هذا الربيع المشؤوم لم يأت أبداً. يتمتم صديقي عبارته هذه محدثاً بها نفسه. ثم يرفع صوته ليشركني بحديثه قائلاً: لو أن كل هذا لم يحصل أبداً.. لقد وعدنا أنفسنا بجنان الحرية والعدالة. فماذا فعلنا؟ انتقلنا من أحلام «النعيم الأسدي» إلى أبشع أساطير الجحيم. سنوات خمس عاشها العرب وهم يحصون كل صباح ومساء الضحايا من دون أسمائهم، كأنهم لم يولدوا أصلاً في هذه البلاد أو سواها.
حقاً يمكن مساءلة ذاتنا فيما لو لم يفعل العرب ما فعلوه بأنفسهم طيلةَ هذه السنوات الخمس أَما كانوا اليوم في حال أفضل بكثير مما آلت إليه كوارث المقتلات الجماعية.. فالمسألة إذن هل هي أن تندم أمة كاملة على ما اقترفته بعض أجيالها الصاعدة، من جرائم الخطيئة الكبرى باسم أمة عظمى. فأية أمة هذه التي تدعي تحرير أبنائها من مظالم أشرارها الفاسدين في الوقت الذي يتسلم فيه معاشر القتلة الجزارين مقاليد الأمور من أسيادهم الفاسدين السابقين واللاحقين.
«إنها النقلة من عصر الحكام الفاسدين إلى عصر القتلة الجزارين». تلكما هما الصفتان المميزتان لتطور هذه الأمة التعيسة. من زمن ما قبل (الثورة /الربيع) إلى زمن ترقّب الأمل وانتظار الخلاص، وصولاً في النهاية إلى زمن الديمومة الدموية وانغلاق المستقبل. فما بين هذين الإيقاعين لأية أمة، مهما عُرف عنها من اعتناقها لثقافة المعجزات. هل لها أن تستردَّ بعضَ وعيها لذاتها، وهي حرة أبية حقاً.
واعتباراً من هذه المواقعية التاريخية هل لم يعد للعرب أن يتشاكوا من ظلم (العالم) لهم، بقدر ما يعترفون بفداحة ظلمهم هم لأنفسهم، قبل سواهم؛ لم يعودوا يفشلون سياسياً فحسب. بل قاربوا الفشل البنيوي. فلقد أتاحت لهم (الثورة) تجربة فريدة في امتحان قدراتهم الذاتية على التغيير الجذري. إذ أطلقت ثورة الربيع العربي في مطلعها قوى جماهيرها الحبيسة في أتون القمع السياسي وشريكه الدهري القمع اللاهوتي. فلماذا لم تنتصر هذه الجماهير إذن، بل مُنيت سريعاً بأخطر وأخبث التحريفات المشوهة عميقاً لحركاتها وأهدافها. فماذا يعني أن تفشل الأمم ثورياً، هل لأسبابها وعلاقاتها الداخلية، أم بفعل القوى الخارجية المضادة لها دولياً أو اقليمياً وحتى داخلياً.
خمس سنوات عجاف. لكنها أيقظت تاريخ هذه الأمة من أعمق أقبيتها. وضعت تحت أيدي طلائعها كُنوزَها من قابليات الحراك العام العضوي والإنساني معاً. ماذا فعلت ثورات الربيع بعظائم التضحيات الكبرى التي اندفعت نحو تحقيقها الطلائعُ والنخب، كما العشير والقوم والعقيدة.
خمس سنوات عجاف لم تَفُزْ بأمثال بطولاتها الخارقة أيةُ أساطيرَ خيالية من النماذج الإعجازية التي تأتي بها الشعوب المضطهدة؛ لكنها كانت تنقلب على أعقابها بين عشية وضحاها. لماذا لم يأت هذا الربيع بأساطيره الجديدة ضداً على خرافات الأزمان الخالية. فقد أثبتت هذه الخرافات أنها لا تزال هي الأقوى، وأنها ممسكة بتلابيب العقول المستضعفة، وأنها قادرة على توجيهها إلى أسوأ فواجعها في اللحظة عينها من انبلاجات إرادة الخير الفعلية العامة.
لقد أَلفنا منذ إنشاء الدولة العربية (الحديثة) أن نعدّد، بعد كل نكسة من تطوراتها، أسباب الهزائم. لم يكن لدينا بعد كل طفرة، أو ثورة، إلا أن نفخر بمواسم الهزائم كأنها هي البدائل الممكنة وحدها عن أحلام الانتصارات. ورغم تكرار لازمة الهزيمة لم يحفل مرة الرأيُ العام بالكشف عن أسبابها الحقيقية بقدر ما كان منشغلاً بتقاليد المآتم. كما لو كان المآتم هو التعويض الوحيد المسموح بتداوله.. ولكن ما أن دوَّتْ العواصف الأولى للربيع حتى خرجت أفاعي الظلام من جحورها؛ بدلاً من أن تزدهر الصحارى والبراري بأعياد أزهارها المتفتحة لصباحات قليلة، حتى تتخشّب أعوادُها وتعود رماداً مذروراً ما بين رمالها القديمة.
خمس سنوات عجاف، كان من المفترض أن تذهب بمصطلح «العرب والزمن الرديء» إلى متحف الماضي، وأن تحل مكانه مفردات العصر، غير أن هذا الزمن الرديء صادر أزمان الناس جميعاً لحساب أعطاله الدائمة ، جاعلاً من الربيع مجرد حدث عرضي، ولا يكاد أحد من أدعيائه يحوز على بعض من استحقاقه السياسي، بل الإنساني. فالتحولات الكبرى في التاريخ لا تهبط مجاناً على رؤوس الأقوام العادية، إنها تحتاج إلى أمم غير عادية كيما تحمل أعباءها الجسام. وما كانت تفعله عوامل الضعف والخذلان المتصدية لحركات التمرد والتغيير العربية. عند كل منعطف في المسيرة العمومية ما تفعله هذه العوامل ليس الكشف الأوضح عن علل التحريف المحيطة للآمال المستجدة حتى قبل ولادتها الطبيعية، بل هو تحميل المستقبل سلفاً مسؤوليات انكسار الماضي الغريب، كما لو كان كل رهان ثوري محكوماً مقدماً ألا ينتج إلا دمارَ ذاته بوعيه وإرادته. لن نُقيم نحن بدورنا أعراسَ مآتم على جثث الآمال المحطومة. فما يتبقى للفكر بعد ساحاته المغبّرة لن يضيف دروساً جديدة إلى خزائن الهزائم العتيدة. كأن الربيع العربي لم يولد أبداً ولادته الحقيقية في هذه الصحارى. فقد سبقه اعداؤه الماكرون الى معظم واحات تلك الصحارى، وصبوا سمومهم القاتلة في ينابيعها القليلة النادرة. ليس هذا موقف الإنكار المتجاهل لمسؤولياته، وإن كان ذلك هو أكثر ما أَلِفه من التعايش مع أمثاله في الأمس القريب وما قبله.
حين سوف يعود بعض مهجرّينا إلى ديارهم، ربما يدخلون بيوتاً شبه قائمة، لكنها ستكون قابلة لاستعادة التعايش مع سكانها الأصليين. فهؤلاء العائدون من حروب الأمس سيحصون أيام الانتظار للحروب الآتية. ذلك أنه لن يعفو على أطلال الهزيمة الراهنة إلا هزيمة أعظم قادمة، وليس نصراً خادعاً. سوف يبقى هذا القانون فاعلاً من فشل إلى آخر، حتى لن يتبقى إلا الهزيمة الكبرى الأخيرة. وهي تلك التي سوف تُفرغ معينَ الشرور من آخر شياطينه.. هل هذا سيحدث حقاً يوماً ما.. ومن سوف يعلنه على الملأ الأخير.
٭ مفكر عربي مقيم في باريس
مطاع صفدي
نعــم يا أخي مطاع ….الهزيمة ا لراهنة….ستتلوها ( الهزيمة الكبرى ) لا محالة , والبعض ( القلة القليلة ) من العائدين الى ديارهم الخاوية لـن يحصوا أيام الانتظار للحروب القادمة ..؛ لا أبدا . لن تكون بعدها من حروب ,فالحروب تتطلب ( وجود ) من يحارب ..ثم هدفا للحرب ( المزمعة ) ؛..لا لن يحدث هذا ولا ذاك .؛؛ والسبب أنهم سيبحثون عن أنفسهم ..عن حقيقة وجودهم .؟؟ عن الهوية المحروقة والمتعلقة رمادها بأثوابهم الممزقة .؛؛ سيسألون عن مكان وجودهم ومن الذي اقتلعهم قبل هذا من جذور غمرها الطمي المتعفن …فآثروا لباس التيــه ؟ عن جذور العار والهوان … لا يا أخي مطاع .. لــــم يعد هناك من وطن ( كان ) اسمه سوريا ..؛؛؛ فاتضاريس الجغرافية لا ( تحتجـز ) قوما أرادوا …العبــور ..الى شواطىء الكرامة والنعيم .؟؟ التضاريس الجغرافية ..ثابــة ..أما الجموع فهي المتحولة بارادتها تارة ومرغمة تارة أخرى ..؟ ويبقى السؤال ؛ من الذي دفع بالجموع الهائلة ..للقفز فوق حواجز التاريخ ( المعيب ) ..؟ الأمـــر بسيط للغاية , رغــم تعقداتـة الشائكة الراسخة , أمــر البحث عن السبب والمسبب .؛ السبب المسبب للانزلاق للهاوية ذات القعــر المجهولة أعمــاقه …؛؛ ويقينا أصبحت ( أرغم ) نفسي على قبول التصريح به رغم أنفي وأنفتى .؛؛ انـه الانهيـــار الأخلاقي لمعظـم شرائح أمتنـــا .؟؟؟ ومن البديهي لفاقد الهوية ..أن يفقد المعاييـر .؟؟ فالهوية عقيدة وانتماء و هـي الضابط لكل حركة….فكيف للانزلاق …أن يلجــّم عندمـا نجهــل من نحـــن ؟؟.
الذي افشل الربيع العربي هو التدخل الخارجي. و ينطبق هذا على كل اقطاره. فالتدخل الخارجي الصريح هو المسؤول عما آلت اليه الحال في سوريا و اليمن و ليبيا. و التدخل الخارجي الموارب هو الذي افشله في مصر و الى حد ما في تونس. و قد ادى هذا الفشل تلقائيا في تجميد الموقف بل انحداره الى الاسوأ في بقية الدول
بالاساس لم يكن هناك شيء اسمه الربيع العربي فكل شيء كان مخطط له من قبل بدأ بتاسيس القنوات الفضائية الاخبارية العربية التي كانت في بداياتها مبهره للجمهور المتابع لبرامجها التي لم يتعود ان يشاهدها في التلفزيونات المحلية القديمة التي كانت تمجد القائد الملهم والذي بدونه سيكون البلد لاشيء يذكر.ثم تم اختيار الرئيس التونسي ليكون خروف العيد لسهولة تخلي مناصريه عنه ليكون شرارة الحريق الذي سينشب ويتوسع
حتى وان كان من افشل الربيع العربي هو التدخل الاجنبي فقد اعتمد في ذلك على عملاءه ووكلاءه المحليين في الداخل. والنتيجه ان التدخل الخارجي وحده لا يفشل ارادة الشعوب ما لم يجد له نطيره المحلي الداخلي الذي يتماها معه بالمصالح الانيه والذاتيه على حساب مصلحه الامه, مما يعيدنا مجددا” الى حقيقه ان عوامل الدمار الذاتي موجوده بكثره لدى امه العرب حتى النهايه المحتومه والهزيمه الكبرى التي عبر عنها المقال