صراع الارادات والحلم العربي

حجم الخط
0

بعد ان وضعت الحرب اوزارها وانجلت عاصفة المعركة في بغداد ساد اعتقاد قوي غذته بعض اقلام الكتاب العرب، بشر بعصر جديد من الانفتاح والديمقراطية التي ستنطلق شراراتها من العراق كعادته مهد الحضارات وصاحب النظريات التغييرية المصدرة الى دول المنطقة. وعلى ضوء ذلك انقسم الرأي العام العربي الى مؤيد لعملية التغير التي حصلت على ايدي جحافل القوات الغربية باعتبارها الوحيدة القادرة على ازاحة صدام واستبدال النظام. ورافض لفكرة الاحتلال ووجود القوات الامريكية على ارض عربية قد تشكل في المستقبل عنصرا خطيرا يقض مضجع الحكام العرب ويحيي تاريخ الاستعمار القديم، ومع ذلك رحبت قطاعات كبيرة من الشعب العربي وصدقت ادعاءات الولايات المتحدة الرامية الى بناء عراق ديمقراطي تعددي يسودة التسامح والعيش السلمي وقبول الاخر بغض النظر عن الدين او الشكل او الطائفة، بل ارتفعت عقيرة الاصوات العربية وان كان اغلبها بشكل خفي منادية تلك القوات باجراء عملية مشابهة لما وقع في العراق، ولم يقتصر هذا النداء على فصائل الشعب انما شمل اعدادا كبيرة من صناع الرأي وكتاب الاعمدة، فضلا عن تخصيص بعض الحلقات التلفزيونية التي تتمتع بحرية نسبية بغية اسقاط الانظمة العتيدة الماسكة بزمام السلطة التي تمارس شتى انواع العنف ومصادرة حرية الرأي والتفكير، وبكل المقاييس فقد انطلت عليهم الذرائع والحجج التي ساقتها واشنطن، رغم ان الدول العربية اكثر من ابتلى بالاستعمار ورزح طويلا تحت سياط الدول الغازية، بيد انها وان كان على مضض قبلت بالنموذج العراقي الوليد كحل بديل ينهي سنوات الحيف والعذاب والفقر المدقع التي تلفح اطراف تلك الشعوب نتيجة خضوعها لفئة تسعى للمكاسب الشخصية مثل التي جثمت على صدر العراق بعد التغيير. وعلى اي حال لم يدم الحلم العربي الذي رسمته تلك الشعوب طويلا في ظل وجود نخبة سياسية قدمت من وراء الحدود لحكم العراق، حيث استغلت ضعف الدولة وانهيارالمؤسسات لتنشغل بترتيب اوراقها واحتلال افضل المناصب وتحقيق الامتيازات بعيدا عن ترسيخ الديمقراطية واشاعة مفهوم الحرية، فضلا عن رسم ملامح الدولة وتثبيت الهوية المنهوبة للعراق المسلوب، وبها اندلع صراع الارادات على اشده بين النخبة الحاكمة التي طغت عليها المصالح الشخصية والمنطلقات الفئوية الضيقة بهدف الكسب المادي وتثبيت الاقدام في الارض الهشة على حساب الضرورات الملحة والحاجات الاساسية التي يفتقر اليها المواطن البسيط الذي عقد طموحاته هو الاخر على فصائل المعارضة التي تبوأت سدة السلطة، بيد انها اخفقت في انجاز المهمة الملقاة على عاتقها، لاسيما فيما يتعلق بتأسيس دولة المؤسسات الضامنة لمختلف شرائح المجتمع العراقي وسن قوانين راعية وكتابة دستور جامع يحدد الاطر والثوابت الوطنيةن في خطوة تهدف الى تشييد نظام سياسي لا يخضع للاعتبارات الطارئة، انما همه حماية ابنائه وتوفير العيش الكريم لهم . لكن هذه القواعد والاسس معظمها اذا لم نقل جميعها ذاب وتلاشى على يد ساسة مراهقين تنقصهم الحكمة السياسية واللباقة الادراية وتتحكم بهم الغايات والعواطف الذاتية حتى قادوا البلاد الى الدرك الاسفل ومستنقع الحضيض، فالانقسامات والتناطحات خلقت مناخا مشوشا حافلا بالنزاعات بحيث افرغت العراق من محتواه الفلسفي والانساني الكبير، وبالطبع فان هذا الواقع لا يشجع الشعوب العربية لاستنساخهن فقد اصابها الاحباط والقنوط وادركت حقيقة التكتلات المعارضة وعجزها الواضح في ادارة دفة الاوطان. فرضيت بحكامها وان كانوا يحملون كثيرا من السلبيات الا انهم لم يعرضوا دولهم الى نهب منظم وسرقة قبيحة في وضح النهار لدرجة ترهق ميزانية البلاد وتضعف قدرته على مجابهة المخاطر والتهديدات المحتملة. وهذا ما دفع تلك الشعوب مع مثقفيها الى الانقلاب ضد التوجه القديم وصار الزاما عليهم توجيه النقد الصارم الى حكام العراق او الصمت ومشاهدة فصول قصة المسرح السياسي الذي تعدد ابطاله وكثر صانعيه من دون العثور على المنقذ الحقيقي القادر على انهاء فصول المهزلة التي انطلقت قبل سبع سنوات ونيف ولم نصل الى خاتمة مقنعة .وهنا لابد من القول ألم يخجل هؤلاء الساسة حين جعلوا العراق عرضة للنقد والسخرية لكل من هب ودب بسبب المناكفات والتجاذبات التي وصلت الى حد لا يطاق بحيث نحروا بتصرفاتهم الهوجاء كل الاحلام وقوضوا الآمال العربية والعراقية على حد سواء.ألم يكن الاجدر بهم جعل العراق قبلة لكل من يبحث عن الامن والاستقرار واعادة دار السلام الى عهد ماضيها لتحمي كل محتاج وتأوي كل عريان بالاضافة الى تولي زمام القرار العربي الذي اصابه الوهن والضعف في الآونة الاخيرة كل هذه القضايا اجهضت على ايدي الساسة الغرباء وفي نهاية المطاف ان مفتاح الحل الصريح بيد الشعب العراقي ليس بايدي هؤلاء السفهاء وهو اعادتهم الى منفاهم وترك البلاد الى اهله الذين اكتووا بناره، لان اهل مكة ادرى بشعابها.حسين العسلاوي – العراقqmn

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية