في مواجهة قانون القومية اليهودية

حجم الخط
2

عندما بنت سلطات الكيان الصهيوني جدار الفصل العنصري، وقلبت الضفة الغربية من فلسطين المحتلة إلى سجن كبير، وعندما استمرت في عملية قضم لصوصي لأرض الضفة الغربية، مدان من قبل العالم كله، ومتعارض مع كل الحقوق والقيم الإنسانية، وذلك لبناء مستعمرات استيطانية للأغراب على حساب أصحاب الأرض وكيانهم الحقوقي المعترف به من قبل كل دول العالم، وعندما ظلت تتحدى العالم بسجن الألوف من شباب وأطفال عرب فلسطين، وهدم البيوت، واقتلاع الأشجار، واستباحة غزة وأهلها.. عندما مارست تلك السلطات الاستعمارية العنصرية كل تلك القبائح الهمجية اعتبرناها تمارس أبارثهايد لا أخلاقيا مماثلا للأبارثهايد الذي مورس في جنوب إفريقيا.
اليوم تنتقل سلطات ذلك الكيان إلى مستوى أعلى في ميزان الشرور الشيطانية، إنها بقوانينها الجديدة، وعلى الأخص قانون الدولة القومية اليهودية، تهيئ الأجواء لممارسة رذائل التحقير والاستعباد للإنسان العربي الفلسطيني، ولاجتثاث وجوده المادي والمعنوي في كل الأرض الفلسطينية، بل في كل منافي ومخيمات لجوئه البائسة. هذه هي الصورة التي تغيب عنها الأخلاق والقيم الإنسانية ومشاعر التضامن البشري، وكل وحي جاءت به الديانات السماوية. يغيب الله في ذلك المشهد لتحل محله الشياطين وهي ترقص وتغوي وتزين.
لسنا معنيين بسلطات الكيان الصهيوني، التي أصبحت تجسد عقلية المافيا، التي لا تعرف إلا صنعة القتل والابتزاز واللصوصية. لقد فقدنا الأمل في أن توجد لديها صحوة ضمير، أو حتى أقل التزام بأي عرف دولي. هذا كيان أصبح خارج المجتمع البشري، إذ يهذي بأنه شعب الله المختار المميز.
ولسنا معنيين بالاعتماد على الحس الإنساني واحترام المواثيق الدولية وحقوق الإنسان عند أمريكا، أو أوروبا، أو روسيا، أصحاب النفوذ النسبي لدى الكيان الصهيوني، فهؤلاء لا يعرفون إلا المصالح النفعية، حتى لو قامت على أشلاء الدول والمجتمعات والبشر. تاريخهم وتجارب العرب يشهدان على ذلك.
لكن ماذا عن الفلسطينيين وإخوانهم العرب؟
فإذا كان ذلك لا ينهي كل صراع، وكل خلاف، وكل انقسام مصلحي، وكل مماحكة، بين كل فصائل الفلسطينيين وأحزابهم وأفرادهم ودياناتهم وأيديولوجياتهم، فإننا لن نستطيع إلا الحكم بأن ضحية الاغتصاب الصهيوني بدأت ترضى الاغتصاب السياسي والثقافي والوجودي، وتتلذذ به وتطلب المزيد. لن نجامل بعد الآن، ولن نتستر على حفلات الزار والجنون والبلادات والهمز واللمز والكوميديات، فقد تعب الشعب الفلسطيني من تقديم التضحيات، بينما يقوده البعض من محنة إلى محنة.
وإذا كان كل ذلك لا يقنع العدد المتزايد من الحكومات العربية المتجهة نحو التطبيع بصور علنية وسرية، بأن سلطات هذا الكيان وقسما كبيرا من مؤسسات المجتمع المصطنع الذي أقامه، كانوا ولا يزالون يتحدثون عن اغتصاب ممتلكات المواطنين الفلسطينيين، واقتلاعم من وطنهم وترحيلهم خارج ذلك الوطن، والتمييز ضدهم في الحقوق الإنسانية كلها، تمهيدا لإخراجهم من التاريخ وجعل حاضرهم جحيما لا يطاق، وإدخال مستقبلهم في مهب الريح، أي التنفيذ الكامل للأيديولوجية الصهيونية الاستعمارية الاستيطانية الاجتثاثية، إذا كانت تلك الحكومات لم تقتنع بعد بذلك، حتى بعد القرارات الأخيرة بجعل فلسطين وطنا قوميا لليهود فقط، وجعل مدينة الإسراء والمعراج حصريا أبديا لهم، فإننا لا نلام إن شممنا رائحة التخلي عن التزاماتها القومية العروبية، بل الإعلان بأنها لا تنتمي إلى أمة العرب ووطن العرب. وهي بانهائها للمقاطعة السياسية، بعد أن نجحت في إنهاء المقاطعة الاقتصادية، وبوجود دلائل لاندماجها الاستخباراتي الكامل وتنسيقها الاستراتيجي الأمني المتعاظم، تهيئ الطريق لتدمير النظام الإقليمي القومي العروبي في السياسة والاقتصاد والثقافة والأمن والدين.
وإذا كانت مجموعة صغيرة من أفراد هذه الأمة، وجلهم في خدمة الاستخبارات ودوائر النفوذ الصهيوني ومن النفعيين، لا يرون في القانون الجديد خطرا يستحق مراجعتهم لمواقفهم الجاهلة، تماما كما مارسوا العمى عن سبعين سنة من ممارسة الكيان الصهيوني لكل الجرائم والانتهاكات والكذب والتلفيق، فإننا إضافة إلى شم الأخطاء والخطايا، سنبدأ بشم الخيانة والطعن في الخاصرة وممارسة ثقافة البغاء السياسي. نحن إذن أمام ملحمة كبرى، تتنامى بسرعة مذهلة لتصبح تراجيديا قومية وإنسانية كبرى. وهذا العالم يجب أن يخبر بأنه سيتعامل منذ الآن مع جنون صهيوني شمشوني سيدمر نفسه ومعه العالم كله. لا مبالغة في ذلك، فالأخطبوط الصهيوني في كل مكان، وأدواته المالية والإعلامية والابتزازية في تعاظم. ولذا أصبح الآن واضحا بأن وجود دولة يهودية، كما يخطط لها عتاة الصهاينة ومن يناصرهم، سيعني أن الأرض العربية لن تنعم قط بالنمو الحضاري والاستقلال والعيش في سلام وتوحد أجزاء مكونات أمتها، فهذه الدولة المزمع إنشاؤها لن تسمح بذلك قط.
وما عادت مطالبات العالم كله بالإفراج عن المساجين الفلسطينيين، أو التقليل من العنف الإرهابي الصهيوني، أو تخفيف الحصار عن غزة، أو إيقاف الاستيطان الصهيوني، أو معاودة المفاوضات تحت تلك المظلة أو تلك، أو قبول صفقة القرن الأمريكية الكاذبة الصهيونية في روحها ومضامينها، ما عادت تلك المطالبات وتلك الحلول مجدية.
ما هناك إلا حل واحد:
العمل على قيام دولة فلسطينية موحدة، يتعايش فيها المسيحيون والمسلمون واليهود، تقوم على أسس ديمقراطية مواطنية بحتة، مندمجة ومتناغمة مع محيطها العربي والإسلامي، جاعلة القدس محجة مرحبة بكل أتباع الديانات السماوية، وبمعنى آخر بلد محبة وسلام. وإلى حين مجيء ذلك الوقت علينا، نحن العرب، أن نبني سدا منيعا في وجه أي علاقة اقتصادية أو سياسية أو أمنية أو ثقافية مع ذلك الكيان المجنون، وعلينا أن نحاول إقناع المجتمعات المدنية، في الغرب على الأخص، بمقاطعة هذا الكيان، في حدها الأدنى الثقافي والرياضي والعلمي.
رجال مثل نتنياهو وليبرمان ودونالد ترامب وكوشنر لن يتراجعوا إلا أمام ذلك السد.
كاتب بحريني

في مواجهة قانون القومية اليهودية

د. علي محمد فخرو

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد فوزي التريكي:

    سيدي مع احترامي لما كتبت
    اليهود يعتبرون انهم شعب الله المختار هل سيقبلون العيش جنبا الى جنب مع الفلسطيني العربي المسلم والمسيحي ؟
    ثانيا ما العمل مع قضية اللاجئين هل سيتمكنون من العودة الى فلسطين
    وان سمح لهم بالعودة اين سيعودون وقد هدمت ديارهم وجرفت بياراتهم
    على الإستعمار ان يرحل، وسيرحل استاذي الكريم نحن لنا وعدا صادقا من الله سبحانه “فاذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليتبروا ما علو تتبيرا ”
    انا كمغاربي لي ثأر مع اليهود الذين هدموا حارتنا حارة المغاربة سنة 1967 ساعمل على استرجاع ارثي المغاربي والديمقراطية والتعايش الذي تدعو اليه لن يعيد لي حارتي لا يفل الحديد الا الحديد

  2. يقول S.S.Abdullah:

    ديمقراطية مودي رئيس وزراء الهند تريد سحب الجنسية من 7 مليون مسلم في عام 2018، وديمقراطية نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني أصدرت قانون القومية العبرية، لتسحب الجنسية من كل عربي رفض أن يهرب بعد إصدار شهادة ميلاد الكيان الصهيوني عام 1947 وهو نفس عام إصدار شهادة ميلاد الهند؟! فهل هناك علاقة عضوية بين علمانية (الهندوسية) وعلمانية (اليهودية)، خصوصا وأن مودي كان أول رئيس وزراء هندي يزور دولة الكيان الصهيوني؟! فهل كل ذلك صدفة، أم المشكلة لها علاقة بالأمم المتحدة وبيان حقوق الإنسان وبيروقراطية إصدار شهادة الميلاد فيها؟! التي منعت إصدار شهادة ميلاد فلسطين وإعطاء صلاحية للنخب الحاكمة لسحب أي جنسية من أي إنسان وطرده من كيان أي دولة؟
    عنوان جميل (في مواجهة قانون القومية اليهودية) أو (العرب: بين الحروب وأدوار الدول المحيطة) وأضيف، من وجهة نظري عندما يعلن دونالد ترامب بداية الحرب التجارية بفرض رسوم للجمارك في عام 2018، هذا دليل عملي على أن اقتصاد دولة الحداثة بشكل عام، يعاني من أزمة وجود بسبب عدم قدرة على المنافسة في أجواء العولمة والاقتصاد الإليكتروني، وجميع الدول ومن ضمنها العربية لن تكون استثناء، فإشكالية النخب الحاكمة لثقافة الـ أنا اولا ومن بعدي الطوفان، ليس من طبيعة تكوينها إلا أن تكون معصومة من الخطأ، فلذلك كل جهة تبحث عن شماعة للأخطاء (نظرية المؤامرة)، فيبدأ الحرب بحجة أتغدى به قبل أن يتعشى بي، ما دام المنطق أساسه الصراع بدل التكامل والتعايش والمنافسة الشريفة، لأن في أي سوق عندما يغشك أي بائع، لن تحتاج العودة للشراء منه مرة ثانية، ومن هنا أهمية المصداقية في أداء أي وظيفة والعمل على تطويرها، لمن يرغب أن يزيد عدد من يشتري منه منتجاته اللغوية أو الترجمية، ولذلك الآن يجب على مناهج التعليم إيجاد طريقة لتعليم أكبر عدد من اللغات في أقصر وقت، ومن هنا أهمية مشروع صالح التايواني لتعليم اللغات بطريقة موحدة، أساسها خمسة أركان: الحوكمة (الحاجة ام الاختراع)، لوحة المفاتيح (الأتمتة)، الحرف (الأصوات والموسيقى)، الكلمة (معنى المعاني وهيكل قواعد بناء الكلمة والجملة)، الجملة (التواصل والاتصال والتكامل لتكوين ثقافة الـ نحن)، ما يوفره لك النظام هو الاعتراف بوجود الآخر فهناك أكثر من طريقة تفكير وتصميم لتمثيل أي صوت في لغة، ويجب التفريق والتمييز، بين ناتج ترجمة الآلة، وجودة ناتج ترجمة الإنسان.

إشترك في قائمتنا البريدية