين في كتابه الموسوعي الضخم (من أعلام الفكر والأدب في فلسطين) الذي صدر بعد وفاته في عام 1976 بعمان. حيث تألفت لجنة من بعض أصدقائه الخلص تولت طباعة ونشر هذه الموسوعة المهمّة التي تتكلم عن سير ثلاثمائة من أعلام فلسطين، وهذه الموسوعة تظهر منهج العودات المعتمد على توخي الدقة والتوثيق. وقد شهد له الشاعر محمد عبد الغني حسن بقوله: إن الأستاذ الكبير يعقوب العودات بهذه الحشود الهائلة من أعلام فلسطين قد أغنانا عن كثير من الجهد في البحث عن تراجم الرجال حتى المتوفين منا والموجودين بيننا. وقال أيضاً: إن العوادت لا يُجرِّح ولا يُجامل وإذا جامل فبمقدار لا يطغى على الحقيقة.
لقد كان العودات كثير النشاط، غزير الإنتاج، دائم الحركة في سعيه وراء الحقيقة. إلا أن أكثر ما كان يمّيزه وفاءه لأصدقائه وكرمه الشديد حتى ولو على حساب نفسه وعائلته التي عانت الأمرّين من شدة كرمه وانشغاله الدائم عنها بكتاباته وكثرة أسفاره.
وافته المنية بالسكتة القلبية بتاريخ 23/9/1971 وأُقيمت حفلة تأبين كبرى له في 28/11/1971 على مدرج الجامعة الأردنية بعمان وشارك في التأبين مجموعة من الخطباء هم: أصحاب المعالي والأساتذة: ضيف الله الحمود، والشيخ عبد الحميد السائح، ومحمد أديب العامري، والدكتور محمود السمرة، والقس عقل عقل، وعبد الله التل، وعيسى الناعوري، ونجل الفقيد خالد العودات.
هذا هو البدوي الملثم، يعقوب العودات، أبو خالد، الأديب والإنسان، الرجل الذي أثرى الثقافة العربية والأردنية بكم وافر من المقالات والأبحاث والمؤلفات، وهو الذي أعطى كثيراً، ومن واجبه علينا اليوم أن نستذكره كرائد حقيقي من رواد التنوير في النصف الأول من القرن الماضي، وأن ننحني لتجربته الرائدة بتقديرٍ واحترام كبيرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية