الأدوية المزيفة في أفريقيا: مجابهة منسقة لمواجهة أخطر ظاهرة تهدد القارة

عبد الله مولود
حجم الخط
0

نواكشوط ـ «القدس العربي»: تواجه القارة الأفريقية مشكلة الأدوية المزيفة والقاتلة المنتشرة على نطاق واسع في شتى مناطقها.
ويشكل تداول المنتجات الطبية المزيفة ذات الجودة الرديئة داخل الصيدليات العمومية في المدن والقرى، مشكلة صحية عامة خطيرة على الأفراد والأسر والمجتمعات والدول، لأن هذا التداول يحرم الجميع من الوصول إلى الأدوية بأسعار معقولة وجودة عالية.
وعلى الرغم من وجود علامات مشجعة على نمو الإنتاج المحلي للمنتجات الصيدلانية في منطقة أفريقيا، إلا أن دراسة أجريت في عام 2019 أشارت إلى أن نسبة الأدوية المستهلكة في أفريقيا جنوب الصحراء والمنتجة محليًا لا تتجاوز ما بين 10 إلى 30 في المئة فقط.
ويؤكد تقرير صادر للتو عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أن ما بين 19 و50 في المئة من الأدوية المتداولة في أسواق دول منطقة الساحل الأفريقية رديئة أو مزورة، ويتم الإتجار غير المشروع بها بعدة طرق.
ولاحظ التقرير الذي تم فيه تقييم الإتجار بالإمدادات الطبية في منطقة الساحل، “أن انتشار الأمراض المعدية، بما في ذلك الملاريا، إلى جانب التحديات المرتبطة بتوافر الرعاية الصحية والقدرة على تحمل تكاليفها، يخلق بيئة يسود فيها الطلب على المنتجات والخدمات الطبية من دون الوفاء بها بالكامل من خلال القنوات الرسمية”.
وأشار التقرير إلى أن هذا التفاوت بين الطلب والعرض للمنتجات الصيدلانية المنظمة يفسح المجال للإتجار غير المشروع بالأدوية المزورة، ويوفر حافزاً لانخراط الجماعات الإجرامية المنظمة، ما يغذي التهديد المستمر للسلامة والصحة العامتين في دول الساحل.
وتسببت الأدوية المضادة للملاريا، المزيفة ودون المستوى، عن حوالي 267000 حالة وفاة سنويا في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، كما وصلت حالات الوفاة المرتبطة بالمضادات الحيوية المزورة أو التي لا تفي بالمعايير المطلوبة المستخدمة لعلاج الالتهاب الرئوي الحاد عند الأطفال، إلى 169 ألف حالة وفاة مرتبطة بالمضادات الحيوية المزيفة.
كما أكد المكتب أنه تم ضبط ما لا يقل عن 605 أطنان من المنتجات الطبية في غرب أفريقيا خلال العمليات الدولية في الفترة ما بين كانون الثاني/يناير 2017 وكانون الأول/ديسمبر 2021.
وتحدث التقرير عن تسرب الأدوية المزورة إلى سلاسل التوريد المنظمة، حيث تم اكتشاف حوالي 40 في المئة من المنتجات الطبية الرديئة والمغشوشة المبلغ عنها في بلدان الساحل بين عامي 2013 و2021 في سلاسل التوريد النظامية، ما يدل على الترابط بين سلاسل التوريد القانونية وغير القانونية.
كما أن تحويل الامدادات الطبية بعيدا عن سلاسل التوريد القانونية يمثل مشكلة رئيسية أخرى تواجه هذه البلدان، والتي ينشأ الكثير منها في البلدان المصدرة الرئيسية، لا سيما في بلجيكا وفرنسا وبدرجة أقل من الصين والهند.
وتعتمد دول الساحل بما فيها موريتانيا بشكل كبير على واردات المنتجات الطبية حيث إن صناعاتها الدوائية لا تزال في المراحل الأولى من التطوير.
فقد وصلت واردات دول الساحل عام 2019 إلى حوالي 14 مليار دولار أمريكي، ما يمثل ما بين 70 إلى 90 في المئة من إجمالي الإنفاق الدوائي في أفريقيا جنوب الصحراء.
وأكد مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أن الموانئ البحرية الرئيسية في غرب أفريقيا تستخدم لجلب الإمدادات الطبية المتجهة إلى دول الساحل، ومن ثم يتم تهريبها بعد ذلك عبر طرق التهريب التقليدية عن طريق البر. كما أشار إلى أنه يتم الإتجار بكميات صغيرة عن طريق الجو باستخدام الشحنات البريدية أو الركاب.
وعن المتورطين في جريمة تهريب الأدوية المغشوشة، يؤكد التقرير أن التحقيقات كشفت عن تورط مجموعة واسعة من الفاعلين الانتهازيين في الإتجار بالمنتجات الطبية في دول الساحل، بما في ذلك موظفو شركات الأدوية والمسؤولون العموميون وموظفو إنفاذ القانون والعاملون في الوكالات الصحية والباعة المتجولون.
ووجد التقرير أيضاً أنه على الرغم من ارتباط الجماعات الإرهابية والجماعات المسلحة بالإتجار في المنتجات الطبية في منطقة الساحل، فإن معظم الحالات المبلغ عنها في المنطقة تظهر أن مشاركة هذه الجماعات محدودة وتدور بشكل أساسي حول استهلاك المنتجات الطبية أو فرض “الضرائب” عليها في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.
ولمواجهة ظاهرة انتشار الأدوية المزيفة والرديئة، عقدت عدة اجتماعات بين حكومات أفريقية ومنظمة الصحة العالمية وفاعلين في المجال الصحي في القطاعين العام والخاص، وفي المجتمع المدني، وذلك لاقتراح آلية فعالة لمكافحة هذه التهديدات للصحة العامة، ولإحداث تحسين جوهري في وصول المرضى إلى الأدوية والرعاية الصحية عالية الجودة.
وإثر اجتماع حول مكافحة منسقة لانتشار الأدوية المزيفة، اتفقت ست دول أفريقية هي جمهورية الكونغو، وغانا، والنيجر، وأوغندا، والسنغال، والتوغو على خطة تحمل مسمى “مشروع مبادرة لومي الرئيسي”.
وتشمل هذه المبادرة تنفيذ خطط وطنية لمكافحة المنتجات الطبية المزيفة وذات الجودة المنخفضة بتنسيق بين الوزارات وبتعاون منسق من السلطات العامة والقطاع الخاص ومنظمة الصحة العالمية.
وتسعى المبادرة لتحقيق جملة أهداف أساسية بينها تجميع وزراء الصحة لتبادل المعلومات الحديثة، مع أفضل الممارسات المطبقة لمكافحة الأدوية ذات الجودة المنخفضة والمزورة في الدول الأفريقية.
كما تسعى إلى مراجعة جميع المبادرات الأخرى المتعلقة بمكافحة الأدوية المزورة الموجودة حاليًا على مستوى أفريقيا، لتعزيز التنسيق في مكافحة المنتجات الطبية ذات الجودة المنخفضة والمزورة على مستوى القارة وتقديم التوصيات في هذا الصدد.
والتزم رؤساء الكونغو، وغانا، والنيجر، وأوغندا، والسنغال، والتوغو، في بيان مشترك بمكافحة تهريب الأدوية المزيفة وذات الجودة المنخفضة من خلال التصديق على الاتفاقيات الدولية القائمة؛ وبوضع عقوبات جنائية جديدة ضد المهربين وبالتوعية حول هذا الوباء في الصحة العامة، بدعم من ممثلي المنظمات الدولية.
وتنص مبادرة لومي على بذل الجهود لحل النزاعات الدولية والداخلية، ولحماية النظم البيئية والتنوع البيولوجي والمجتمعات، ولمزيد العناية بالصحة العامة بما يضمن الحفاظ على صحة ورفاهية السكان وتحسينها.
وتتناسق مبادرة لومي مع أجندة الاتحاد الأفريقي لعام 2063 والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية