الاخوان المسلمون: الحل ليس هو الحل

قضت إحدى محاكم القاهرة بحل جماعة الإخوان المسلمين وحظر كافة أنشطتها وأنشطة المؤسسات المتفرعة عنها ومصادرة جميع أموالها والتحفظ على أموالها العقارية والسائلة والمنقولة سواء أكانت مملوكة أم مؤجرة لها…!!
قبل ثلاثة أشهر كان الرئيس الذي يقود جمهورية مصر العربية ينتمي إلى نفس الجماعة المشمولة بقرار الحل.. جرت مياه كثيرة قبل أن نجد أنفسنا أمام مقاربة استئصالية تلجأ لتسخير القضاء من أجل الإجهاز على أكبر تنظيم سياسي واجتماعي تعرفه البلاد.
واقعيا، تم استهداف الجماعة منذ الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي بواسطة انقلاب عسكري وقعه الفريق أول محمد السيسي، الذي لم يكن سوى وزير الدفاع المعين من طرف الرئيس المعزول..
الذين اتخذوا هذا القرار لا يستفيدون من دروس التاريخ..
ففي سنة 1954 حصل توتر شديد في علاقة الجماعة بجمال عبد الناصر، انتهى بحل الجماعة وإعلانها تنظيما محظورا، وتم الزج بقياداتها في السجن وجرى إعدام العديدين منهم، من أبرزهم سيد قطب وعبد القادر عودة رحمهم الله جميعا..
جرى هذا القرار في عهد جمال عبد الناصر الذي كان زعيما قوميا يتمتع بشعبية كبيرة تتجاوز حدود أرض الكنانة، ومع ذلك استمرت الجماعة عمليا ونجحت في تجاوز محنتها وضاعفت من أنصارها وارتفعت شعبيتها إلى درجة كبيرة..
بل حسب العديد من رواد الحركات الإسلامية في العالم العربي، فإن مقتل سيد قطب كان الشرارة التي أطلقت عملية بناء التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين في العديد من الأقطار العربية.
في المغرب قام علال الفاسي زعيم حزب الاستقلال آنذاك بإعادة طباعة كتاب ‘معالم في الطريق’ للشهيد سيد قطب في مطابع الرسالة التابعة للحزب، بعد فشلت مناشداته للرئيس عبد الناصر في ثنيه عن توقيع حكم الإعدام في حق الشهيد..
راشد الغنوشي يقول بأن تاريخ تأسيس حركة الاتجاه الإسلامي في تونس يعود إلى سنة 1965، وهي السنة التي أعدم فيها سيد قطب ورفاقه. يقول راشد الغنوشي: ‘أصابتنا قطرة من دماء الشهيد’..
خلال ثورة 25 يناير 2011 يرى العديد من المراقبين أن الإخوان المسلمين أبلوا البلاء الحسن لاستدامة الثورة والحفاظ على زخمها، وخاصة بعد موقعة الجمل التي سجل فيها مناضلو الإخوان صمودا حقيقيا.. طبعا، هناك انتقادات كثيرة على الإخوان المسلمين وعلى منهجهم في العمل وأسلوبهم في التنظيم، وقدرتهم على استيعاب خصوصية المجال السياسي وما يتطلبه من مستلزمات تختلف تماما عن طبيعة العمل الدعوي..
صحيح أن الجماعة نشأت في بيئة استبدادية وترعرعت في جو تحكمي، وهو ما لم يسمح لها بخوض تجربة عملية توفر لها الاحتكاك المباشر بإكراهات السياسة ومتطلبات تدبير شؤون الدولة، ومن تم القيام بالمراجعات الضرورية بالسرعة المطلوبة، كما أن الانتقال الكبير الذي حققته الجماعة من السجون إلى أعلى قمة هرم الدولة لم يواكبه الانتقال المطلوب على صعيد إدراك المجال السياسي وتعقيداته، والقيام بالتحولات الفكرية المطلوبة في الوقت المناسب.
مع العلم أن قرار الانقلاب العسكري لا علاقة بهذه الملاحظات، وإنما هو مرتبط بحسابات استراتيجية دولية وإقليمية تتجاوز القدرة الاستيعابية والاستباقية للإخوان أنفسهم..
