نابلس… الجديرة بلقب «دمشق الصغرى»

حجم الخط
0

رام الله – «القدس العربي»: مدينة نابلس، هي التي وصفها الرحالة المقدسي المعروف محمد بن أحمد المقدسي في كتابه: «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم» في القرن السابع الميلادي بالقول: «نابلس في الجبال كثيرة الزيتون، يسمونها دمشق الصغرى، وهي في وادٍ قد ضغطها جبلان (جرزيم وعيبال)، سوقها من الباب إلى الباب، وآخر إلى نصف البلد، الجامع وسطها، مبلطة نظيفة، لها نهر جارٍ، بناؤهم حجارة، ولها دواميس عجيبة».
أسست نابلس عند ملتقى أقدام جبلي جرزيم وعيبال في القسم الشرقي لمدينة نابلس الحالية على يد العرب الكنعانيين فوق تل كبير يدعى الآن تل بلاطة، وقد سماها الكنعانيون في ذلك الوقت «شكيم» والتي تعني المكان المرتفع، ومن ثم أصبحت من أشهر المدن الكنعانية.
وهي ذات المدينة التي لا يمكن لك أن تمر منها، دون أن تشتم رائحة الحلويات فيها، ممزوجة برائحة الصابون النابلسي العريق، مشهورة بعمرانها القديم، ومحيطها الأثري، وتعتبر العاصمة الاقتصادية لفلسطين، لما فيها من صناعات مختلفة.
الدواميس التي تحدث عنها الرحالة المقدسي، هي ذاتها التي شهدت العديد من الوقائع التاريخية المختلفة، واختلط فيها سكان المدينة بين مسيحيين ومسلمين وسامريين، ولا زالت تحتفظ بهذا التاريخ والمزيج الجميل بين ساكنيها.
وتعد نابلس من أقدم مدن العالم، حيث يعود تاريخها إلى أربعة آلاف عام، وهي مدينة كنعانية «شكيم» المعروفة بتل بلاطة الأثري، خضعت للعديد من الحقب التاريخية، وحكمها الأشوريون والفرس، وفيها آثار تعود للعصر الحديدي والبرونزي، كما خضعت لحكم الرومان، حيث لا يزال شارع «الديكامانوس» وسط حارة القيسارية أسفل مدرسة ظافر المصري موجودًا حتى اليوم.
وهناك المقبرة الرومانية الشهيرة شرق المدينة، وفي الشرق أيضا كنيسة بئر يعقوب المعروفة، والعديد من المواقع الأثرية التي تحتل قيمة تاريخية كبيرة، ومن أبرز معالم نابلس بلدتها القديمة، التي تتوزع فيها القصور والأحواش والحواري العتيقة، التي لا زالت قائمة منذ مئات السنين، والجوامع العشرة التي توزعت في داخلها.
وتعتبر نابلس إحدى أكبر المدن الفلسطينية سكانًا وأهمها موقعًا، ومقر أكبر الجامعات الفلسطينية، وتضم محافظة نابلس في محيطها 56 قرية، وتُعرف أيضا بأسماء جبل النار، ودمشق الصغرى، وعش العلماء، وملكة فلسطين غير المتوجة.
وأكثر ما تشتهر به مدينة نابلس هو صناعة الصابون القديمة، والكنافة النابلسية، التي تعتبر من أشهر الحلويات الشرقية في بلاد الشام، بالإضافة إلى بعض المنتجات الزراعية مثل الزعتر النابلسي، والجبن النابلسي.
خضعت نابلس لحكم العديد من الأباطرة الرومان على مدى ألفي سنة، وفي القرنين الخامس والسادس للميلاد أدّى نزاع بين سكان المدينة من السامريين والمسيحيين إلى بروز عدد من الانتفاضات السامرية ضد الحكم البيزنطي، قبل أن تقوم الإمبراطورية بإخماد ثوراتهم هذه بعنف، وفتح العرب المسلمون، في زمن خلافة أبي بكر الصديق، هذه المدينة وباقي فلسطين وبلاد الشام، وفي هذا العهد عُرّب اسمها ليصبح نابلس بدلاً من نيابوليس، وازداد عدد المسلمين من سكانها وأخذت البعض من كنائسها ومعابدها السامرية تتحول إلى مساجد شيئاً فشيئاً، وسقطت نابلس تحت الحكم الصليبي، قبل أن تعود لحكم المسلمين الأيوبيين والمماليك بعدهم.
في سنة 1517م سيطر العثمانيون على بلاد الشام وكانت نابلس من ضمنها، أسس العثمانيون سنجق نابلس الذي امتد من نهر الأردن إلى البحر المتوسط وكان يحده سنجق عكا شمالاً ومتصرفية القدس جنوباً، نتيجة لأهميتها الاقتصادية المنافسة لعكا ، وتعرضت نابلس إلى حصار عسكري واقتصادي تبعه إحتلال قام به ظاهر العمر وخلفه أحمد باشا الجزار لإضعاف دورها وتقوية دور عكا.
كما خضعت المدينة للحكم المصري الذي دام تسع سنوات في بلاد الشام، في العقد الرابع من القرن التاسع عشر، قبل أن تعود إلى الحكم العثماني، واحتلها البريطانيون عندما انهزمت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى وخضعت فلسطين للانتداب البريطاني، لتعود وتسقط مدينة نابلس تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 حين سقطت الضفة الغربية بأكملها.
كانت نابلس أول من ثار على حكم إبراهيم باشا احتجاجا على التجنيد الإجباري، ولكن الثورة أخفقت، وعادت فلسطين إلى الحكم العثماني. وفي نهاية الحكم العثماني أصبحت مدينة نابلس قضاءً يضم 101 من القرى، وكانت خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أهم مدينة تجارية في فلسطين، متفوقة على القدس وعلى المدن الساحلية، وكانت أيضاً أكبر مركز لإنتاج القطن في الشام.
تاريخ نابلس، يذكر أن زلزالاً كبيراً ثانيا ضرب المدينة في عام 1837، وأدى إلى تدمير حي كامل وإحداث أضرار كبيرة بحي آخر، وضرب زلزال ثالث نابلس يوم 11 تموز/يوليو من عام 1927، وأدى إلى تدمير 300 بيت ومبنى في مدينتها القديمة وبضمنها جامع النصر التاريخي، ويمكن رؤية آثاره على بعض المباني حتى اليوم.
وضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني عام 1922 وأصبحت مجدداً مركزاً للمقاومة، فجر البريطانيون أجزاءً كبيرة من حارة القريون خلال ثورة 1936-1939 لقمع المقاومة، وبعد نكبة فلسطين عام 1948 ضمت الضفة الغربية بمحافظاتها الثلاث (نابلس والقدس والخليل) إلى الأردن وأصبحت في سنة 1950 جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية. منذ سقوطها ف يد الإحتلال الإسرائيلي، شكلت نابلس إحدى أهم بؤر المقاومة
الفلسطينية، وسقط منها شهداء كثر من أقدمهم وأبرزهم شادية أبو غزالة عام 1968 والفتاة لينا النابلسي عام 1976، بعد إتفاق أوسلو، انسحبت قوات الإحتلال منها في 10 كانون الأول/ ديسمبر سنة 1995م، قبل أربعة أيام من الموعد المتفق عليه مع السلطة الفلسطينية، وكانت الوحيدة من بين المدن الفلسطينية التي أخليت قبل موعدها.
ما يميز نابلس كذلك هم ساكنيها من السامريين، كونهم يعتبرونها مدينتهم المقدسة، وجبلها جرزيم مقدس عندهم، ويعتبرون أنفسهم فلسطينيين، فهم طوال فترة تواجدهم عاشوا مع الفلسطينين في مدينة نابلس، ولهم محالهم التجارية فيها حتى اليوم، وكانوا سابقا يتمتعون بتمثيل نيابي لهم في المجلس التشريعي الفلسطيني، حيث أعطاهم الزعيم الراحل ياسر عرفات مقعد تحت نظام الكوتا، إلا أنه تم إلغاء هذا
الكرسي لاحقا بعد وفاة عرفات، كما أنهم يحملون الجنسية الإسرائيلية التي اعطتهم إياها الحكومة الإسرائيلية لأسباب منها تسهيل تواصلهم مع الأقلية السامرية الموجودة في منطقة حولون القريبة من تل أبيب.
كذلك تتميز نابلس بوجود بلدة سبسطية ذات التاريخ العريق والحضارة الزاهرة التي امتدت لأكثر من 3000 عام، وأطلق عليها المؤرخون لقب عاصمة الرومان في فلسطين تقع البلدة في الشمال الغربي لمدينة نابلس.
أما في وسط مدينة سبسطية فيقع أثر تاريخي عظيم، وهو «مقبرة الملوك» المدفون فيها أحد ملوك الرومان، ويشير مظهر المقبرة الخارجي إلى عظمة العمارة في ذلك الفصل من التاريخ، ويدل على ذلك دقة صنع التماثيل المنقوشة على القبور والتي جسدت ملوكاً وحراساً وأسوداً وأطفالاً يحملون عناقيد عنب، وأسفل المقبرة يشير سرداب التهوية إلى وجود غرفتين فيهما مجمع قبور. القائم بأعمال مدير مكتب آثار نابلس محمود البيراوي، أكد أن العديد من المعالم الأثرية أصابها الإهمال، ويرجع ذلك إلى عدم توفر الإمكانيات المادية، والميزانيات التي تؤمن لها ما تحتاجه من ترميم وحماية، كما حمل المواطن الفلسطيني جزءًا من المسؤولية في الحفاظ على تلك المواقع، وعدم الإساءة إليها بالاعتداءات المختلفة بقوله: «للأسف الشديد، فإن الوضع السياحي في مدينة نابلس سيء للغاية، خاصة مع قلة الميزانيات وعدم توفر كوادر للعمل فيها، فالمحافظة تضم 62 موقعاً أثرياً معلناً ومسجلاً، و1300 موقع أثري غير معلن، فالمسؤولية عنها مشتركة، وبحاجة إلى تضافر الجهود من أجل حمايتها والحفاظ عليها». وبالرغم من ذلك، تبقى جلسة الساحة السماوية داخل إيوان دار «أبو مفيد» الداري تعني الكثير، ففي المكان نفسه كانت قيادات ثورة 1936 تجتمع، وفي الغرف الموزعة نفسها حوله، كان العديد من الجرحى خلال انتفاضة الأقصى، بعد اجتياح قوات الاحتلال للبلدة القديمة يتلقون علاجهم، بعد أن حوله قاطنوه لمشفى ميداني.

فادي أبو سعدى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية