الأونروا والاتهامات الإسرائيلية

حجم الخط
0

في ثنايا ما صرحت به كاترين كولونا وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة، التي تم تكليفها بالتحقيق في قضية تورط بعض موظفي وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في أحداث السابع من أكتوبر الماضي، أفادت بأنه لا توجد هنالك أدلة تثبت تورط عناصر من عناصرها في غزة في الأحداث، كما أن إسرائيل لم تقدم دليلا يثبت التورط. فلو كان لدى إسرائيل ما يثبت قيام عناصر من موظفي الوكالة الدولية في الدخول إلى ما يسمى غلاف غزة لما تأخرت عن إعلانها. لكنها لا تتخلى عن الكذب والخداع حتى رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو يكذب ويكذب، من أجل أن يصدقه العالم.

تلك هي المهمة

أعتقد أن الحرب الدموية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة تسير بشكل متواز مع الإبادة الجماعية ضد المدنيين، كما أن الدعاية والإشاعة من أبجديات الحرب، وللأسف ساهم البعض في ترويج عدد من الأكاذيب الإسرائيلية عامداً متعمداً، يغلفها بغطاء مبهر من الأوراق البراقة. الاحتمالات كلها واردة وممكنة في نظرهم. علينا أولاً أن نتوقف عن التصديق المطلق المغمض العينين، لكل ما نقرأه في الأرشيف القديم أو نراه عبر «الإنترنت» حتى لو تكرر في العديد من المناسبات، هذا قطعاً لا يمنحه صكاً نهائياً للمصداقية.
هنا على المرء أن يميز الخبيث من الطيب. لقد انساق العالم برمته عندما ادعت إسرائيل بأن موظفي الوكالة كانت لهم اليد الطولى في الدخول إلى غلاف غزة، لكن للأسف دائما ما يقوله قادة الاحتلال لا يحتمل الكذب، فهذا ليس غريبا في ظل دعم غير محدود لهم في جميع المجالات، لو افترضنا بـأن هنالك عناصر من موظفي الوكالة كان لهم بصمات في احداث أكتوبر منطقيا محاسبة الأشخاص وليس المؤسسات، فمؤسسة الأونروا عملها إنساني بحت لا دخل لها في السياسة.
في أعقاب حرب عام 1948، تم تأسيس الأونروا بموجب القرار رقم 302 (رابعا) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 كانون الأول/ديسمبر 1949 بهدف تقديم برامج الإغاثة المباشرة والتشغيل للاجئي فلسطين. وبدأت الوكالة عملياتها في الأول من شهر أيار/مايو عام 1950. وفي غياب حل لمسألة لاجئي فلسطين، عملت الجمعية العامة وبشكل متكرر على تجديد ولاية الأونروا، وكان آخرها تمديد عمل الأونروا لغاية 30 حزيران/يونيو 2026. ليس دفاعا عن هذه المؤسسة الأممية بقدر توضيح مسألة في غاية الأهمية وهي التهم غير المنطقية والتي تفتقد للأدلة الدامغة، فالهدف منها حرف توجه العالم وتشتيته عما يدور من حرب إبادة في غزة، فهذه ليست أول إشاعة مغرضة موجهة ومقصودة تقوم بها إسرائيل لتخفيف الضغط عليها وتوجيه أنظار العالم عما يجري في القطاع
بالنظر إلى ما ذكر، لم يقف الأمين العام للأمم المتحدة مكتوف الأيدي، فقال أشعر بالرعب من الاتهامات الموجهة ضد عدد من موظفي الأونروا، وأشار إلى أن المنظمة تحركت على الفور للتصدي لها. ومع ذلك، قال إنه شدد في اجتماعه مع المانحين على أهمية استمرار عمل الأونروا الحيوي في الأرض المحتلة والدول المجاورة، وخاصة في غزة حيث «ينهار النظام الإنساني».
من خلال هذا التصريح نجد حتى اللحظة ثبات موقف الأونروا وعدم انجرارها خلف تصريحات واتهامات إسرائيل. الحرب ليست فقط على الشعب الفلسطيني في غزة حسب، فالمقبل أخطر عندما تكون الحرب التي تشنها دولة الاحتلال على قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال تصفية قضيتهم ومحاولتها الدؤوبة لشطب عمل وكالة الأمم المتحدة، وفعلا قد حاولت قبل ذلك في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، لكنها لم تنجح، واليوم تحاول استغلال ما يجري في غزة وبوتيرة عالية جدا، لكنها فشلت أيضا، فقضية اللاجئين الفلسطينيين اكبر بكثير من أن تبدد بأمر إسرائيلي، فهذه القضية عمرها ما يقارب سبعة عقود ونيف، وقد وتزامن اللجوء الفلسطيني مع ولادة الأونروا التي ما زالت تقدم خدمات إنسانية للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات.
هنا ينبغي ملاحظة أن الأونروا كانت تزود إسرائيل بشكل منتظم بأسماء موظفيها للتدقيق، ولم تبد الحكومة الإسرائيلية أي مخاوف تتعلق بالارتباط المزعوم لموظفي الوكالة بالمقاومة الفلسطينية، كما أن السلطات الإسرائيلية لم ترد على رسائل من الأونروا خلال مارس/آذار وأبريل/نيسان تطلب فيها الأسماء والأدلة الداعمة التي من شأنها أن تمكن المنظمة من فتح تحقيق بهذا الشأن. وهذا أمر آخر مهم وهو يتعلق بالمراسلات بين الوكالة وإسرائيل، فيما يتعلق بتزكية الأسماء التي تنوي الأونروا إدراجها ضمن موظفيها، فإذا كان هنالك خلل في بعض الأسماء منطقيا فإسرائيل هي المسؤولة عن ذلك، والوكالة بريئة من التهم الموجه اليها بطريقة غير مباشرة، لكن التعنت الإسرائيلي سيد الموقف، وكيل التهم زورا هو دليل على عنجهية دولة الاحتلال وبلوغها درجة كبيرة من الغطرسة، ولا أحد في المعمورة يكذبها أو مجرد التشكيك في روايتها.

قضية اللاجئين

مرة أخرى إذا كان ثمة عناصر من الأونروا شاركوا في عملية طوفان الأقصى فالأجدر والمنطقي هو عدم تحميل وكالة الغوث مسؤولية ذلك. على العالم أن يقف ضد الحرب التي يشنها الاحتلال على اللاجئين فتصفية قضية اللاجئين ليست بالأمر السهل كما تعتقد إسرائيل.

كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية