«قلعة الزبارة» شمال قطر: عراقة تروي حكايا وأساطير صيادي اللؤلؤ

حجم الخط
1

الزبارة – شمال قطر – «القدس العربي»: على امتداد صحراء مترامية الأطراف برمالها الذهبية الساحرة، تطل قلعة الزبارة بشموخ على قمم الكثبان التي تحجب عن هذا المعلم التاريخي، ظلال مداخن المناطق الصناعية التي صنعت أمجاد قطر الحديثة، لتعانق ساحتها الأمامية بتاريخها التليد باستحياء مياه الخليج العربي، وتراقب بوابتها الضخمة بدلال حركتي المد والجزر، في أماسي الربيع وليالي الصيف مستذكرة تلك الأيام الخوالي وهي تنتظر بشغف عودة صيادي اللؤلؤ من أسفارهم ورحلاتهم، وتعدُّ، بلهفة، الأنفس التي تشُرِّعُ لها الأبواب فرحة مستبشرة.
مدينة الزبارة العريقة، تحولت إلى أحدى أهم المناطق الأثرية في المنطقة، تقع على الشاطئ الشمالي الغربي لقطر، وتبعد عن مدينة الدوحة بحوالي 100كم، ويحوي الموقع أطلال قصور ومساكن كانت مليئة بالحياة وتعج بالنشاط والحيوية، على امتداد مساحة تبلغ حوالي 60 هكتاراً داخل الأسوار التي تحيط بالمدينة من جهاتها الثلاث، (الجهة الرابعة مفتوحة على البحر)، يتخللها (20 برجاً) أقيمت على مسافات غير متساوية تتراوح ما بين 90 و115 مترا. تشرف على المدينة قلعة حديثة شيدت عام 1938 م لتحل مكان القلعة السابقة القائمة بالقرب منها، وتتصل بالمدينة بسورين تتخللهما أبراج، ويشكل السوران ممراً عرضه حوالي 400م من جهة السور الخارجي للمدينة يضيق عند التقائه بالقلعة القديمة، كما شُقت عند الطرف الجنوبي للمدينة قناة يبلغ طولها حوالي 2 كيلو، كانت ترسو فيها السفن لتفريغ حمولاتها أو تجنباً للأعاصير في الأيام العاصفة.
لا يزال القطريون يعيشون لذة فرحة الحدث الذي انتظروه كثيرا وشاركهم نشوته كل من يسكن أرضهم حينما أدرجت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «اليونسكو» مدينة الزبارة الأثرية ضمن قائمة مواقع التراث العالمية، وجاء في جلستها الـ 37 التي عقدت في العاصمة الكمبودية بنوم بنه في حزيران/يونيو 2013. واعتبر محمد خميس مسؤول الإعلام في هيئة متاحف قطر في الذكرى السنوية الأولى لهذا الحدث والتي توجت بمهرجان شعبي احتضنه الموقع الأثري «إن انضمام مدينة الزبارة، وهي أحدى أهم المواقع الأثرية المحمية التي كانت تمثل أكبر مدن الخليج العربي التقليدية لصيد وتجارة اللؤلؤ في الفترة الممتدة ما بين القرنين الـ18 والـ19، الى قائمة التراث العالمي، يُعد أول إدراج واعتراف بموقع أثري قطري في سجل دولي، كما يصنّف الموقع الآن كأحد أهم المواقع التراثية والطبيعية المدرجة عالمياً والتي يبلغ عددها 911 موقعاً» وأضاف أن «هيئة المتاحف ومؤسسات الدولة تبذل جهودها لترقية المعلم وإتاحته أمام جمهور العلماء والباحثين والمهتمين والزوار».
قصة التصنيف وتتويج المدينة في اللائحة الأممية لم تكن وليدة الأمس فقط فقد صنف فريق من علماء الآثار الدانماركيين مدينة الزبارة -التي تعني الأرض المرتفعة- كموقع أثري للمرة الأولى في الخمسينيات، ليقوم بعدها فريق من علماء الآثار القطريين والدانماركيين بأعمال التنقيب في الموقع. وعقب إجراء دراسات وأبحاث، تم العثور على مجموعة كبيرة من المكتشفات الأثرية التي تعود إلى الفترة الممتدة ما بين القرنين الـ18 والـ19، وهي موجودة الآن ضمن المجموعة الدائمة الخاصة بمتحف قطر الوطني، والتي سيتم في عرضها بصالات المتحف كما في مدينة الزبارة. ودشنت الحملة التنقيبية الضخمة سنة 2009 وتم إكتشاف بيوت كبيرة إلى أن تم تحديد معالم السوق ووضعت خطة شاملة لدراسة المنطقة التي نشأت حوالي 1860 وكانت مدينة تجارية متكاملة العناصر بأسواقها وجوامعها وقلعاتها ولعبت دورا متميزا، كما ازدهرت لتصبح أحد أهم وأكبر المناطق السكانية في قطر آنذاك. وقد استقطب ازدهارها اهتمام القوى العظمى الأخرى في منطقة الخليج في ذلك الوقت. وانتهى دور المدينة التجاري عام 1811، ولم تتم إعادة إعمارها بشكل كامل، فهجرها أهلها منتصف القرن العشرين. رحلة استكشاف أطلال هذه المدينة الهامة والمرتبطة ارتباطاً عضوياً بتاريخ قطر والمنطقة المحيطة وحضارتها تمت من خلال إختيار ثلاثة مواقع رئيسية لمباشرة البحث فيها للتعرف على مختلف مظاهر العمران في المدينة. العلماء شرعوا في استكشاف ما مساحته 1900م مربع تقريباً من سور المدينة حيث ظهرت أبراجه الدائرية التي تمتاز بوجود سلم حلزوني داخل كل منها على مسافات متباعدة تتراوح ما بين 90 و155 م من السور البالغ طوله حوالي كيلومترين كما أظهرت أعمال التنقيب أن السور قد جرى تدعيمه في أماكن ومراحل مختلفة. وتتوالى عمليات اكتشاف المنازل والقصور مع استحضار لطبيعة المنطقة وظروف عيش وسكن أهلها.
وأحتفلت السلطات القطرية مؤخرا بنهاية موسم ناجح للغاية في ذكرى قلعة الزبارة مع تسجيل عدد من الزوار أكبر من أي وقت مضى. ويأتي هذا النجاح، بعد عملية ترميم وإعادة تطوير هذا الموقع الأثري، التي شملت
افتتاح مركز الزوار الجديد وإدخال تحسينات على المرافق وضمان سهولة الوصول للموقع فضلاً عن سلسلة من البرامج التعليمية في المدارس وداخل المجتمع. وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2014، استقطب كل من مركز الزوار الجديد بالزبارة (التي ينطقها القطريون بتسكين خفيف لحرف الزين)، وموقع الحفريات الأثرية أكثر من 30 ألف زائر، وهو ما يمثل بالفعل زيادة بنسبة 170 في المئة مقارنة بموسم 2013 بأكمله.
ويؤكد فيصل النعيمي، مدير الآثار في متاحف قطر أن الهيئة تشجع الزوار على المشاركة وعيش تجربة الحفريات وتاريخ هذا الموقع من خلال الصور وشاشات العرض والجولات سيراً على الأقدام، لرفع مستوى الوعي بقيمة الموقع، بالنسبة لقطر ومنطقة الخليج. من جهته يؤكد حسن الإبراهيم، مدير إدارة التطوير الاستراتيجي في هيئة قطر للسياحة أثناء جولة لنا معه في الموقع: أن الهدف من الجهود المبذولة حاليا هو الاستخدام الأمثل للأصول والموجودات القطرية القائمة واستحداث معالم سياحية جديدة وتقديم تجربة قطرية أصيلة لجذب السياح من كافة أنحاء العالم. ويضيف الإبراهيم: «سوف يستمر كل من التاريخ والثقافة في لعب دور رائد كأحد مرتكزات السياحة ضمن استراتيجية قطر الوطنية لقطاع السياحة 2030. فمجموعة الفنون والمعالم الثقافية مثل الزبارة ليست فقط بعض مناطق الجذب الأكثر شعبية في قطر ولكنها أيضاً تعكس الجذور الثقافية العميقة التي نسعى إلى تسليط الضوء عليها والحفاظ عليها كبلد وكمقصد سياحي».
الموقع الأثري الذي شهد في موسم الربيع وبداية موسم الصيف قبل أيام من اشتداد درجات الحرارة، حركة سياحية نشطة وأصبح مقصد العديد من الأسر التي تختاره لقضاء عطلة نهاية الأسبوع والاستمتاع في هذا الموقع التاريخي الرائد والأكثر جلباً للزوار في قطر. وطورت الجهات المشرفة على الموقع مركزا للزوار تم افتتاحه حديثا في قلعة الزبارة ويستضيف أنشطة للكبار والأطفال مع نصب الخيام خارج الحصن حيث يمكن للزائر تجربة الأكلات والمشروبات والمشغولات اليدوية التقليدية فضلا عن ركوب الجمال.
التجول في أرجاء المدينة الأثرية يمنح الزائر لذة استكشاف معالم بيوت يروي من كان يسكنها بهمس قصصا عن صيادين عاشوا في جنباتها، وكانوا أسياد البحر، وملوك السفن التي تمخر بتباه في عرض مياه الخليج، الذي صاحبوه وصادقوه وكان مستودع أسرارهم ومخزن همومهم، ومصدر رزقهم، يهبهم،
إن كان راضيا الكثير من اللؤلؤ والمحار فيعودون محملين بغنائم تكفي قوتهم وقوت أسرهم، أما إن كان مزاجه معكرا أو شعر بغدر أو تقلب، فكان يقبض أرواحا ويتلذذ بالإحتفاظ بها في أعماقه.

سليمان حاج إبراهيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سلطان:

    هل القلعة أو مدينة الزبارة تأثرت بحرب البويهيين عندما هاجموا الساحل العماني.

إشترك في قائمتنا البريدية