الاختلالات التي يعاني منها تنظيم الإخوان هي اختلالات بنيوية، يعرفها العديدون من شباب الجماعة نفسها، وهو ما لم تنجح التنظيمات الأخرى في استثماره بشكل جيد وراهنت على هزم الجماعة بآليات غير ديموقراطية وغير شريفة..
القضاء النهائي على الحركات الإسلامية غير ممكن لسبب بسيط وهي أنها حركات اجتماعية وسياسية عقائدية، وتحمل آمال جماهير عريضة من الشعوب العربية ولها التزامات وتعاقدات بين أنصارها لا يمكن تحطيمها بسهولة..
نعم، لا ينبغي تأجيل النقد المطلوب للإسلاميين وهم يمارسون السلطة، فمن الضروري مساعدة الحركات الإسلامية على نفسها لتجاوز بعض المعوقات الذاتية باعتبارها حركات اجتماعية لها مواقف وقراءات متجاوزة تحتاج إلى مراجعات ضرورية..
مسؤولية النخب السياسية من مختلف التيارات الفكرية والسياسية اليوم هو: تجاوز منطق الصراعات والتطاحنات السياسية الموروثة من مرحلة الاستبداد والعمل على ترسيخ تقاليد جديدة في الحوار الضروري لبناء الدولة الديموقراطية الحديثة على قواعد جديدة، وتكثيف النقاش حول القيم المؤسسة للمرحلة القادمة وتجاوز صعوبات مرحلة حساسة وحاسمة..
العارفون بتاريخ الثورات يفسرون التحولات التراجعية الجارية في بلدان ما يطلق عليه بالربيع العربي بأنها ارتدادات وانكسارات طبيعية في مسلسل التغييرات العميقة التي ستقبل عليها المنطقة..معنى ذلك أننا نتابع حلقة من حلقات المسلسل ولسنا بصدد النهاية..
الربيع العربي لم يقل كلمته النهائية بعد، والشعوب التي انتفضت ضد الفساد والاستبداد لن تسمح بالعودة إلى مربع الصفر، وسرعان ما ستسترجع المبادرة حينما ستكتشف بأنها خدعت من طرف جزء من نخبها السياسية وسرق منها حلم التغيير الذي تؤمن به..
القيم السياسية الجديدة التي أصبحت راسخة في وعي الجماهير لا يمكن طمسها بالمحاولات الجارية لعسكرة الوعي الجمعي وترسيخ مقولة ‘ليس في الإمكان أبدع مما كان’..
الوعي بمسار التاريخ ينبغي أن يدفع الديموقراطيين من جميع الاتجاهات إلى تحمل مسؤولياتهم التاريخية وتقديم التنازلات المطلوبة لبناء التوافقات الكبرى المؤسسة للإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تحتاجها بلداننا، لكن قبل ذلك لا بد من فهم أسباب فشل الحوارات السابقة..
فوراؤنا أكثر من عقدين من ‘الحوار القومي الإسلامي’ أو ‘الحوار العلماني الإسلامي’، وهناك تراث هائل من الندوات والمناظرات والأدبيات، بل نتوفر على بعض الوثائق المشتركة مثل ‘وثائق 18 أكتوبر بتونس’ التي تؤصل لمفاهيم التعددية والدولة المدنية والتداول السلمي على السلطة وغير ذلك من المبادئ الديموقراطية المتعارف عليها كونيا والتي ساهمت في صياغتها التيارات الفكرية الأساسية في تونس..
لكن مع ذلك، لم ينجح الفرقاء الأساسيون في بناء وعي مشترك خلال هذه المرحلة، بل فضل بعضهم التحالف مع الجيش للإجهاز على الطرف الآخر..
من المهم ، أن نفهم بأن المهمة التاريخية الملقاة على عاتق الجميع اليوم هي ترسيخ قواعد التداول الديموقراطي على الحكم، وإرجاع السلطة إلى منطق الإرادة الشعبية، وتوفير شروط التنافس الحر بين البرامج والأفكار، وهذا لا يمكن أن يتحقق بدون النجاح في تدبير المراحل الانتقالية..

‘ كاتب من المغرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبدربه خطاب:

    رائع جدا ياأستاذ عبد العلي فانت بهذه المقالة التاريخية الصادقة قد وضعت اننقاط على الحروف وأضأت هذا النفق المظلم اذي اراد اعداء الهوية والعقيدة وضعنا فيه. نعم لقولك “القضاء النهائي على الحركات الإسلامية غير ممكن لسبب بسيط وهي أنها حركات اجتماعية وسياسية عقائدية، وتحمل آمال جماهير عريضة من الشعوب العربية ولها التزامات وتعاقدات بين أنصارها لا يمكن تحطيمها بسهولة..” بل يستحيل النيل منها . ولعل قادة المعارضة من العلمانيين واليبراليين وغيرهم من اتباع الأنظمة الطاغية المستبدة قد استوعبوا حقيقة باتت مؤكّدة وهي ان امتنا العربية التي انتفضت ضد الفساد والاستبداد لن تسمح بالعودة إلى مربع الصفر.
    كما ان التيار الاسلامي السياسي بات مقتنعا بضرورة التوافق والمشاركة مع جميع الفئات المعارضة المخلصة حقا والعاملة فعلا لتحقيق اهداف امتها في الحرية والكرامة والنهضة الشامله . فهل تبدأ القيادة المصرية في تصحيح المسار ؟!!هذا ما يتتظره منكم اربعمائة مليون عربي على أحر من الجمر!!

  2. يقول ابو عبد الحميد:

    مقال جميل من الدكتور عبد العالي ، وان كانت لي من الملاحظات ما لا يمكن أن يستسيغه ” الإسلاميون الجدد ” أن صح التعبير والدكتور من رواد الصف الأول . أقول أن الربيع العربي ما هو إلا تشنج لا إرادي إزاء فحش الاستبداد الذي جثم طويلا على صدر الشعب الأعرابي والإسلامي ، أما التغيير الذي يسمى بحق تغييرا هو الذي سيعود بنا إلا بناء دولة مسلمة وليست إسلامية ، مسلمة بمعنى أن تطبيق النظم والأحكام الإسلامية وان لا يخامر الخيال الشعبي العام أية قيم غير قيمه ليكون لباسه مريحا وليس ضيقا بمعنى أن ” نظم ” الإسلام هي أوسع من كل نظم الأرض ، وعذرا إذا تكلمت بالمطلق لان شرع الله هو المطلق لا يماجزه شرع آخر .
    أما دعاوى الحوار العلماني الإسلامي في أفق تكوين دول ديموقراطية مبنية على الانتماء الواحد للدولة العادلة ، ما هي الا أضغاث أحلام لا يستقيم لها منطق ولا عقل ، كيف وانه بين يدي نصوص قطعية الدلالة قطعية الثبوت في إدارة شؤون الدولة وأقم أنا الإسلامي بإلقائها بعيدا توقا مني للتوافق مع علماني ليبرالي لا انتماء له الا للغرب ولا ولاء .
    لا أحسب الدكتور عبد العالي وأمثاله الا سادرا منتشيا باللقاءات التوافقية التي تدغدغ في الأحاسيس في إقامة دولة ديموقراطية وليست إسلامية كما بايعوا اول ما عرفوا للالتزام طريقا .

إشترك في قائمتنا البريدية